كانت حفلة عيد ميلاد “سارة علوان” هذا العام استثنائية، ”بارقة سلام لمعت في جو المدينة الملبد بدخان الحرب“. كما يفضل كثيرون وصفها.
”بعمرها“ لم يسبق أن أحيت ذكرى يوم ميلادها الذي يوافق السادس من يونيو/حزيران قَط، لكنها عندما قررت أن تفعل، خططت لإقامة حفلة مميزة لا ينمحي ذكرها لمجرد أن يغادر الضيوف، ولتكون فكرة ملهمة يحذو حذوها الآخرون ويتفوقون عليها حتى.
جهّزت المتطلبات من زينة ومشروبات و”جاتو” بالطبع، ثم اصطحبت بعض الأصدقاء والصديقات إلى دار الأيتام في تعز، حيث أطفأت الشموع على وقع تصفيق وضحكات الأطفال الصغار.
”بالإمكان الاحتفال بأعياد الميلاد بطريقة أفضل بدلا عن حفلات البذخ والمظاهر مع الأصدقاء في الكافيهات، تلك هي الرسالة التي أحببتُ إيصالها للشابات والشبان، إذ تحتم علينا ظروف الحرب التي نعيشها أن نوسع نطاق الابتسامة ما استطعنا ..“ قالت علوان.
ولدت سارة وترعرت في مدينة عدن جنوبي اليمن، وهي من عائلة تنتمي إلى ريف مدينة تعز شمالاً.
منذ الصِّغر كانت تشعر أنها تنتمي إلى أولئك الذين تراهم يقومون بالأعمال والمبادرات التطوعية، علاوة على مصادقتها لعدد من الفتيات اليتيمات، ومع ذلك لم تقم بأيّ من الأمور تلك إلا بعد تخرجها من الجامعة، عندما أدركت أن عائق غياب الدعم مجرد وهم.
”بعدما تخرجتُ قررت أن أحقق شيئاً يفيد من حولي، هل أظلّ أنتظر الوظيفة كي أقوم بما أتمنى القيام به منذ الطفولة؟..“.
أخذت الفتاة البالغة من العمر 27 عاماً تبعات الحرب بالحسبان. هي تعلم أن إيقاف الحرب خارج قدرتها، لكنها واثقة من أن تخفيف وطأتها على المواطنين أمر متاح إذا توفر الشغف بجانب إمكانيات بسيطة.
بزيارة دار للأيتام عزمتْ “سارة” على بدء مشوارها. ومثل جهلها لشوارع وأحياء مدينة تعز لم تكن متأكدة مما إذا كان ثمة دار فاعل بالفعل، خصوصاً وأن غالبيتها تعرض للإغلاق بسبب الحرب.
لكن ببعض التفكير وجدتْ أن وسائل التواصل الاجتماعي دليل جيد يمكن اللجوء إليه، وبمجرد أن سألت في منشور على حسابها في فيسبوك انهالت عليها التعليقات التي أرشدتها إلى موقع “دار سبيكة للأيتام” الوحيد بالمدنية.
في أكتوبر الماضي قصدت “علوان” الدار وأخذت نزلاءه ونزيلاته في رحلة صباحية إلى ملاهي “جاردن سيتي”، ومسائية إلى حديقة “نيو بارك” المائية.
تشعر “علون” بسعادة غامر لأن الرحلة بقدر ما أحلت السلام في نفسيات الأطفال؛ أدت صورها التي نشرتها في فسيبوك دور المسوّق للدار الذي كان مايزال مجهولاً لكثيرين، وبدأ يشهد زيادة في عدد الزيارات، حتى أن بعض المدارس الخاصة أصبحت تنظم رحلات لطلابها إليه، فضلاً عن مبادرات شخصية شابة كبادرة سارة.
