تمنحنا القراءة طاقة من السكينة، متجددة في حياتنا. فهي أولوية مقدّمة على غيرها من الحياة، توسّع المدارك وتثري المفاهيم وتحدّث المعارف وتراكم الخبرات والتجارب، باكتسابها ترقى الشخصية وتزيد فرص حصولها على المهن والوظائف، إذ تُعد الكتب مصدراً زاخراً بأنواع لا حصر لها من المعلومات والتجارب والتأملات، ونتائج الأبحاث في كل مجالات الحياة العلمية والإنسانية..
غير ذلك فالقراءة -إشارة للدراسات- تعتبر نشاطاً من الأنشطة الترفيهية المسلية التي يمارسها الفرد بكل سعادة، وإحدى وسائل الترفيه التي تساعد على التخلص من ضغوطات الحياة، كما تعتبر القراءة رياضة العقل المحافِظة على صحته وقوته وتحميه من أمراض الشيخوخة.
ماهي مشكلتنا مع القراءة؟
المشكلة ليست في معرفتنا ظاهر الأمر بقدر جهلنا مضمونه، فأصبحنا لا نقر بأهمية مجاهدة النفس للتعود على ممارستها كفعل يومي واجب ضروري من ضروريات الحياة، حتى يقطع المجتمع شوطاً في طريقه نحو الحضارة. كونها السبيل الأجدر للمعرفة وتطوير الذات والمجتمع. فهي نبراس هدايةٍ للناس في شتى منعطفات الحياة وهي أحد الحلول للأزمة الحضارية التي تعانيها الأمة، إذا ما علمنا أن تاريخ الأمة الإسلامية الحافل بالإنجازات -فيما مضى- كان باعثه الموجب مرتبط كل الارتباط بالمعرفة والاطلاع.
وإنه لمن المؤسف – كما قال الدكتور عبدالكريم بكار-: “أن تحتاج أمةٌ أولُ كلمة نزلت في كتابها (اقرأ) إلى من يحثها على القراءة، ومع هذا فإن علينا أن نواجه مشكلاتنا بواقعية وشجاعة، ونكف عن التغني بأمجاد الآباء والأجداد، والإشادة بانتصارات لم نخض معاركها”.
ونحن إذا أتينا إلى واقع القراءة في حياتنا لا نجده متدهوراً في دائرته فقط عما يخص النتائج المنعكسة على الفرد الواحد، وإنما نجد أن التدهور يشمل نواحي أخرى ما يجعل له تداعيات وانعكاسات سلبية كثيرة على المجتمع بأسره، أجلَّها قلة الوعي الذي على أثره تستفحل المشاكل، وتتفاقم بسبب عدم التزود والاستفادة من تجارب الآخرين.
ولأن الأمة العربية بعيدة عن القراءة، يعني زيادة الفجوة في التقدم الذي تتمتع به العديد من شعوب العالم، فعندما تبحث وتجد أن في العالم العربي يتم نشر 6,500 كتاب في العام مقارنة بـ 100,000 كتاب في الولايات المتحدة سنوياً يتبادر مباشرة إلى ذهنك سؤال: عن سبب فظاعة الفرق في هذه المقارنة؟
والعجيب أن أسباب العزوف عن القراءة في حياتنا له سمة غريبة أبرزها في مبرر سهولة الوصول إلى المعلومة بعد أن أصبح الحصول عليها أيسر بسبب توفر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ووسائل الاتصال المعاصرة كالإذاعة والتلفاز والسينما مما يجعلنا نستدل بغرابة، أن التطور أضحى عائقاً من العوائق التي أدّت إلى العزوف عن القراءة بينما التطور هو النتيجة الأمثل لها، ومقارنة كهذه لا يمكن تجاوزها بتوضيح أسبابها فقط، لأن توضيحها مع عدم وضع حلول مناسبة لها لا يعد إلا أمراً يبقي المسألة في إطار عدم المبالاة بما سينتج، وهذا الشيء قد لا يكون في حسبان الكثير من الناس مع أنهم يعرفون تماماً سوء الحاصل في حياتهم الشخصية والاجتماعية.
