نسيبة عبد الله معرض اغتراب
article comment count is: 0

«نسيبة عبد الله» في معرض «اغتراب»؛ الدهشة من الظهور الأول!

كي تقدم نفسك في اليمن كفنان، يتطلب إلى جوار الموهبة الكبيرة، جهد مضاعف، فكل إنجاز، ولو بسيط، خلفه الكثير من الإصرار، والكد، وحتى الفشل، فلا يمكنك الوصول دون تعثر، ومراحل من التعب، لكن، كل ذلك يختفي فيما بعد لصالح جودة ما تقدم، فالمرحلة التالية؛ هي القلق الذي ينتاب المبدع، لأن ما لديه يصبح خاضعاً لآراء الأخرين؛ فالإبداع يتلقى الشهادات، وعدم وجوده لا يتم مقابلته بالمراعاة، وفي كل الأحوال، من النادر الحصول على المدائح من أول خطوة، وهذا النادر هو ما حصل مع الفنانة التشكيلية نسيبة عبد الله، مع أول معرض لها؛ “اغتراب“، والذي تلقى الكثير من الردود الجميلة، وانبهار المطالعين.

وفي هذه المادة، سيتم التطرق إلى الخطوات الخفية التي تم قطعها قبل أول معرض، عن التجربة، منذ أول ملمح للموهبة، مروراً برغبة الغرق في الألوان، وانتهاء بتجسد الشغف على شكل لوحات.

لكل شخص طريقته في التعبير، وكذلك بدايته المختلفة عن الآخر، عن انطلاقتها الأولى، تقول الفنانة التشكيلية نسيبة عبد الله: “رافقني الرسم منذ الطفولة، وكان طريقتي الوحيدة في التعبير، وبصفتي شخص لا يحب الحديث كثيراً، استخدمته حتى كبديل عن الكلمات، لقد كان الرسم لغتي الوحيدة، وأكثر وسيلة أستطيع من خلاله عكس ما أشعر به” وتضيف أنها ابتدأت من المدرسة عندما كانت تطبق كل ما تطلبه المعلمة منها، بينما المحفز الأول لها، كان محاولة تقليد رسوم الكاريكاتير.

تتابع نسيبة حديثها عن تعلقها بالفن قائلة بأنه يعود لرغبة فطرية، وبأن الجميع يحب الفن، والجمال، لكن محيط الشخص هو ما يحجبه عن النظر، أو يجعله صانع له، وتضيف نسيبة عن الأمور التي ساعدتها، قائلة: “لقد كانت بيئتي المحيطة بي مليئة بالفن، فخالي كان يرسم، ومازلت أتذكر دهشتي الأولى عند رؤيتي رسمته بورتريه لسيدة جميلة”.

أيضاً كل شخص يأتي من مدرسة معينة، أو يجد نفسه ذاهب إليها، ولو بشكل غير واعي، عن ذلك، ترد نسيبه عبد الله: “لا أعتبر نفسي أنتمي لمدرسة تشكيلية واحدة، وأحاول أن أجتاز الواقعية لأجد أسلوبي الخاص، وبنفس الوقت لا أرسم لأصل لشيء، بل أرسم من أجل الرسم”.

بخصوص معرض اغتراب، وهو معرضها الأول، والذي أقيم في البيت اليمني للموسيقى، تتحدث نسيبة عن الجهود التي بذلت في سبيل نجاح ذلك، قائلة إنه كان بجهود نسائية خالصة، فالمعرض المكون من لوحاتها، تمت مرافقته بفقرة غنائية أحيتها الفنانة الفلسطينية هالة، وتم تأدية نص مسرحي من قبل فاطمة الفنانة، وعازفة الجيتار، والنص من كتابة نسيبة، وتواصل: “أيضاً؛ أخواتي ساعدنني بالترتيب للمعرض، وذلك بالتنسيق مع الأستاذ فؤاد الشرجبي، والأستاذ نذير العاقل، والذين لم يتأخروا في أي شيء يخص الفن، ورسالته الخالصة”. بينما عن تفاصيل المعرض، وفقراته التي تم الإعداد لها بشكل جيد، تجيب نسيبة عبدالله بأنه كان مفاجئ للزوار، ومبهر بكل تفاصيله، وذلك أسعدها كثيراً.

