داخل مدينة محاطة بالمتاريس وخطوط النار منذ ثلاث سنوات، يواصل أهالي الحديدة حياتهم متشبثين بالأمل. فالظروف الاستثنائية التي خلقتها الحرب، لم تمنع شباب المدينة من إشباع شغفهم برياضة كرة القدم.
ومع توقف فعاليات الدوري الرسمي وتجميد معظم أنشطة الأندية الرياضية الكبيرة، توجه شباب المدينة لإنشاء فرق رياضية صغيرة في مختلف أحياء المدينة، وقاموا بتنظيم مسابقات على هيئة دوري محلي داخل كل مديريات المدينة ليشتعل التنافس بين الحارات والمديريات للفوز.
بهذه البساطة ظهرت أنشطة رياضية محلية تكاد لا تحصل على دعم، سوى ما يوفره الشباب بأنفسهم من مساهمات طوعية، ليقدموا بذلك نموذجاً عن جدارة الإنسان بتأكيد انتمائه للحياة، عبر تحدي ظروف الحرب.
أبرز المعوقات التي واجهها الرياضيون هنا، هي صعوبة إيجاد أماكن مناسبة لإقامة المباريات في مختلف أحياء المدينة، بعد أن تسببت الحرب بإغلاق الكثير من الملاعب التي كانوا يمارسون هوايتهم عليها سابقاً، إذ صارت الآن جزءاً من مناطق الاشتباكات جنوب وشرق المدينة. هذا إضافة لتدمير بعض المنشآت الرياضية بفعل القصف. كما أن الظروف المعيشية قد دفعت بعض الرياضيين للتخلي عن الرياضة كي يتفرغوا للبحث عن لقمة العيش، فمنهم من سافر خارج البلاد في حين انكفأ رياضيون آخرون داخلها بفعل الإحباط عاطلين عن العمل وعن الرياضة أيضاً.
برغم ذلك، ومع كل الخسائر المادية والنفسية التي سببتها الحرب، استطاع الكثير من الشباب المتحمسين للرياضة تكوين عدة فرق وأندية مصغرة بجهود ذاتية دافعها الشغف بكرة القدم، واستفادوا من المساحات المتاحة داخل أحياء المدينة بتحويلها إلى ملاعب مؤقتة، ونجحوا بتنظيم مسابقات رياضية قد يصل عدد الفرق المتنافسة فيها إلى أكثر من 20 فريقاً أحياناً، ناهيك عن الحكام واللجان الفنية، فكانت نتيجة تلك الجهود استعادة روح التنافس الرياضي من خلال مسابقات أثارت الاهتمام وحظيت بمتابعة المئات من المشجعين والجماهير العاشقة للرياضة، وهو ما يظهر في احتشاد الجمهور على حواف الملاعب لمشاهدة المباريات والاستمتاع بأداء عشاق الساحرة المستديرة.
اللاعب “محمد قاسم” وهو كابتن “نادي أهلي الحديدة” سابقاً وأحد اللاعبين المخضرمين فيه حالياً، يشارك مع الشباب في تلك الأنشطة الرياضية الشعبية. وبحسب تقييمه للوضع الرياضي في الحديدة؛ فإن (فرق الحواري) هي التي منعت اندثار النشاط الرياضي، في ظل توقف نشاطات الأندية الرسمية، ففي الوقت الحالي، وحدها سوى المسابقات بين فرق الحواري هي العمود الفقري لاستمرار الرياضة في المدينة.
من الطبيعي أن يكون لهذه المنافسات الشعبية تأثير كبير على المجتمع بما تخلقه من أجواء تخفف من الضغط النفسي للحرب، وتلهي الناس عن مرارة الواقع. هذا إلى جانب ما تساهم به على مستوى تنفيس طاقات الشباب في نشاط يعود عليهم بالصحة جسدياً ونفسياً، كما أنها تفتح باباً واسعاً للتعارف وتكوين الصداقات بين الشباب من مختلف المناطق، بل وحتى مع بعض المقاتلين الذين صاروا يأتون للمشاركة في اللعب. إذ يؤكد الكابتن “محمد قاسم” أن المباريات اليومية قد جذبت اهتمام جنود كثيرين لينضموا إليها كلاعبين ومشجعين، حتى أن بعض القيادات العسكرية صاروا يواظبون على الحضور للملعب. وبذلك فقد ساهمت في تقريب العلاقات بين الجنود والمواطنين، إذ صار الجندي يترك السلاح ويرتدي ملابس رياضية مثله مثل الرياضيين ويختلط بهم في جو من الألفة ضمن نشاط جماعي يكسر الحواجز النفسية ويعزز العلاقات الإنسانية بينهم.
أما الصحفي الرياضي “علي السقاف” فيرى أن الحماس والشغف لدى الرياضيين الشباب قد نجح في صنع تحول إيجابي على المستوى الرياضي، وبهذا الخصوص يشير إلى واحدة من النتائج الملموسة التي أفرزتها مسابقات الحواري، قائلاً: “كثير من اللاعبين برزوا في فترة الحرب وتم ضمهم مؤخراً لتمثيل المنتخبات الوطنية في فئات عمرية مختلفة، سواء في لعبة كرة القدم أو في الألعاب القتالية”.
على المستوى المجتمعي، فإن إصرار الشباب على إقامة الأنشطة الرياضية قد خلق أجواء أكثر ملاءمة لتعزيز التعايش، كون الرياضة تلعب دوراً هاماً في تعزيز السلام المجتمعي، بما تحمله من قيم الروح الرياضية التي تجعل من التنافس الشريف نموذجاً للاقتداء في السلوك الاجتماعي.
ذلك التأثير يرتبط بطبيعة الرياضة نفسها. وهو ما يفسره السقاف بقوله: “الرياضة توحدُ القلوب، وتجمع المختلفين بروح رياضية سلمية منفتحة على الآخر مهما كان الاختلاف، الرياضة تجمع جُلَّ الأطياف بشتى توجهاتها السياسية المتنازعة أو التي تتنازع لأسباب مجتمعية، إذ نجد بين أعضاء الفرق الرياضية من يحملون توجهات متناقضة، ولكنهم يتفقون مع بعضهم في ملعب كرة القدم، وهذا يؤسس ويعزز علاقات التآلف الاجتماعي”.
- تم إنتاج هذه المادة من قبل شبكة صحفيي السلام اليمنيين ومبادرة يمن بيس في إطار نشاط بناة السلام لـ”منصتي 30″.