اعتمدت فيما بعد على فيسبوك لعرض فعالياتها ولاستقطاب المتطوعين وأحياناً الدعم، كذلك لا تتوقف عن نشر كتابات تحث متابعيها، يصل عددهم 10 ألف تقريباً، على المشاركة في بناء السلام في محيطهم. وقد زادت في الأثناء ثقة أهلها بقدرتها على الاستمرار في وجهة شعروا حيالها بالقلق في بداية الأمر.
” أسرتي كانت متخوفة من موضوع انطلاقتي المفاجئة، لا سيما وأنني لا أملك معارف كُثُر بتعز، كانوا قلقين من عدم تقبل المجتمع لظهوري المفاجيء.. لكن بعدما وقف الناس معي ووجدوا أنني وضعت بصمة جيدة في حياة أشخاص، أصبحوا هم أكثر الداعمين لي“.
لم يمضِ عام على بداية سارة علوان لأعمالها التطوعية، بالرغم من ذلك نجحت في القيام بالكثير منها بجهود ذاتية، ولا يتسع المجال لحصرها، لكن نذكر على سبيل التمثيل (بجانب ماسبق):
- زيارات أسبوعية إلى مركز “الأمل لعلاج مرضى السرطان” استمرت لشهر.
وعن طبيعة الزيارات، توضح علوان ”لم يكن ترفيهاً فقط، مثلاً في أول أسبوع جئت بمختص أسنان لتعريف الصغار بكيفية تنظيفها، في الثاني منحناهم بعض القيم السلوكية المهذبة في التعامل مع الغير، بعدها كيف يعبرون عن مواهبهم المختلفة وهكذا…“.
- توزيع هدايا بسيطة في أول أيام عيد الفطر الفائت لـ130 طفل وطفلة. والملفت أن التوزيع بدأ من منطقة العروس في قمة “جبل صبر” ونزولاً إلى أفقر الأحياء في المدينة.
بهذه المبادرة أيضاً، تقول إنها أعلنت في فيسبوك تكفلها بثمن العيديات لكنها بحاجة لمن يساهم في تغليفها مجاناً، وقد استجاب لها مالكو ثلاثة محلات متخصصة بذلك. أمّا سبب البداية من العروس”لا يحظى أطفال صبر بالترفية غالباً، وقد حرصت على أن استهدف المناطق الأكثر احتياجا فالأقل…“.
ليس لسارة فريق ثابت. عند الإعداد للقيام بمبادرة تعلن بالفيس عنها وتباشر تشكيل الفريق الذي يكون في الغالب مختلفاً عن السابق، وهو حال فريق مبادرة “إعادة الألعاب الشعبية” التي نفذتها مؤخراً.
فكرة المبادرة جمع الأطفال في أحياء مختلفة، وإشراكهم في ألعاب تقليدية لم تعد شائعة كالسابق مثل الفتاتير، شد الحبل، كرة القدم…”أحببنا بهذا إخراج الأطفال من حالة الهوس بالألعاب التي تحاكي الحرب والألعاب الإلكترونية كذلك“ حد تعبير علوان.
ينصب اهتمامها بفئة الأطفال مثلما يبدو، تعيد سارة ذلك إلى أن هذه الفئة تضررت، أكثر من غيرها، من النزاع الدائر منذ سبع سنوات، كما أن تعبئتها بقيم السِلم يمنع تصدير الحرب إلى المستقبل، باعتقادها؛ لذلك هي تقضي وقتاً طويلاً في الاطلاع على الكتب والبرامج التي لها علاقة بتقديم الدعم النفسي والمعنوي للصغار.
تعمل سارة علوان الآن على نقل تجاربها إلى مخيمات النازحين في ضواحي تعز، وتتمنى لو توسعها إلى جميع المدن في اليمن، لكن ما يؤرقها كثيراً، أنها ترغب في إقامة مخيم صيفي مسائي للأطفال يمتد طوال السنة، بعدما حققت نجاحاً مبهراً في مخيم مصغّر أقامته لمدة أسبوعين.
- هذا التقرير من إنتاج منصة “هيومنز أوف تعز” وينشر بالتزامن مع “منصتي 30” في إطار نشاط “بناة السلام”.