لم تكن الحادثة الأولى ولن تكن الأخيرة..
جريمة مكتملة الأركان يتم التستر على حدوثها وعلى مرتكبها، وتشيع الضحية إلى مثواها الأخير على أنها وفاة طبيعية، والحقيقة غير ذلك!.
على الرغم من عدم مغادرتها البيت ومرافقة الأهل لها في أي مشوار صغير كان أو كبير، كان التلفون هو وسيلتها الوحيدة للتواصل والإفصاح عن وجودها في الحياة. حبسها في المنزل، ومرافقتهم الدائمة وكل إجراءاتهم لم تحل دون أن تمتلك تلفوناً تخفيه عن الجميع، من خلاله أنشأت حساباً على الفيس بوك واشتركت في العديد من جروبات الواتس أب… انغمست في العالم الافتراضي واكتفت به عن العالم الحقيقي الذي عزلتها الأسرة عنه، فصوتها عيب، وحتى ملابسها لا ينبغي أن تنشر على حبل الغسيل حتى لا يراها أحد لأن ذلك عيب، خروجها عيب وعملها عيب، ومواصلة دراستها عيب.
تعرفت على شاب وبدأت تتواصل معه من خلال عالمها الافتراضي الجديد، كانت سعيدة بهذه العلاقة التي تخفيها لكنها أيضاً خائفة حد الموت من اكتشاف أمرها، وهذا ما حدث بالفعل.
اكتشف إخوتها أمر امتلاكها تلفوناً، وأحكموا خطتهم لمباغتتها وتفتيش تلفونها.. يا للكارثة أختهم لديها حبيب وتتواصل معه.. لقد أهدرت شرفهم ولابد من تأديبها، هجم ثلاثتهم عليها ضرباً وركلاً وسباً يؤدبونها ولكنهم لم يتركوها إلا جثة هامدة.. شيعوها في اليوم التالي وأقاموا لها العزاء المعتاد.. وأعلنوا أن الوفاة طبيعية، لكن تسريبات خافتة قالت غير ذلك.
القضية بنت وولد: ما يعتبر خطأ مجتمعياً إن قام به الولد فهو رجل يحمل عيبه، وإن قامت به بنت فقد مرغت شرف العائلة في التراب ولابد من معاقبتها.. يحب الشاب.. الأمر عادي!، وهو بهذا يثبت أنه رجل، وتحب الفتاه هذا عيب وعار وخطر أيضاً.
ليس الحب والعلاقات هما مجال التمييز الوحيد الذي ينظر فيه للفتاة ويحكم عليها بطريقة مغايرة عن الفتى، الأدوار المنزلية، الألعاب، الخروج إلى الشارع وحتى التعليم والتخصصات دائماً هناك ما يليق ويصلح بالفتى ولا يليق أبداً بالفتاة.
الأمر له جذوره العميقة في ثقافتنا وأعرافنا.. وتفصح الأمثال الشعبية عن كثير من مظاهر التمييز ضد البنت في المجتمع ومن أمثلتها.. إذا هرب الولد أسلم جلده، وإذا هربت البنت إعدموها، والمعنی أن الولد عندما يهرب من العقوبة من والديه فقد أسلم نفسه، أما الفتاة إن فعلت فتستحق الإعدام، انظروا الفرق!.
ومن الأمثال الشعبية أيضاً: لا تضحكي يا أم البنات ولا يا أخت الخوات الدهر فيه الغزوات، والمعنى أن الزمن سيثبت أن البنات جالبات المصائب، ومثل تلك الأمثال المثل القائل: شرف البنت مثل الكبريت ما يولع إلا مرة واحدة، وقريب منه المثل القائل: البنات مكسرات الرؤوس منكسات العمائم، ومثل آخر يقول: البنت ونّة (بمعنی أنين)، والولد جنة، وهي تشير صراحة إلى نظرة المجتمع لأخطاء وتصرفات البنت، كما تشير إلى أن البنت شر محض وإلى تفضيل الولد عنها مهما كان وضعه وأخطاؤه.
وينظر إلى المرأة نظرة انتقاص مهما تميزت ومهما قدمت للمجتمع ومن الأمثلة الشعبية التي تؤكد ذلك: المرة مرة ولو اتبندقت، وهو يعني أن المرأة تظل امرأة ولو حملت البندقية، وكلمة امرأة أو مرة في الاستخدام الدارج غالباً تستخدم للانتقاص ولذلك يطلق العامة على من ينتقصون مواقفه أو لا يقبلون ردود أفعاله بالـ…المَرَة، ومن يعتبروه ضعيفاً يطلقون عليه تربية مرة.
تظل الأمثلة الشعبية جزءاً من موروثنا الثقافي الذي يكشف رؤية وتقدير المجتمع لشخص أو شيءٍ ما. وينظر المجتمع نظرة دونية لمهن معينة ويعتبرها معيبة في حق ممتهنيها بلا منطق، ينظرون أيضاً لبعض أصحاب البشرة السوداء نظرة دونية يسمونهم الأخدام حيناً، والمهمشين حيناً آخر، كتسمية حقوقية تنظر لحقوقهم وتطالب بها، والتسمية الأحدث لهذه الفئة والتي تبنتها جماعة أنصار الله أحفاد بلال، وتفصح كل تلك التسميات عن خلل واضح حتى في محاولات الإنصاف وتضج بالتمييز والدونية، إلا أن التمييز بين الولد والبنت لصالح الولد وضد البنت، ولصالح الرجل وضد المرأة سلوك تمارسه الأسرة والمجتمع غالباً في كل زمان ومكان، لم يقتصر على المعاملات بل وصل أيضا إلى الأعراف والقوانين.
هل وجدت هذه المادة مفيدة؟