تصور بعض القصص الشعبية المرأة اليمنية ككيان غير مستقل أو كائن لا يمكنه أن يستقل عن الرجل ولا يكتمل إلا به، كما لا يمكنه تربية الأبناء التربية الصحيحة وهذا يخلق صورة نمطية لها في ذهن المجتمع اليمني، ويصورها على أنها ضعيفة من دون الرجل وليست على قدر كافٍ من المسؤولية والحنكة.
فالأرملة التي توفي عنها زوجها وتحملت عبء تربية أبنائها الذكور من بعد وفاة زوجها، تقول الرواية الشعبية المتناقلة عن قصص أو حكايا متداولة في أوساط المجتمع اليمني إن “ابن الأرملة نصف رجل” وفي هذا تقليل من دور المرأة الأسري.
وتظهر بعض القصص الشعبية المرأة على أنها شريرة أو بلهاء أو حمقاء أو غبية أو مؤذية أو كثيرة الاعتقاد بجدوى الشعوذة والخرافات والاضرار بالآخرين، كما تظهرها قصص أخرى أنها نموذج للطيبة، ولكن ذلك لم يحل دون تعرضها للإيذاء والامتهان من قبل نساء أخريات، ففي حكاية وريقة الحناء المعروفة، اتسمت ورقة الحناء بالجمال والطيبة والأدب ولطف المعاملة، ومع ذلك تعرضت لامتهان ومكائد زوجة أبيها ومكائد أختها غير الشقيقة (أختها من أبيها)، لكن المرأة العجوز لعبت في الحكاية ذاتها دور المساعدة النصوحة ووقفت إلى جانب ورقة الحناء وساعدتها على تجاوز الصعاب والعراقيل التي وضعت في طريقها إلى أن تمكنت من الوصول إلى مرادها والزواج من ابن السلطان حسب فحوى القصة التي ترويها الأمهات والجدات للأولاد.
وللحكاية الشعبية أو الأقصوصة الشعبية أو السردية الشعبية تسميات عدة وتختلف من منطقة إلى أخرى كالحزاوي، والسماية، والحدوتة، والفتوى والمحزاية، وعرف الباحث مطهر الارياني السماية بقوله هي الأقصوصة الشعبية أو الحكاية أو الحدوتة التي تروى للأولاد.
وللمرأة حضور بارز في الحكايات الشعبية اليمنية، إذ تحتل المساحة الأكبر من شخصياتها وأحداثها، إلا أن أدوارها تتفاوت بين الخير والشر كما تتباين وظائفها بين الأسرية والاجتماعية، وتختلف طبيعة صورتها من قصة إلى أخرى حسب باحثين.
صور متعددة
يقول أستاذ الأدب والنقد الحديث في كلية الآداب بجامعة تعز الأستاذ الدكتور أحمد قاسم أسحم لمنصتي 30: “للمرأة صور عديدة منها الطيبة، والتضحية والأنانية، والخاطفة، والمانحة، والمؤذية وجميع تلك الصور تتجلى في عدة نماذج وهي نموذج الأم، والأخت، والابنة، والخالة زوجة الأب، والجدة وغيره”.
ويضيف أسحم لمنصتي 30: “للمرأة صورة نمطية في الحكايات الشعبية اليمنية، وذلك بحسب اسمها وصفتها، كما وضعت تلك الحكايات لكل امرأة تناولتها صفة معينة قد تكون صفة خير أو شر، وعلى سبيل المثال صورة الخالة زوجة الأب تظل غالبًا في أغلب الحكايات اليمنية وغير اليمنية نموذجًا شريرًا لا يتغير أما المرأة الأم تظل نموذجًا للعطف والشفقة والرحمة”.
