من أين يأتي سيل النكات الذي يترافق مع حدث، أو فئة، أو سكان منطقة أو يتناول شخصيات محددة؟
لماذا في توقيت معين تنهال النكات وتنتشر بسرعة غير متوقعة؟
ما العلاقة بين الظروف السياسية والاقتصادية وظهورها؟
أسئلة كثيرة تدور في الأذهان، ولا بأس من تناول النكتة بشيء من الجدية.
تعتبر النكتة تقنية لغوية بالغة التكثيف والسخرية، شديدة النفاذ بمضامينها المركزة التي تغني الواحدة منها عن مقال كامل أو حديث مسهب. فهي بمثابة موقف صاغه عقل جماعي بمفردات بسيطة قوامها المفارقات المكثفة التي تعج بها وقائع الحياة اليومية، ويؤمن الفولكلوريون بأن النكتة لا يتم اختراعها ولكنها تتطوَّر. وبحسب الدراسات لا توجد نكتة محكية لأول مرة. فمعظم النكات المتداولة حالياً تعود في أصولها إلى عشرات السنين، ولكنها قد تظهر في كل مرة بثوب مختلف بحسب ما يخلع عليها الوسط الثقافي المتداولة فيه من مظهر جديد، فقد تتغير الأسماء والأماكن والظروف المحيطة، لكن السياق وتسلسل الأحداث والفكرة هي هي.
ينتشر خبر حادثة معينة أو إجراء معين، وربما رد فعل لشخص معين تجاه حدث ما وفجأة تنهال كمية غير محدودة من النكات تجعل من الموقف هزلياً ومن الإجراء أضحوكة ومن الشخص هدفًا سهلاً وكأنه مرمى صيد، والملفت للانتباه والجدير بالدراسة فعلاً حالة التكاثر والتداول السريع لها، وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعية في نشر النكات، وجميعنا تصله النكات نفسها يقرأها على الفيس بوك وتصله على الواتس آب في رسائل فردية أو ضمن رسائل المجموعات.
حالة الضحك التي تنتابنا ظاهرياً بتأثير سماع النكتة أو قراءتها تخفي وراءها غصة وألماً وحالة رفض، إذ يمكننا القول إن النكتة هي حالة من العنف موجهة لمن تسبب لنا في ألم أو ضغط من أي نوع من خلال تحويل العدوانية من الذات وتصريفها بفعل مقبول هو استهداف أشخاص أو موضوعات تتعلق بالسياسة أو القائم على الكبت مثل الوضع السياسي ورجال الدولة أو أي رموز أخرى وهي بذلك تنجح في إحداث تغيير في الوعي كبديل للتغيير المطلوب إحداثه في الواقع، هذا يعني أن النكتة هي لغة الشعور، و لغة اللاشعور ولغة التنفيس عن المكبوت لذلك تكثر وتشيع في الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية وعند اشتداد الضغوط المحيطة بالمجتمعات في الفترات المختلفة.
حاولت بعض النظريات تفسير وفلسفة النكتة، كما حاول بعض العلماء دراستها وفهمها فعالم النفس فرويد مثلاً يعتبر النكتة والحلم ينبعان من اللاوعي، ولكن الفرق الوحيد بينهما هو أن النكتة وُجدت كي يتم استيعابها أي فهمها وهو السبب الأساسي لوجودها أصلاً، على العكس تماماً فإن الحلم قد يتعذَّر فهمه حتى على صاحبه.
وتفترض نظرية التفوق في تفسيرها للنكتة أن لبّ الدعابة هو في السعادة المفاجئة التي تخلفها النكتة وإضفائها جواً من المرح يشعر المتلقي بالتفوق حتى على من تسبب له في الأزمة من خلال السخرية منه، بينما نظرية التنافر ترى أن الدعابة تنشأ حينما يمتزج اللائق المنطقي على نحو مفاجئ مع الوضيع والعبثي، فعلى سبيل المثال عندما تحدث موجة من غلاء الأسعار تتوالى النكات التي تتحدث عن هذه الظاهرة بسخرية لاذعة كتلك التي تتحدث عن تلقي الدجاج التعليم في جامعات خاصة ووضعها بيضها في مستشفيات مرموقة.
دعونا نتفق أن النكتة تحقق التواصل بين الأفراد في أوقات الأزمات، كما أنها تلعب دوراً مهماً في مقاومة الاكتئاب والقلق والغضب والإحباط من خلال الوجود الضاحك فالنكتة أسلوب لمواجهة الأزمات النفسية.
ويرى الدكتور شاكر عبد الحميد أنها تخفف وطأة القيود الاجتماعية والسياسية، كما تشكل تنفيساً لمشاعر الإحباط واليأس التي يشعر بها الناس تجاه بعض الشخصيات السياسية أو تجاه الظروف الاقتصادية والسياسة السيئة، فقد تكون موجهة ضد شخص أو مجموعة أشخاص في السلطة أو ضد نسق اجتماعي أو أفكار سياسية او دينية، أو ضد جماعات أخرى وقد تتم أيضاً بهدف اللعب والمرح.
على رأس قائمة النكات فإن السياسية، وذات المغزى العدواني والنكات ذات المغزى الجنسي التي يمكن تصنيفها للكبار فقط تحظى بشعبية كبيرة ونصيب كبير من التناول والتداول، ويمكن تفسير ذلك لأنها تعفي صاحبها من الالتزام بآداب المجتمع وتمكنه من التعبير عما لا يستطيع التعبير عنه صراحة.
يقولون إن الأنظمة تجهز مطابخاً لإنتاج النكات لقياس الرأي العام أو لمآرب أخرى، أياً كان الوضع تظل النكتة مادة محببة سريعة الانتشار ولن يفسدها تناولها بشيء من الجدية.