إشراق ملهمة في زمن الحرب
تصوير: أنس الحاج | Facebook
article comment count is: 2

إشراق المقطري.. ملهمة في زمن الحرب!

الحربُ دَينٌ بلا دائنٍ أو مَدِين، واستمرارها لسنوات عديدة قد يكلف المرأة ثمنًا مضاعفًا، فالتعايش مع ظروف فوضى الحرب ليس سهلًا، كما هو حال التعافي بعد السقوط، الذي يتطلب من النساء وقتًا للعودة بروح تخلو من التشظي والشتات، كما تقول إشراق المقطري، التي خاضت معركة كفاح طويلة خلال سنوات الحرب الماضية..

إشراق، واحدة من نساء مدينة تعز الواقعة جنوب غرب اليمن، تخرجت من الجامعة بدرجة بكالوريوس بيولوجي كيمياء، لكنها وجدت نفسها تتمتع بمهارات متعددة في الشؤون الحياتية والمهنية، ففي سنوات ما قبل انقلاب أنصار الله (الحوثيون) على الدولة، واندلاع الحرب في اليمن، آذار/ مارس2015، كانت تشعر بالاستقرار، وعلى مقربة من تحقيق حلمها، والوصول إلى نقطة النجاح.

تتحدث إشراق المقطري لـ”منصتي 30“: “كان هدفي أن أستقر في حياتي، ونعيش حياة هادئة، وطموحي أن أشتغل كوافيرة ومنقشة، ويكون لي محل راقي. وصلت لأهدافي، ونجحت في العمل بالكوافير، وبدأت أقترب أكثر من توالي النجاحات، وهذا بفضل الاستقرار المادي والاجتماعي”.

بنبرة حزينة، تضيف متحسرة: “جاءت الحرب، ومن هنا بدأت المعاناة والخسران لكل ما بنيناه في السابق.. في البداية نزحنا من بيتنا، الذي احترق إثر الحرب والاشتباكات بما فيه من أثاث. احترق محل الكوافير، وكل ما نملك، وفوق هذا سقطت قذيفة عشوائية وبترت ساق زوجي أثناء مروره في شارع العوضي”.

تؤكد المقطري صدق المقولة الشهيرة بأن المصائب لا تأتي منفردة، وهذا ما شكل عليها ضغطًا نفسيًا كبيرًا، فاحتراق المنزل، وفقدان الأثاث، ومصدر رزق الأسرة الوحيد، وإصابة زوجها، الذي تحول بين عشية وضحاها إلى مقعد على فراش المرض، وغير قادر على الحركة.. “عشنا فترة الحرب بخوف، ودون أمان. لا نمتلك مأوى، ولا منزل نسكنه، ولا عمل يوفر لنا لقمة العيش”.

 

بداية التعافي

الإحساس بالعجز، شعورٌ لا يوصف، حد تعبير إشراق المقطري، التي لجأت مضطرة لبيع الذهب الخاص بها، وسداد تكاليف علاج زوجها، الذي فقد ساقه اليمنى، وسد رمق أطفالها الثلاثة الذين لا يتحملون الجوع والبرد، وهذا ما جعلها تتحمل مسؤولية الأسرة على عاتقها، وتبحث عن فرصة عمل توفر احتياجاتهم الضرورية.

توضح المرأة لمنصتي 30: “كنت أمتلك ذهب، بعته لأجل علاج زوجي، وبالمقابل كنا ننام بدون عشاء.. نأكل وجبة واحدة كي لا نموت. كنت أتساءل عندما تخلص فلوس الذهب من سيكون لنا؟ كنت أموت باليوم ألف مرة، خاصة لأني أصبحت مسؤولة على ثلاثة أطفال ووالدهم”. تضيف، “كنت على استعداد لأي عمل، اشتغلت كمدربة براتب ضعيف”.

بداية تعافي إشراق المقطري، كانت من الحاجة والرغبة في شراء حقيبة تحمل بها أشياءها الضرورية، ونزولها إلى السوق لشرائها؛ لكنها اصطدمت بالأسعار التي وقفت عائقًا أمام جلب ما تريده. تتحدث بنبرة اعتزاز: “كان سعر الحقيبة جدًا غالي بالنسبة لي، ولم أستطع شراءها، لذلك فكرت كثيرًا.. لماذا لا أتعلم صناعة الحقائب طالما هي نوع من أنواع المهارات المهنية الحياتية؟”.

بعدها واصلت إشراق دراسة فكرة صناعة الحقائب، وما يتطلب منها للقيام بذلك، وكيف ستجلب الأدوات اللازمة لخياطة الشنط، ليأتي الفرج -حد وصفها- من خلال اتصال إحدى الجهات.. تقول المقطري: “طلبوني أشتغل معهم في قرية كمدربة كوافير مقابل مبلغ مناسب، وافقت على الفور، وذهبت مع زوجي وابني الرضيع، وتركت أولادي عند بعض الأهل. عملت في التدريب لمدة محددة، وأخذت المبلغ المتفق عليه، واشتريت ماكينة نوع خاص بصناعة الحقائب واشتريت جلد وبدأت أتعلم”.

تدريب الشباب

وجدت إشراق الكثير من الصعوبات، فإلى جانب توفير لقمة العيش وشراء آلة خياطة الشنط والحقائب، وزحمة متطلبات الحياة اليومية، رأت إشراق المقطري أنها بحاجة ماسة إلى يد تُعينها وتساعدها في ترتيب حياتهم، والعمل على صناعة الحقائب، وفي الحقيقة لاقت صعوبة في إقناع زوجها المعاق حركيًا بالعمل جوارها في مهنة الخياطة الجلدية وإنتاج الشنط المحلية.

بصوت يخلو من اليأس تقول إشراق: “أقنعت زوجي بصعوبة، أنه يستطيع العمل، وبالإصرار سيكون قادرًا على صناعة الحقائب.. لأنه كان يعمل كهربائيًا، فكيف أحوله إلى خياط وصانع حقائب”. مؤكدة أن زوجها في بداية الأمر رفض وبشدة فكرة العمل في هذه المهنة.

بعد موافقته على العمل بجانبها، انطلق هذان الزوجان في تعلم صناعة الحقائب، ودرسا “أونلاين” حتى وصلا إلى تحقيق الهدف الأول؛ وبحسب إشراق فإنها تمكنت برفقة زوجها من صناعة أول حقيبة. “كانت بصراحة تحفة، لا شكل لها، ولا نستطيع وصفها.. لا أدري كيف كان شكلها ولكن كنت أراها أجمل حقيبة في العالم”.

بعدها سارع الزوجان في تصحيح الأخطاء والاستفادة من الانتقادات في تعديل “الحقيبة الجميلة” إلى أن صارا اليوم قادرين على صناعة مختلف أنواع الحقائب بالأشكال الخارجية والمحلية، بالإضافة إلى عملهما في تدريب الشباب العاطلين، والأسر الأشد فقرًا في الأرياف والمدن على صناعة الحقائب الجلدية، التي انتشرت بشكل واسع في الأسواق خلال السنوات الأخيرة.

تتمنى إشراق أن يتحقق حلمها، بأن يكون لديها معمل كبير يغطي احتياجات السوق المحلي في داخل تعز وخارجها، وتجد الأيدي العاملة والشباب العاطلين متسعًا للعمل، والتقليل من نسبة البطالة، كما تطمح المقطري أن تصبح في قادم الأيام مديرة شركة للاستيراد والتصدير الخاص بالإنتاج المحلي وصناعة الحقائب الجلدية.

 

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (2)