ومن بين الأسباب التي أدَّت لهذا الحال، إخفاق النظام التربوي في تكوين عادات القراءة لدى التلاميذ والطلاب، إذ لو تكونت عادات القراءة لدى الشخص في مراحل حياته المبكرة لن يكون في مقدوره التخلي عنها لأنه وجد البديل الذي يشغل وقته وإن لم يكن الأفضل وهذا ما اعتبرناه في شأن وسائل الاتصال. ومن الأسباب التي تؤكد ضعف دور الدولة والجهات المعنية في الحد منها هو غلاء أسعار الكتب إلى جانب غلاء الأسعار بشكل عام لجميع المنتجات مما يعجز الواحد عن التوفيق بين الأمرين، والاكتفاء بالكد والجد على أن يوفر شيئاً يشبع بطون من يعول تاركاً افتقار العقول للمعرفة لأحلام تحسن الأوضاع في البلاد. ومن هنا فإنه يقع على عاتق الجهات المعنية أن تنظر إلى هذه الأسباب بعين الاعتبار، وتعمل على إقرار نظام أو قانون ينص على إلزام الجهات المسؤولة بتوفير مكتبات في جميع المناطق والأماكن المناسبة لتثقيف منسوبيها، وإقامة الندوات التي تحث العامة على القراءة، ونشر الأفكار التي تؤيد أهمية القراءة وفوائدها بالتوضيح والإبراز، والبحث عن طرق لها دورها في إقناع الفرد بممارسة القراءة.
فماذا نتوقع من جيل ينشأ فيه الولد الصغير في البيت ووجود الهاتف في يده يعد تطوراً عالمياً، وبرهان يشهد على وعي أهله وتقدمهم، ولو خيّرنا أي طفل بين الهاتف والكتاب كنا في نظره محلاً للسخرية إذ أننا كيف نخيره ما بين هاتف فيه كل أشكال الترفيه التي يحلم بها أي طفل وكتاب لا يقرأ منه سطراً واحداً إلا وقد أهلكه الملل هلاكاً لا يمكننا تصوره، وذلك أن أقصى ما كنا نريده لأطفالنا هو أن يجدوا طريقة يقضون بها أوقاتهم دون أن يحاوطهم الضجر، ثم إذا عاد من مدرسته، ولم يفهم شيئاً كان المذنب الوحيد هو المعلم.
وإن كانت البدايات -وهي دائماً ما تكون- صعبة وعسيرة، فإن من اللازم علينا أن نركز اهتمامنا لأطفالنا بالعلم حتى تنمو في نفوسهم العوامل الحاسمة التي تأخذ مجراها الصحيح تجاه قضية التعليم، وهذا كله يجعلنا نعترف أن تراكم هذه الأسباب يبدأ من البيت قبل خارجه من البيئة والمخالطة وغيرها.
إن إيجاد الدوافع المحفزة للقراءة هو أولوية تستحق كل الاهتمام والجدية، وإن من أحسن ما يعطي لهذه الفكرة مكانتها المقربة، كل من يدرك أن محبة العلم ورغبة المعرفة والشغف بكليهما يعطي الاستنارة الكافية للتوجه الصحيح في اتخاذ الموقف النفسي إزاء قضية القراءة هو قول الدكتور عبدالكريم بكار : (إذا كانت القراءة أهم وسيلة لاكتساب المعرفة، وإذا كان اكتساب المعرفة أحد أهم شروط التقدم الحضاري، فإن علينا ألا نبخل بأي جهد يتطلبه توطينُ القراءة في حياتنا الشخصية، وفي حياة الأمة عامة، فالقراءة المثمرة تستحق منا التخطيط والتفكير والمثابرة والعناء).
- هذه المادة تم إنتاجها ضمن مشروع “كلمتين على بعض” الذي ينفذه نادي تكوين الثقافي، بتمويل من الصندوق العربي الثقافي والفنون (آفاق).
سلمت يداك
ابدعت 🤍
فعلاً القراءة مهمه جداً ولها إيجابيات عديده.