في مساء السابع عشر من أكتوبر، شهد العالم حصول اللاعب الفرنسي كريم بنزيما على البالون دور، كأفضل لاعب في العالم حالياً، وفيما يخص الاستحقاق؛ فقد وجد اللاعب ذو الأصول الجزائرية على إجماع غير مسبوق على أحقيته، إلا أن الوجه الآخر من الحكاية، هو الأكثر جاذبية، وإلهام؛ اللاعب الذي رافقه الجحود لسنوات ليست بالقليلة من مسيرته، ولم تتوقف الاتهامات الموجهة ضده، ولو للحظة، استطاع أن يجعل من عدم استسلامه، درساً لكل من يتابعه، فالتماسك الذي سلكه كريم أمام كل إشكالية، أتى بنتائجه أخيراً؛ في مشهد يمنح الحافز لكل حالم بالقدرة على تجاوز كل ما يمكن أن يكون عائقاً، ويعطي انطباعاً؛ بأن الإصرار المتواصل، يوصل الفرد في النهاية لما يريد.
اللاعب الذي أتى من ضاحية برون الخاصة بالمهاجرين، والمعروفة بالعنف والفقر، لم يكن طريقه مفروشاً بالورود، بل إنه تعرض للمعاناة، في كل محطة عاشها. منذ أن ضحك عليه لاعبو ليون على تلعثمه الخجول أثناء حديثه في أول يوم لانتقاله، مروراً بوصف: “القط الغير مفيد للصيد“، والذي تلقاه من أحد أشهر المدربين في العالم جوزيه مورينيو، والذي كان مدربه آنذاك. والكثير من النبذ الدائم، وبعد أكثر من ستة أعوام في نادي ريال مدريد، وصلت أزماته إلى ذروتها، عندما وجد الفرنسي نفسه؛ أمام جمهور يهتف ضده، ومحاكم تلاحقه، وبلد تنكرت إليه وصرحوا بعدم التشرف باستدعائه للمنتخب، وإعلام لم يرحمه، ولو للحظة.
في صغره، أجبر كريم بنزيما على الانطواء من قبل والده، كي ينجو من الالتحاق بعصابات تملأ حي طفولته، ذلك أبقاه يرتبك على الدوام، نتائج الخجل لم تكن جيدة لفشله بالدفاع عن نفسه في بعض اللحظات، إلا أنها، أفادته في نفس الوقت، وجعلته متحفزاً لإنجاز ما يريد، ففي أحد التصريحات يقول: “أنا خجول، لا أجيد الحديث للرد على انتقاداتي، لكنني، أستطيع نفيها عملياً” وفي قصة معروفة؛ وجد بنزيما نفسه مجبراً على حديث لا يفضله، في تقليد اعتاد نادي ليون عليه مع كل لاعب جديد، ليصبح تلعثم بنزيما في كل كلمة نطقها تلك الليلة، مادة دائمة للتندر عليه طيلة التدريبات، لكن، ما يلفت، هو رده الواضح بالتركيز على هدفه، حين قال لهم: جئت هنا لأخذ مراكزكم في الملعب، لا لأتحدث إليكم.
سيحقق بنزيما أول أحلامه في 2009، بالانتقال لأحد أكبر أندية التاريخ، لكنه، سيواجه في بداياته شيئاً آخر لم يكن مخططاً له، وسيكاد أن يتلاشى مشروع اللاعب الذي ذهب إليه بيريز إلى منزله كي يحسم الصفقة التي حلم جوارديولا في جلبها إلى الكامب نو، بعد مواجهة برشلونة، وليون في 2009، عندما تألق فيها كريم بنزيما. توج ذلك التذبذب في عدم الاعتماد عليه، وجلب أديبايور كمهاجم بديل لهجواين المصاب. وعنوان مليء بالبجاحة لواحدة من أشهر الصحف الأسبانية، والتي وضعت صورته، وعليه: “بنزيما: لا شيء“.
النجم الذي يملك ثمانية أشقاء، وكان بالإمكان أن يكون مجهولاً مثلهم، لولا الكد الشخصي، لمع اسمه منذ سن مبكر، وابتدأ اللعب في المنتخب الفرنسي منذ 2007، وسرعان ما حصل على الرقم 10، لكنه، أيضاً؛ سرعان ما واجه المشاكل المتعددة، ناهيك عن الكروية منها، تعرض لتهم: كالاغتصاب، والابتزاز، والتطرف الديني، الكثير من الأحداث، والتي لشدتها، بدت قضية استبعاده العنصري في مونديال 2010، كأنها حدث مجهول، ولم يعد يذكرها أحد. لكن، وبالرغم من طغيان الجانب السلبي من رحلته المقاربة لعقدين، إلا أنه أستطاع أن يختتم مسيرته بطريقة لم يكن يتصورها أحد سواه، توحي بأن الحياة عادلة؛ ومهما تعرض فيها شخص ما للظلم، سيحصل على الإنصاف، ولو بشكل متأخر، كبنزيما.
