لهذا الكائن نسخٌ فائضة في بلدي، وربما أصبح تفكيرها ضمن تكوينات عقل الجيل الجديد من اليمنيين الذين يعتقدون بأن الانتصار لقضاياهم يقتضي تدخل الإله شخصياً، كما لو كانوا رسلاً وأنبياء.
إنهم يعيشون حالة الانتظار المزمن للإسناد القادم من السماء، معلقين عليه آمال علمنة الدولة، واستحقاقات المجتمع المدني.. هكذا ودون توافر الحدود الدنيا للإسهامات البشرية!
هؤلاء ربما لا يدركون أن لدى الكثير الرغبة في العيش بوطن يقوم على المساواة وسيادة القانون، لكنهم يشعرون بأن الرغبة وحدها لا تكفي للحصول على ذلك، ولا تكفي لأن يعيش الكاتب برهان المرداس على بساط من الأحلام الوردية، معتقداً بأن القول: “رباه خذ كل أنصارك منا” هو آخر سقف لتضحياتنا أمام طوفان التطرف الديني.
العبارات الجذابة يا عزيزي، لا تحبط عبوة ناسفة، أو سيارة مفخخة، والقضية أكبر من كونها استعراضاً لغوياً، إنها بالحقيقة استعداد كامل للتضحية، وجهود راقية لمستوى الحدث العام، تتحرك بنفس القدر الذي يتحرك فيه معول الهدم لأحلامنا بالمدنية.
لقد كان هذا الشعور حاضراً عند جماعة الفكر المصرية التي تصدت لطوفان التطرف الذي اغتال الدكتور فرج فودة، وحكم على المفكر نصر حامد أبو زيد بالفصل عن أسرته، وهما يناضلان من أجل دولة علمانية، ومثلهما بقي آخرون كالدكتور محمد خلف الله ويوسف زيدان وغيرهم من رموز الفكر العلماني مستمرون في تفنيد المعتقدات القائلة بأن الإسلام دين ودولة.
هذا الدور التنويري، لم يعلن رواده الاستسلام تحسباً لموت محدق، لكنهم حرصوا أن يتناسل كجين وراثي عبر الأجيال المتعاقبة، ولذلك تمكن الشباب المصري المتنور من الإطاحة بنظام الرئيس الأخواني محمد مرسي، لأسباب كان على رأسها أسلمة الدولة.
استثنائية الوضع باليمن وتعقيداته مقارنة مع ما يحدث في مصر، تجعل الجهد الفكري بمفرده عاجزاً عن فعل شيء علاوة على كونه هزيلا ومضللاً، باعتبار أن التطورات على صعيد الإرهاب تحتاج إلى منظومة حرب متكاملة عسكرية واقتصادية وسياسية وثقافية، لا تجد لغة الاستسلام والكسل إليها سبيلاً.
نحن أمام مرحلة أقل ما يمكن وصفها بـ “الخطرة والمعقدة”.. جيش دمرت قدرته العسكرية، انقسام سياسي، انهيار اقتصادي، مؤسسات تعليمية موقوفة، ومن وراء كل ذلك راية سوداء تطوي اليمن شيئا فشيئاً، بمساندة غير مقصودة لحداثيين يتمنون ما يجب أن يكون بصرف النظر عمّا هو كائن بالفعل، عوضاً عن أن ذلك مشفوعاً بفائض المزايدة على الحقائق.
- مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر أصحابها، ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي “منصتي 30”.