كارثة مصابك يا باريس، كمصاب من اعتدي عليهم قبلك بأيام في تفجير إرهابي في لبنان. لن أطيل هنا في التنديد بكل ما حدث، فالمتحدثون فيه كُثُر، والكارثة تتحدث عن نفسها لمن كان له قلب، كباقي كوارث الحروب والاعتداءات في العالم.
دعونا نمعن النظر مرة في ما لا يلفت النظر، في ما يمر مرور الكرام وينسى، ويترك قناعةً تتعمق وتظهر آثارها مع الزمن ، دعونا نرى خلف أسطر بعض الشخصيات والجماعات التي تندد بما يحدث ولا تندد في نفس الوقت. تقول إنها حزينة لما حدث وفي ذات المنشور هي ترى أنهم يستحقون ما حدث لهم، تلك الأسطر التي ترى أن المعتدي والإرهابي كان عنده حق فيما قام به (ولو كان بطريقة غير مباشرة).
منشورات نصف التنديد أو التنديد المبطن بالمباركة مع نشوة خفية لرؤية الدماء والخوف في وجوه الناس، هي لأولئك المتذبذبين بين الفرح بما حدث مع الحرج من الإعلان عنه. هي عقليات ما زالت تؤمن بأحقيتهم بحكم الأرض بمن فيها، وبضرورة إخضاع العالم لمنهجهم في فهم الحياة، والاقتناع بنفس قناعاتهم التي يتسم الكثير منها بالبعد عن التفكير والمنطق .
هذا الطرح مخيف، لأنه يغرس في اللاوعي أن من قتل كان يستحق الموت، وأن القاتل المجرم كان يملك الحق. وهذا مع الزمن يحول فكرة التفجير والإرهاب إلى فكرة مقبولة وطبيعية .
لماذا أتضامن؟
متضامن وسأتضامن مع الضحايا أيا كان جنسهم أو لونهم أودينهم، لأنه عمل إنساني. واتباعا لفطرة الإنسان الكاره للدم والعنف والإرهاب. متضامن كي لا تمر الجريمة بصمت، كي تتوقف خطة بعض الجماعات الدينية ورجالها الذين يقف كثير منهم على استحياء وراء هذه الجماعات (ولو بالتعاطف أو الدعم الفكري). تلك الجماعات المختبئة خلف فرحها وهي تمثل الحزن، تلك التي تهاجم كل من تضامن بدعوى أن بلدانهم أولى بالتضامن أو أن هؤلاء استحقوا ما أصابهم، وبأننا نستحق هذا التضامن متناسين أنهم جزء من هذا الفساد، يتحملون مسئولية ما وصلنا له مناصفة مع الحكومات الفاسدة.
هذا التخدير للإنسانية لا مستفيد منه إلا الجماعات الإرهابية وتجار السلاح فقط لا غير. لا سعيد به إلا طيور الظلام يتبعهم البعض بلا وعي أو تفكير .
متضامن مع أخ قابل أختيه في هذا المقهى، فرحلتا وتركتاه يعتصر الألم، كمن يفقدون أحبابهم في حربنا الساذجة في اليمن. متضامن مع حبيب انتزع من مشاغل الحياة ساعات ليلتقي حبيبته في ذلك المقهى الذي كان يعج بالحياة، ففاجأه زائر يغريه الموت، فناثرهم أشلاء في جدران المقهى كما ناثر باقة الورد التي جعلتها تبتسم. مشهد يظهر مهزلة المواجهة بين الموت والحياة، وبين الحب والكره، وبين السلام والإرهاب .
سأتضامن بلا خوف منهم، ومن تهمهم بالعمالة أو الغباء أو موالاة غير المسلمين. فالإنسانية لا تعرف فروقاً بين الناس.. ولن أقف خادماً مصلحة الجماعات الإرهابية، سواء بوعي أو بدون وعي.
- مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر أصحابها، ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي “منصتي 30”.