article comment count is: 0

“فاطمة”.. تواجه آثار الحرب بحكمة!

“عندما بدأت الحرب – في البلاد – غادرت منزلي كبقية سكان الحي، بحثًا عن الأمان. قضيت نحو سبعون يومًا في خوف وحصار. عندما عدت إلى الحي وجدته مزروعًا بألغام الموت، بعض المنازل مُدمرة، يفتقر للخدمات؛ حينها أدركت أن إعادة الحياة إلى الحي يجب أن يكون ضمن أولوياتي”.

لقد كان الصراع جزءًا من الحياة اليومية لفاطمة أحمد الشامي البالغة من العمر سبعة وخمسون عامًا، وهي ناشطة تعمل منذ عام 2015 من أجل التعافي وحل النزاعات المجتمعية بمحافظة عدن جنوب اليمن.

تعيش فاطمة في منطقة الفلاحين بمديرية دار سعد شمال مدينة عدن؛ وقد شهدت المديرية خلال الفترة من مارس/آذار إلى يوليو/تموز 2015 من القتال ما يفوق ما شهدته أغلب الأحياء الأخرى بسبب موقعها على طريق رئيسي يؤدي إلى محافظات شمال البلاد.

خطواتها الأولى

تعد فاطمة واحدة من النساء اللواتي لعبن دورًا بارزًا لتخفيف معاناة المدنيين وتوفير الإغاثة الإنسانية والتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي خلال الأزمة الإنسانية التي شهدتها البلد بفعل الصراع.

بعد عودتها من النزوح وجدت أن البِنية التحتية والممتلكات في المِنطقة قد دُمرت فيما يعيش السكان وضعًا مترديًا ” كان [الأهالي] يتساءلون عمن لديه القدرة لبحث احتياجاتهم”. هذا التساؤل دفعها لتشكيل فريق من ستة أشخاص، مهمتهم المسح الميداني للتعرف عما يحتاج إليه السكان.

وجدت فاطمة وفريقها أنّ “الألغام وعدم توفر الإغاثة وحصر ضحايا الحرب والمنازل المدمرة”، هي مشاكل رئيسة تحتاج لحلول. ولأجل ذلك عملت على التواصل مع المعنين في الجهات الرسمية والمنظمات للتدخل.

في هذه الفترة تشكَّلت أولى خطواتها في طريق العمل المجتمعي؛ تتذكرها، قائلة: “لقد عملنا بكل جد وإصرار ليل ونهار كمتطوعين بدون مقابل”.

الأُميّة

إلى جانب تلك المشاكل الناتجة عن الحرب وتأثيرها على حياة السكان، لاحظت فاطمة أنَّ الاُميّة المتفشية في أوساط نساء المنطقة تستدعي التدخل، وكان هذا بالنسبة لها مصدر إلهام لانخراطها في العمل الإنساني، وهو الأمر ذاته الذي دفعها لتحويل جزء من منزلها إلى “مركز لمحو الأمية”.

تولّت فاطمة على عاتقها إدارة المركز بمساندة طالبات خريجات جامعات تطوعن لتعليم النساء الأميات القراءة والكتابة.

في هذا الصدد توضح أنّه “تم الترتيب للمركز بجهود شخصية وتم ربطه رسميًا مع الجهاز المركزي لمحو الأمية وتعليم الكبار. استعنت بمعلمات للاستفادة من خبراتهن في مجال التعليم لأجل الخطط والبرامج وأحصينا الوافدات للمركز بحسب مستوياتهن وتم توزيعهن على أربعة مستويات دراسية، وكان هناك إقبال كبير إذ التحق أكثر من 100 امرأة وفتاة و26 من الذكور “.

إلى جانب القراءة والكتابة كان المركز يُقدم أيضًا أنشطة في الجانب الحِرفيّ مثل: “الخياطة وصناعة البخور والكوافير” فضلًا عن أنشطة توعوية حول مخاطر الألغام وعمالة الأطفال والعنف القائم على النوع الاجتماعي؛ وهذه الأخيرة كانت تُنفذ بالتنسيق مع المنظمات.

ارتكز دعم المركز في توفير المستلزمات الأساسية على نفقتها الخاصة بالإضافة إلى دعم محدود من إحدى المنظمات وإدارة المجلس المحلي الذي اقتصر على توفير القرطاسية والسبورات.

