تحولي هذا ليس وليد الآن، رغم أنه مفاجئ، فأنا كنت في قرية من قرى الريف اليمني ويفترض أن أكون متعاطياً للقات، ومع ذلك كانت لدي قناعتي التامة في عدم تناوله.. انتقلتُ إلى المدينة ولا زلتُ أحمل تلك القناعة حتى أقنعتني امرأة حداثية للمشاركة في حملات محاربة القات، وبعدها فقط قررتُ أن أتراجع عن قناعتي .. ليس لأعاند توجهاً ما في اليمن ولكن لأحاول أن أكون منصفاً أكثر .
القات كيف الشعب اليمني مثله مثل أي (كيف) لبقية شعوب العالم.. ليس سيئاً بطبيعة الحال كما أنه ليس جيداً أبداً، ولهذا أؤمن في التعامل معه بقاعدة (لا إفراط ولا تفريط).
يجتمع اليمنيون في مقايل القات ويتحدثون ويبنون اتصالاتهم المجتمعية أكثر من أي مكان آخر، ولو شئتم البحث في شبكة الإنترنت ستجدون أن أطراف الصراع اليمني يتعاطونه خارج اليمن كوسيلة لجمعهم في جلسة واحدة يناقشون فيها قضايا البلد، وإلا لما اجتمعوا أبداً. لا أقولُ بأنه المفتاح الوحيد لبناء العلاقات الاجتماعية الفعّالة، ولكنه أيضاً لا يجبُ تجاهله كواحدة من أدوات الاتصال مع معظم أبناء الشعب اليمني .
بعيداً عن الدراسات الاقتصادية والصحية التي أجراها كثيرون وتبناها آخرون أيضاً حول القات أو حتى دوافعها، ولكنني أتحدثُ عنه من جانب واحد فقط .. الوسيلة الاجتماعية الفعالة والقوية في اليمن التي تخلق اتصالات بين الناس بطريقة لا يختلف عليها أحد .
حين قررت البدء بتجربة القات بسبب سؤال ظل يدور في رأسي .. ( لماذا أحارب القات ) .. طلبتُ من أخي وهو متعاطي شره للقات أن يتوقف عن تناوله، فسألني (هل قد خزنت من قبل) يقصد هل تناولته مسبقاً.. أخبرته لا (قال إذاً لماذا تحارب شيئا أنت لا تعرف عنه شيء)؟ حينها فقط تنبهت إلى أنني أفعل شيئاً ما لمجرد مسايرة الآخرين أو إرضائهم.. تناولت القات لمدة عام كامل وعلى مدى متقطع في فترات محددة، وقطعاً ليست بالشكل والصورة التي أعتاد البعض مؤخراً تعاطيها.. ربما حاولتُ استدعاء الطريقة الأنيقة لأجدادنا حين كانوا يتناولونه بكميات معقولة جداً لا يمكنها أن تؤثر على أمزجتهم وحالاتهم الصحية والنفسية، وحقيقةً خلصتُ بنتائج أودّ مشاركتها معكم باختصار في التالي:
القات (مزاج) اليمنيين، ولا يجبُ التعامل معه بتطرف سواءً من فريق التوعية بمخاطره أو الرافضون لهكذا حملات.. وإنما العمل عليه وفق قاعدة لا إفراط ولا تفريط، وبحيث لا يكون الضرر على الجميع .
القات وسيلة اتصال فعالة بين الناس ولا يجب إلغاؤها، وإنما ترشيد استخدامه وتوعية المزارعين والناس بهذا الأمر، وأولئك الذين يُحاربون نبتة القات هم فقط لا يشكلون سوى نسبة بسيطة من المجتمع اليمني ويجلسون في بروجهم العاجية بعيداً عن حقيقة وبساطة الناس والمجتمع، وستُدهشون لو أخبرتكم وهذا عن تجربة مؤخراً .. تجربة التزمتُ بالقيام بها لمعرفة حقيقية مُحايدة لما يحدث. فقد وجدتُ في كثير من مقايل القات التي حضرتها بأنها تناقش مواضيع وأفكار وقضايا بدءً من الخليقة وانتهاءً بالحرب مروراً بفلاسفة العالم الكبار وحكمائه، ومناقشة كافة قضاياه بوعي لم أجده في حِراك المنتديات الثقافية والتوعوية في اليمن .
من يحاولون محاربة القات وجدتهم يُريدون الترويج فقط لبدائل يريدون الكسب من ورائها وهذا يعني استبدال المزاج بمزاج آخر .
أخيراً: للقات فوائد وله سلبيات، والسير بتوسط في الأمر بما لا يعود بالضرر هو الحل الأفضل، وليست تلك الحملات المتطرفة التي يمكنها أن تضاعف المشكلة .
ولمعرفة سبب قناعتي بهذه السياسة البسيطة (الترشيد)، انظروا لهولندا مثلاً.. فقد استطاعت في العام 1976 انتهاج سياسة الترشيد لاستخدام نوع محدد من المُخدرات (الحشيش والماريجوانا)، وهذا من وجهة نظري حصّن المجتمع الهولندي من الوقوع فيما هو أخطر على أبنائها، وهذا السلوك الذي أتمنى أن يتم انتهاجه في بلدي.
انا خزنت قرابة ٢٠ سنة ووصلت إلى قناعة انه السبب الرئيس في حالة البؤس الذي وصل إليها الشعب اليمني