وبالرغم من أن البعض يعد المرأة المحرك الرئيسي للأحداث إلا أن حضورها الفاعل هذا قد يطرأ عليه في بعض الحكايات طابع التندر والطرفة، ففي قصة “ما يجمع الله بين عسرين” بدت المرأة فيها متساهلة وسبب في تفاقم عبء المنزل على الرجل، حيث تقول القصة إن مواطن من صنعاء ويسكن باب اليمن خرج ليشتري متطلبات عيد الأضحى من سمن، ودقيق وبر وطلي (خروف)، ثم عاد إلى المنزل ووضعها عند مدخله، ونادى على زوجته التي كانت منشغلة بأعمال البيت لتأخذ السمن والبر والدقيق وتنتبه للطلي، وانصرف لعمله، لكن زوجته نسيت ذلك فأكل الطلي الدقيق وشرب السمن حتى التخمة ومن ثم مات، لكن الزوج تفاجأ عند عودته إلى المنزل بذلك وسمع رجل يردد في الخارج مقولة “ما يجمع الله بين عسرين”، فقال له الزوج ها قد جمع الله بين ثلاثة أعسار، (طلي وسمن ودقيق)، ولما عاد الرجل العابر إلى داره تذكر مقولة الزوج وضحك، فسأله رفاقه عن قصة صاحب الطلي فضحكوا ،ثم جمعوا مبلغاً من المال واشتروا له طلي ودقيق وسمن ووضعوه مع مبلغ من المال عند مدخل البيت.
مشاهد
في كتاب قراءة في السردية الشعبية اليمنية جمعت الباحثة أروى عبده عثمان في تسعينيات القرن الماضي من الجدات والأمهات والصبايا ومن الأشرطة والمذكرات 70 قصة شعبية، وذلك من الحياة القديمة في اليمن، ويعد الكتاب الإصدار الثاني من موسوعة «أطلس الحكاية الشعبية اليمنية» الصادر عن مركز الموروث الشعبي، والذي يعد المركز الأول من نوعه في البلاد وتبنت أروى عثمان تأسيسه في العام 2004.
وكما تحيي مضامين بعض القصص مقولة إن المرأة ناقصة عقل، ظهرت المرأة في متن حكايات طالعها معد التقرير بصورة حمقاء أو غبية غباءً مفرطًا، كما بدت ممتهنة ورهن أوامر الرجل وقسوته وإن كان أبًا.
وتقول قصة السبع المرايا التي وردت في كتاب قراءة في السردية الشعبية اليمنية (70 حكاية شعبية) إن رجلاً أرمل أعطى قبل سفره كل بنت من بناته السبع مرآة وأمرهن بالحفاظ عليها ولما عاد من سفره بعد سنين، أمر كل واحدة بالدخول عليه مع مرآتها، لكن ست منهن فقدن مراياهن، ولم تحتفظ بمرآتها سوى البنت الصغيرة لكن أختها الكبيرة احتالت عليها وأخذت مرآتها.
ودخلت كل بنت من البنات الست على أبيها بمفردها ولما جاء موعد دخول الابنة الصغيرة لم تجد مرآتها فدخلت على أبيها دون مرآه وأمر الأب عبده بقتلها فأخذها إلى جبل وهم بقتلها فترجته فقطع يديها بدلاً من قتلها وتركها، وعاد فسارت إلى مدينة بعيدة وأغمي عليها فصادفها ملك و أمر بالعناية بها ولما أفاقت سألها عن قصتها فأخبرته فأعجب بها وتزوجها دون رضا والدته وأنجبت له طفلين، لكنه سافر لعدة أشهر فأخبرتها أم الملك عقب سفره أن الملك طلقها وطردتها من القصر مع ولديها وأركبتهم حمار، وفي الطريق سقط عليها الولد والبنت تباعاً وذلك إلى أن التقت بالنبي الخضر فعالجها وعادت لها يديها وابنها وابنتها وأعطاها قصر وبستان جميل سمع عنه والدها الذي تقدم به السن وأصابه المرض وقرر الرحيل مع بناته إلى حيث هذا البستان والذي التقى فيه بابنته الصغيرة وأخبرتهم عن قصتها وعاشوا معها.