من بين كل ما واجهه النجم الفرنسي، ستكون القضية التي عرفت بـ“قضية ابتزاز فالبوينا“، هي الأكثر تأثيراً في مسيرته، وفيها تعرض لتشهير لم يسبق وأن ناله لاعب من هذا الجيل أبداً، بسبب قضية لم يثبت لها أي دليل حتى الآن، لكن، ما كان واضحاً للعالم؛ أن هناك صحف فرنسية يمينية استغلت التهمة، للنيل مما وصفته: “بالمهاجر الذي أنكر الجميل“، في وصف عنصري بحت، لصالح ما يعتقدون أنه أحد السكان الأصليين، وشكل ذلك ضغطاً على مستوى رفيع في الدولة، والاتحاد الفرنسي، أدى في النهاية لاستبعاد أفضل لاعب فرنسي آنذاك، ولأكثر من خمسة أعوام.
بعد التعرض الدائم للنقد، من المحبين قبل الكارهين، ولم يقتنع المتابعون أبداً فيما يقدمه الفرنسي، وصل الأمر أنه قبل أعوام من الآن؛ أضطر زيدان لاستخدام رصيده عند الجماهير كي يدافع عنه، فاعتبروه منحازاً للجنسية الفرنسية، كما حاول بيريز مراراً التوضيح بأن كريم مشروع ناجح للنادي، فبدا للجمهور وكأنه إسقاط الواجب من قبل رجل يرأس هذه المؤسسة، كرستيانو أيضاً؛ ظهر في مشهد شهير وهو يطلب من الجمهور التصفيق للمهاجم رقم تسعة، بدلاً من الصافرة، ولم يكن ذلك كافياً، وبعد أعوام، ومن أجواء كل ما فيها تدفع الفرد للتدمير، عاد كريم بنزيما، بتجسيد كبير للأسطورة؛ انبعاث طائر الفينيق من بين الرماد، وأجبر العالم أجمع على تقديم اعتذار معلن، وغير معلن له، ليصعد على منصة أفضل لاعب بالعالم؛ في لحظة حصل فيها اللاعب الجزائري على انحناءة احترام، وتقدير لم يسبق وأن نالها أحد ممن حصدوا هذه الجائزة.
كان كريم يملك صفات شخصية تساعده على التجاوز، أبرزها؛ الثقة في وجه عالم كله يشكك فيه. وكذلك التحدي والمواجهة؛ الصفة الاخيرة حضرت في تعامله مع جوزيه مورينيو، عندما تحدث أنه في اليوم الذي تلى تصريحه، ذهب كريم إلى مكتبه، وقال له؛ عليك أن تحترمني. يقول مورينيو عن ذلك الموقف؛ لقد احترمته كرجل شجاع. بل إنه تحدى آلة اعلامية أكثر وحشية، ووحيداً، أشهر تلك المواجهات، عندما نشرت صورة له إحدى الصحف الفرنسية في 2016، بعد الأحداث الإرهابية الشهيرة، وقالت من هذه اللحية، ينتشر الفكر الإرهابي، ومنذ تلك اللحظة؛ لم يحلقها قط”.
حتى الآن، خمسة وستين شخص سبق لهم الفوز بالجائزة الفرنسية الشهيرة، لكن، بقيت الجائزة، إما بحدودها الدنيا كجائزة فردية تمنح للاعب كرة قدم، أو في بالغ أهميتها؛ ضجيج إعلامي لأرقام ما كمحاولة لخلق أسطورة، وبين هذا، وذاك؛ وجدت لحظات تثير الجدل حول من حصل عليها، ومن يستحقها أكثر، وحده بنزيما تجاوز كل حديث من هذا النوع، وحده من منح العالم كله درساً من نوع مختلف، من أيقظ المحاربين في أعماقنا، وجعل كل فرد يتحسس قلبه، قائلاً؛ بإمكاني أن أحمل ما لا يحتمل، وأصل إلى النجاح الذي أريد؛ بإمكاني أن أكون كريم آخر.