أما بالنسبة لأجور المعلمات فقد عملن لمدة عامين مجانًا وبعد هذه المدة حصلن على عقود من مركز محو الأمية وصُرف لهن أجور أربعة أعوام قبل أن تنقطع وعليه توقف المركز، وفق فاطمة التي تشدد على ضرورة “تشجيع وحث الفتيات على التعليم”.

حتى عام 2015؛ كان اليمن يقع في المرتبة 134 من حيث معدل الأمية بين دول العالم بنسبة 70 بالمائة. وفي عام 2021 وصل معدل الأمية للإناث البالغات مستويات تفوق 40 في المائة، وفق التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2023.

النزاعات المجتمعية

قبل الحرب كانت الشامي تعمل في شركة خاصة لتعبئة أسطوانات الأكسجين، كمديرة للشركة التي كانت تضم ما يقارب خمسون موظف وجميعهم ذكور، واستطاعت أن تثبت جدارتها في العمل رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها في بداية الأمر.

تفيد في حديثها لمنصتي 30: “لقد حظيت باحترام الجميع إذ كان أغلب الموظفين يلجؤون إليّ لمساعدتهم في حل العديد من المشاكل ومن هنا اكتسبت الثقة في نفسي”.

التحقت فاطمة بعدة دورات في بناء السلام والإرشاد الأسري، وعملت لمدة عام كمدربة في بناء السلام وحل النزاعات بين النازحين والمجتمع المضيف، من خلال هذا التدريب، استطاعت تعزيز مكانتها في المجتمع إذ انتُخبت في 2018 من قبل الأهالي كممثلة لقرية الفلاحين بدعم من المجلس المحلي؛ ثم ترأست اللجنة المجتمعية في المنطقة. شاركت فاطمة في التوسط في النزاعات الأسرية بين أفراد من سكان القرية الذين كانت لديهم خلافات شخصية طويلة الأمد أثرت على علاقاتهم.

كثيرة هي القضايا التي شاركت هذه المرأة في حلها، أبرزها “نزاع عائلي على حضانة طفل ونزاع على قطعة أرض بين شقيقين وصل في إحدى المرات إلى شروع في قتل “بعد أن تلقى أحدهم للضرب بآلة حادة” وعلى الرغم من إحالة القضية إلى الشرطة وعدم فاعلية الجهود السابقة لعاقل الحي بشأن حل المشكلة إلا أنها لم تُحسم؛ فكان لفاطمة عبر اللجنة المجتمعية دورًا في القضية بشكل نهائي.

تروي أنها “عقدت لقاءات منفصلة مع الشقيقان المتنازعان قبل أن أجمعهما للتوقيع على وثيقة الصلح وإنهاء المشكلة؛ لقد استخدمت المهارات التي تلقيتها من التدريب الذي شاركت فيه حول حل النزاعات”.

على الرغم من الصعوبات التي واجهتها خلال العمل في الميدان إلا أنها تجد في خدمة المجتمع والتأثير في حياة الأفراد بشكل إيجابي “راحة نفسية والشعور بالسعادة وأن جهدي لم يضيع هدر”، كما تصف. وتؤكد أن حلمها يتلخص في “دولة يسودها الأمن والعدل والمدنية”.

خلال سنوات الصراع في اليمن (2015 – الآن)، تشكلت العديد من المبادرات والكيانات التي تقودها النساء لتقديم خدمات اجتماعية وإنسانية للتخفيف من آثار الحرب على المدنيين.

وفق الأمم المتحدة، فإن الأزمة باليمن هي إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم مع 4.5 مليون نازح داخلياً، و18.2 مليون شخص بحاجة للمساعدات.

تحظى فاطمة بقبول لدى سكان قرية الفلاحين، وأصبحت محط إشادتهم نظرًا “لدورها الكبير في خدمة المنطقة والسعي لتوفير الاحتياجات وحل النزاعات بين الأهالي” بحسب شهادة نبيل حسين أحد سكان القرية.

ويضيف في حديثه لمنصتي 30: “منذ عرفتها وهي تعمل لخدمة سكان الحي”، مشيرًا إلى أنه خلال توليها رئاسة اللجنة المجتمعية لم تتوانى في عملها الذي أخلصت فيه من أجل المجتمع وهو ما منحها “القبول” لدى السكان.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً