مصدر قلق دائم، ومعاناة إنسانية هائلة، وسؤال وجودي عن الاستمرارية كأولوية ملحة، هكذا يُعرّف النزوح عند من عاشوه، وعند عودتهم يعملون بشكل فوري على لملمة ذكرياتهم الجريحة والعودة إلى بعض ما كانوا عليه قبل الفترة القسرية التي قضوها بعيدًا عن بداياتهم وذكرياتهم العتيقة.
هذا ما فعلته فتاة عانت من النزوح ثلاث سنوات قبل العودة إلى مدينتها التي ترعرعت فيها بعيدًا عن أصوات قذائف الدبابات والصواريخ التي اضطرتها للرحيل دون مقدمات، وعند عودتها نفضت عنها الغبار، وتولدت لديها فكرة تأسيس مساحة آمنة للقراء والكُتّاب والفاعلين الثقافيين، ولها، قادتها إلى ذلك حالة التصحر التي كانت تعيشها مدينة تعز في أوج المواجهات العسكرية عندما أغلقت المقاهي والمنتديات الثقافية، والمكتبات والمراكز الأدبية، وهي المدينة التي تعد عاصمة للثقافة في البلاد.
السطور الأولى!
عودة على أمل، هذا ما بدأت به حنين الأغواني عندما كتب لها العودة إلى مدينة تعز عام 2018، بعد ثلاث سنوات من النزوح القسري إلى إحدى قرى ريف المحافظة، عودة على أمل أن تمثل انطلاقة جديدة لها، وهو ما كان في نهاية عام 2018، حيث تشكلت فكرة صالون سطور بسواعد شبابية وبنكهة ثقافية أدبية، كنوع من إعادة الاعتبار لمدينة سلبتها الحرب واجهتها الثقافية، ووأدت الأماكن التي كانت تعرف بنبضها الفكري والأدبي طوال العقود الماضية، وهذا ما تُجمل به حنين ولادة سطور.
الصالون الوليد على أنقاض المدينة كتبت سطوره الأولى خمس فتيات بجهد ذاتي، حتى أنهن كن يدفعن اشتراكًا بحسب قدرتهن على ذلك لاستكمال ما بدأنه، والفتيات الخمس إضافة إلى شغفهن بالفن والأدب والتراث، يتمتعن بمهارات تعزز هذا التوجه، فمن الرسم والغناء إلى العزف والحياكة وصولًا إلى الكتابة، تنوعت قدراتهن لتصنع مزيجًا حيويًا نحو الحفاظ على الإرث الثقافي بصورة إبداعية، وهذا ما يميز سطور، وفقًا لحنين.
تعكس حنين ورفيقاتها إبداعية تفكيرهن على الفعاليات التي يقمنها؛ إذ يعملن على ربط القراء والمهتمين في الجوانب الثقافية والسياسية والتاريخية بالمتخصصين في هذه الجوانب داخل اليمن وخارجه بعقد جلسات مباشرة وافتراضية عبر تطبيق زوم لمناقشة كتاب، أو موضوع، أو فيلم سينمائي، وحتى جلسات غنائية.
ما يميز سطور كصالون أن فعالياته مغلقة وغير مفتوحة؛ وهي مهمة بالنسبة لحنين: “كي يتمكن المستهدفون من الاستفادة القصوى مما نقوم به، وهو سعي متواصل لعكس ما نقدمه على المجتمع، فالفريق اليوم أصبح قوامه تسع فتيات وشاب واحد، وذلك يساعدنا للانطلاق والعمل بشكل أفضل للتحول إلى مؤسسة ذات حضور وفاعلية أكبر”.
ترى حنين أن الجلسات الحوارية والنقاشية التي يعقدها سطور تمثل ساحة سلام؛ حيث يحرص الجميع على أن تكون المعرفة أولويتهم، ضمن نطاق حر فيه تعبير بلا حدود عن كل ما يؤمنون به ويعتقدونه على المستوى الفلسفي، والفكري، والثقافي، مع ضمان التنوع في الآراء وتقبلها، وهذه الجلسات يمثل حضورها من الجنسين ذكورًا وإناثا.
أداة للتغيير
تلعب المرأة دورًا حيويًا في تعزيز السلام عن طريق فعاليات ومجالات متعددة لعل أهمها ظهور الصالونات الثقافية مجددًا بعد عقود من الزمان، حيث تتيح هذه الفضاءات للنساء من خلفيات مختلفة فرصة المشاركة في حوار مفتوح، مما يسهم في فهم وجهات النظر المختلفة، وأيضًا من خلال النقاشات الإيجابية، التي تعمل على تقليل التوترات ونبذ الكراهية بين أبناء المجتمع، هكذا تعبر الفاعلة الثقافية آلاء حافظ عن أهمية الأدوار النسائية في الوقت الراهن.
وترى حافظ أن وجود المرأة في أي مجال من مجالات الحياة المتنوعة، يساعد على إبراز القيم المشتركة ويقدم نموذجًا إيجابيًا يساهم في إلهام الآخرين وتعزيز الأمل لديهم، ومن خلال الصالونات الثقافية، يمكن للنساء توظيف الثقافة كأداة للتغيير، وتعزيز القيم الإنسانية، وبناء مجتمعات أكثر سلامًا وتسامحًا.
تأكيدًا لذلك يضيف الصحفي والفاعل الثقافي مؤسِّس منصة مشاقر للثقافة والفنون والتراث محمد أمين: أن هكذا كيانات ثقافية تشكل للمرأة حضورًا في المشهد الثقافي اليمني وتخلق الوعي بأهمية الثقافة في نبذ خطاب الكراهية ومواجهة العنف، وتمكّن المرأة من الإسهام الفاعل في مواجهة كل ما يتعارض مع ثقافة السلام في المجتمع.
يذهب أمين إلى أن من الأهمية بمكان أن يكون لهذه الكيانات دور ملموس في صناعة السلام المجتمعي، وتعزيز ثقافة السلم من خلال تبني لغة الحوار، وتوجيه الناس إلى القيم التشاركية ومعالم الجمال المشتركة.
وفي خضم الحرب عملت المرأة اليمنية بشكل كبير على تطبيع الحياة العامة من خلال المشاركة في أعمال الإغاثة، والصحة العامة، والتعليم، إضافة إلى بناء السلام المجتمعي، والفعاليات الثقافية والشبابية ضمن نضال يومي من قلب المجتمع.
فكرة رائعه ويجب ان نساندها جميعا
سعيد جدا بوجود مثل هذا النشاط في مدينة تعز لكي يبعث دماء جديدة لشريان الحياة الثقافية لنعز التي ضعف بسبب الحرب وهءه فرصة للمثقفين والأدباء لتحريك المياه الراكدة
منذ زمن
حمامة السلام