فيما يخص المحتوى الذي جسدته لوحات معرضها الأول، ترد نسيبه قائلة: “كان موضوع المعرض كعنوانه: اغتراب. وكما نعرف بأن الاغتراب يرافق المرء حتى في بلده، وبين أهله، أو حتى مع نفسه، كما حاولت التركيز على النساء اللاتي تركهن أزواجهن، وسافروا، لأنهن أيضاً يعشن اغترابهن الخاص، في البحث عن صورة لهن، أو في انتظار الغائب الذي قد ينسى أنهن هناك في انتظار لا ينتهي، أيضاً، تجسيد شعور الاغتراب بشكل عام، وهو شعور مشترك عند جميع اليمنيين في الداخل، أو في بلاد المهجر”.

الشغف بالرسم شيء عظيم، لكن، قد يعترضه التفكير بالجدوى المادية، عن إمكانية التوفيق بينهم، تقول نسيبة عبد الله، بأن الرسم بالنسبة لها طريقة تعبير أكثر من كونه شيء تجاري، وتضيف: “علينا أن لا نتعامل مع الفن بأنه مصدر دخل، أو عائد مادي، فهو شيء شخصي، وروحي، أكثر من كونه سلعة للبيع، بالرغم أن بيعه لا ينقص من قيمته شيء، لكن على الشخص تطوير نفسه بأكثر من مجال، ليبقى يمارس هوايته، ويحصل على دخل جيد” وتختتم: “قضيت عمري بالرسم لنفسي، ولم أفكر في المال، لكنني الآن، وجدت الوقت المناسب لأشاركه مع الأخرين، فالفن يتطلب مرآة لك، ومن المهم أن توصله للناس، ويصلك ردة فعلهم، لتكتمل المسألة”.

البعض يعتبر أن الفن التشكيلي في اليمن، مر بفترات ازدهار، لكنه قد يكون خفت قليلاً مؤخراً. نسيبة عبد الله تزيح هذه الفرضية، لترد بطريقتها عن وضع الفن التشكيلي في اليمن: “الفن التشكيلي في اليمن لم ينل اهتمام واضح، وجاد إلا في مراكز قليلة جداً، ولكن الفن في النهاية يجد طريقه للظهور، وقد تم ذلك بأيدي مبدعين، عبر أجيال مختلفة، وهذا ما خلق فناً خالصاً وفطرياً، أكثر من كونه أكاديمي”. وفي النقطة الأخيرة بالتحديد، أي التأهيل الأكاديمي المنعدم للفنانين تقول إن التعليم قد يكون مهم، لكنها تعتبر الفن أقرب للعاطفة التلقائية أكثر من كونه خاضع للقيود الأكاديمية.

لدى نسيبة العديد من اللوحات المدهشة، وحتى الآن تمضي بخطوات جيدة نحو النجاح، عن ما تعتبره إنجاز بالنسبة لها، تقول: “النجاح عندي هو التمسك بالفن رغم الظروف الصعبة، واعتباره جزء مهم من شخصيتي من الصعب التخلي عنه، ونجاح معرضي أسعدني، وأعتبر السبب في ذلك هو الصدق فيما أريد طرحه، وحتى لو لم أحقق شيء في الرسم، والمسرح، لكن ما أعرفه، هو أنني أقوم بهما من كل قلبي، وأحبهم”.

بينما على المستوى العام، وعمّا تسعى له نسيبة، تقول: “أسعى إلى تشكيل رابطة حقيقية لجميع الفنانين، والفنانات اليمنيين، في اليمن، أو في الخارج، وعمل ورشات كثيرة لتبادل الخبرات، ولممارسة الفن” أما عن رسالتها، فترد: “استمرار الفنان في تقديم فنه، وأن يجد في الصعوبات طريقة للمقاومة، وحافز للاستمرار، كما أنصح الفنان المبتدئات بالتغذية البصرية، والتركيز على تفاصيل اللوحات، والأشياء، وإعادة ارتباكهم بما حولهم، وأنفسهم، وأن يحاولوا بصدق”.

في النهاية، يعتبر معرض اغتراب مهم كونه أول معرض للفنانة التشكيلية نسيبة عبده، وقد يشكل لها انطلاقة حقيقية، أيضاً تكمن قيمته على المستوى العام باعتباره تم في فترة حرب، وفي ظل معارض نادراً ما تقام، وكل مساهمة فنية، هي إضافة جيدة للمشهد العام المحتشد بالصراع، والدم النازف منذ أعوام، فالفن مهمته أن يجعل الحياة ممكنة، كلما ضاقت دائرتها.

اترك تعليقاً