العمارة الطينية الحضرمية فن يتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد، وتعتبر مادة الطين من أقدم مواد البناء التي استخدمها الإنسان وطورها، وهي المكون الرئيسي المستخدم في قصور مدينة تريم ذات الطراز المعماري الفريد والتي مازالت شامخة حتى يومنا هذا رغم الإهمال الذي طال البعض منها، ومن أشهر هذه القصور وأقدمها:
قصر عشّة، ومالك هذا القصر السيد عمر بن شيخ الكاف، ومصممه المهندس المعروف علوي بن أبي بكر الكاف (الخضيب) وبانيه المعلم يعمر باحريش في العام 1339هـ، يذكر البعض أن تسميته بعشَّة نسبة إلى اسم بئر عشّة (الأرض الزراعية) الذي أقيم عليها. ويعتبر واحداً من أروع الأعمال المعمارية الطينية في تريم وحضرموت والذي يُمثل نموذج امتزاج العمارة الحضرمية والجنوب شرق آسيوية أو ما يطلق عليها العمارة الكولونيالية. ويتميز قصر عشّة بطرازه المعماري الفريد والذي برع فيه المهندسون والبنائون في استخدامهم للخامات المحلية من طين وتبل ونورة، وغيرها، باستثناء الزجاج وبعض القطع الحديدية والخشبية التي استخدمت في صناعة النوافذ والأبواب فقد استُجلبت من الهند وسنغافورة. كما يتميز بالنقوش الزجاجية المختلفة الألوان التي أضفت على المكان سحراً مُلفتاً للنظر.
وبالقرب من قصر عشّة يقع قصر المنيصورة والذي بناه السيد أحمد بن عمر بن يحيى في العام 1351هـ 1952م وهو لوحة معمارية بهية وأكثر القصور إبداعاً وجمالاً وهندسة، وأكثر ما يميز القصر زخارفه الجميلة والفريدة وكذا واجهته الخارجية ذات الأعمدة الصغيرة، وألوانه الجميلة المتناسقة والمتناغمة وكذلك تنسيق الحدائق المحيطة به.
وليس ببعيد عن قصر عشّة والمنيصورة يقع قصر دار السلام الذي بناه السيد محمد بن حسين الكاف في العام 1357 هـ، ويذكر البعض أن المعلّم عمر يعمر هو من نفذ أعمال البناء التي تمت تحت إشراف المهندس علوي الكاف. وفي عام 1411هـ / 1990م قامت د.سلمى الدملوجي بعمل خرائط ورسوم لطوابقه ونشرت صورة من ذلك في كتابها (وادي حضرموت.. هندسة العمارة الطينية).
وفي نفس المنطقة يقع قصر حمطوط ويعد من أحد أبرز وأشهر القصور التريمية، يحوي أسراراً معمارية فريدة وعجائب هندسية ومساحة كبيرة، ويكمن جمال هذا القصر في بساطته وفنائه الداخلي الذي يحوي بركة مائية تساهم بشكل كبير في تلطيف الجو وأغلب غرف القصر مطلة على هذا الفناء المعمول بطريقة هندسية عجيبة تساهم بدخول وخروج الماء بشكل سلس.
ومن أشهر قصور مدينة تريم قصر النعيم (القبة) والذي يقع وسط المزارع المنتشرة في وادي عيديد أحد أكبر أحياء مدينة تريم، والذي بناه السيد محمد بن حسين الكاف عام 1352 هـ 1936 م، ويتميز القصر بحديقته الغناء والبساتين المحفوف بها، وبركته المائية المعدة للسباحة، معمار هذا المبنى مميز وفريد فقد اعتُنِي بزخرفة واجهته الشرقية والأساسية حيث المدخل الرئيسي، وعلى سطح هذا القصر قبة تنتصب على قاعدة مضلعة أعطت القصر جمالاً ورونقاً فريداً ويتميز القصر بزخارفه البديعة التي تزين الجدران والسقوف.
وفي نفس الوادي يقع قصر الكاف الذي بناه السيد عبد الرحمن بن شيخ الكاف عام 1357 هـ، ويعتبر قصر الكاف واحد من أجمل قصور تريم وأضخمها بناءً، فواجهته مزينة بالأعمدة الضخمة وبه نوافذ وزخارف بديعة أكسبت القصر نفساً آسيوياً.
وخلف هذا القصر توجد حديقة بديعة تتوسطها نافورة وحوض سباحة ومسرح، وللأسف وبسبب الإهمال الشديد لم يبقى من هذه الحديقة إلا الأطلال، وإنه من المحزن القول إن القصر في طريقه للانهيار والزوال، وقد طاله الخراب والدمار بعد أن كان تحفة ومفخرة.
وهناك قصور أخرى مازالت معمورة حتى يومنا هذا، مثل التواهي والرناد، وغيرها، وهو ما يجعل أصوات المهتمين تتعالى وتطالب الجهات المختصة بالاهتمام والحفاظ على ما تبقى من هذه القصور وخصوصاً أن البعض منها تعرض للهدم والإهمال في الفترة الأخيرة، رغم أنها تعتبر تحف معمارية تميز هذه المدينة.