article comment count is: 3

المساحات الآمنة.. خطوات جريئة تفتقد للتعريف

يشكل العنف ضد النساء والفتيات واحداً من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، إذ تتجذر ظاهرة العنف ضد المرأة بشكل كبير، بناءً على الموروث الثقافي الذي يمارس تمييزاً مجحفاً ضد المرأة على مختلف الأصعدة، ويجردها من شتى الحقوق التي كفلتها كل الدساتير والشرائع السماوية.

في اليمن بات العنف ضد المرأة أمراً بديهاً، والنساء أنفسهن بتن يتعايشن مع هذا الوضع، وأغلبهن يتقبلنه بخضوع تام، بفعل تراكم الانتهاكات ضدهن في غياب من يأخذ بأيديهن، ويدافع عن حقوقهن المهدورة، فهناك تزايد في معدلات الزواج القسري بما فيه زواج القاصرات، وحرمان فج من حقوقهن في الطلاق، والميراث و الحضانة.. وما إلى ذلك، إضافة إلى انعدام الحماية القانونية، الأمر الذي يجعل المرأة عُرضة للعنف الأسري والجنسي على حد سواء.

تقدر الأمم المتحدة أن “هناك 3 ملايين امرأة وفتاة تقريباً معرضات لخطر العنف في 2018″، وهذا الرقم يظهر بجلاء حجم المآساة التي يعايشنها النساء في البلد.

بداية المساحات الآمنة

في ظل حالة التنمر والعنف الممارس على المرأة اليمنية، ومع دخول الحرب عامها الخامس في البلاد، تفاقمت معاناة النساء، وازداد منسوب العنف والأزمات النفسية عليهن، تحركت العديد من المؤسسات والمنظمات الإنسانية لمد يد العون للمرأة اليمنية من أجل تجاوز مصاباتها الأليمة.

في أواخر العام 2017 دشنت مؤسسة أدفانس مشروع المساحات الآمنة والصديقة للنساء النازحات والمتضررات من الحرب في ثلاث محافظات يمنية (صنعاء، تعز، عدن) كأكثر المحافظات تأثراً بالحرب، وكان هذا المشروع بتمويل من وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية كإضافة في هذا المجال البكر على الأراضي اليمنية.

يقول أمين سعيد مدير مؤسسة أدفانس لمنصتي 30 : “طبعاً المساحات الآمنة هي عبارة عن أماكن آمنة تشعر فيها المرأة بالحرية في التعبير، والاختيار، والمشاركة دون خوف أو ضغط، أو رقابة من أحد، وقد بدأنا العمل في أكتوبر 2017 من خلال 3 فروع في كل من صنعاء وعدن وتعز”.

يضيف سعيد : “نسعى من خلال هذا المشروع إلى إيجاد بيئة اجتماعية ملائمة، وخلاقة، وتنموية تساعد النساء، والفتيات على التكيف مع الأوضاع الجديدة المفروض عليهن، عن طريق أنشطة الدعم النفسي، والاجتماعي التي ستنفذ كالخياطة، وصنع المعجنات والعكك، والأشغال اليدوية، والحياكة والتطريز وغيرها من الأنشطة والمهارات المهمة، التي تساعد المرأة على تحسين وضعها ومواجهة ظروف الحياة وقسوتها، وتجعلها عضواً فاعلاً في المجتمع”.

إضافة إلى ذلك هناك الكثير من المساحات الآمنة في العديد من المحافظات والتي ينفذها اتحاد نساء اليمن بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان وتقدم العديد من الخدمات التأهيلية والخدمية، والنفسية، والقانونية، والاقتصادية.

إقبال ضعيف

رغم أن هذه المساحات وجدت من أجل مساعدة وتأهيل النساء المتضررات من العنف، إلا أن الإقبال عليها ليس بالحجم المأمول، وهناك أسباب عديدة متداخلة شكلت حجر عثرة أمام تفاعل النساء مع هذه المساحات، أبرزها الجهل بماهية المساحات الآمنة، وخدماتها، فالأمية سائدة في الوسط النسائي اليمني، والمتعلمات منهن يعشن في عزلة عن مشاريع المساحات الآمنة، وليس بمقدورهن اللجوء إليها، كذلك يمثل مفهوم العيب المتجذر في العرف اليمني يعد واحداً من تلك الأسباب، إذ أن المجتمع يصف لجوء المرأة لهذه المساحات بالمعيب، والخادش لعادات وتقاليد المجتمع تلك التي تجرم خروج المرأة من منزلها، وتحتقر المطالبات بحقوقهن الإنسانية، أضف إلى ذلك تسليم المرأة نفسها باعتبار ظاهرة العنف باتت مسألة طبيعية ينبغي التعايش معها، ناهيك أن هناك شريحة واسعة من النساء تنظر لهذه الخدمات على أنها غريبة ودخيلة على المجتمع اليمني، وتستوجب الشك في دوافعها.

تقول هدى قاسم (مدرسة مادة اجتماعيات) لمنصتي 30: “من الصعب على النساء اللجوء لهذه الخدمات، أو التجاوب معها بسرعة بسبب التخوف من نظرة المجتمع وقسوته تجاه المرأة، وكذلك بسبب غياب الوعي بهذه الخدمات، وأغراضها، والنساء اليمنيات بشكل عام لديهن رهاب من أي مشاريع أو أفكار جديدة تهتم بشؤونهن، لأنهن تربين في بيئة قاسية تمنعهن من قبول أية مساعدات من أطراف خارج الأسرة نفسها، ناهيك عنها منظمات أو مؤسسات أجنبية”.

ضرورة التوعية بخدمات المساحات الآمنة

اليوم هناك ضرورة ملحة لتوعية النساء والمجتمع اليمني ككل بخدمات المساحات الآمنة، من أجل إزالة شكوك المجتمع، ومخاوف النساء من هذه المشاريع الوليدة، وبالتالي كسب ثقتهن في هذه المساحات باعتبارها ملاذات آمنة تحمل على عاتقها هدفاً نبيلاً وجد لمساعدة المرأة اليمنية المتضررة من العنف.

تتنوع طرق توعية النساء بهذه المساحات، ولعل أبرزها الحملات الإعلامية، والبرامج التوعوية عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام التقليدية، ثم إقامة الأنشطة والفعاليات التدريبية للنساء الناشطات، والمؤثرات في مجتمعاتهن، اللواتي سيشكلن النواة الأهم لإنجاح العمل، وكسب ثقة باقي النساء، كذلك سيكون من المفيد تدشين حملات توعية في المدارس، والتجمعات السكنية توضح الخدمات الجليلة لهذه المساحات، وتبين دورها الكبير في مساعدة المتضررات من العنف والحرب، وغيرها من طرق التوعية.

في النهاية تبقى المساحات الآمنة في اليمن مولودا طال انتظاره، كون البلد من أبرز البلدان ممارسة للعنف ضد النساء عبر التاريخ، وها هي (المساحات الآمنة) تضع بواكير حضورها على الساحة اليمنية، لكنها تحتاج مزيداً من الدعم، والتعاون المحلي والدولي، لتثمر أنشطتها، وتحقق أهدافها المنشودة.

 

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (3)