وفي القصص الشعبية قد تغير الظروف والمواقف حب الجدة لأحفادها من ابنتها ففي حكاية الجدة وأحفادها كانت الجدة تحب أولاد ابنتها أكثر من اولاد ابنها الذين حرمتهم من الميراث لكرهها لأمهم، ولكنها عندما سقطت في يوم ماطر ضحك عليها ابن ابنتها وهرع ابن ابنها لأخذها وإسنادها، فقالت “الحبيب ابن الحبيبة ضحك ضحكة عجيبة، والحبيب ابن العدوة بزني بزة” فندمت على ما فعلته بأولاد ابنها وعادت للعيش معهم.
ومن هذه القصة التي تلمح لكره الحماة لزوجة ابنها جاءت مقولة “ابن الأبن ابني وابن البنت فلا” وهي متداولة في الوقت الحاضر وتعكس مفهوم أن حب الجدة لأحفادها من ابنتها الأنثى أقل من حبها لأولاد ابنها الذكر مع الاحتفاظ بكره الحماة لأمهم وهي واحدة من المشاكل الأسرية المتداولة حتى في الدراما اليمنية.
تقليل وانتقاص
في قصة (شذابة) التي وردت في الكتاب ذاته يوجد تقليل من شأن البنت الجميلة التي وعدت أمها وهي حامل بها بتزويجها من غراب مقابل أن يوقف العبث بالحبوب ووفت بوعدها عندما كبرت ابنتها بعد استشارة زوجها، كما فضحت سر الغراب المتمثل في تحوله إلى شاب وسيم فقرر مغادرة القرية وطلب من الفتاة اللحاق به بعد أن أعطاها غصن شذاب تحدد من خلاله وجهته فلحقت به ومرت بساحر سحر ابنة الملك فقتلته، ثم زارت مقر الملك وعالجت ابنته من السحر ثم لحقت بالشاب المتحول من غراب وأخرجت غصن الشذاب فعجب لوفائها وتزوج منها بعد أن تفاجأت هي بتجهيزات الزواج الذي ظنت أنه من غيرها.
أما في قصة العائلة الحمقاء أُضفِي الحمق على زوجة مر بها لص في غياب زوجها وأخبرها أن والدها وأمها قد توفيا وأن أمها تطلب الثوب المطرز والحزام الذهب لتحتفل كما طلب جنبية زوجها وبندقيته فأعطته، ولما عاد زوجها غضب منها، وقرر الرحيل للبحث عمن هو أغبى من زوجته ومر بأسرة مكونة من أب وأم وابنه عرضوها على الضيف للزواج، لكنها خرجت في اليوم التالي تبكي فلحقت بها أمها وأبيها وسألاها عن سبب بكائها فأخبرتهما بأنها ستتزوج من الرجل وتنجب طفلاً سيسقط ويموت بعد عودته من المدرسة ثم لحق الضيف ووجد الجميع يبكون فسألهم عن السبب فأخبروه بنفس السبب فقال الولد سنأتي ببديل له ثم حمد الله لأنه وجد من هو أغبى من زوجته وعاد إليها.
وفي قصة الفتاة الغبية كان لرجل زوجة غبية ويملكان 20 دجاجة وبينما كان الرجل في السوق يشتري حبوب للدجاج كما يفعل يوميًا مر رجل آخر يحمل ديكًا وقال من يشتري ديكاً أو يبيع لي دجاجاً فأجابته الزوجة الغبية سأبيع لك دجاجاً، فقال لها ليس لدي نقود فقالت له أعطني هذا الديك فاخذ الدجاج وأعطاها الديك فوضعته مكان الدجاج، لكن الديك سمع صوت الدجاج ولحق بها وحينما عاد الرجل غضب وقرر الرحيل للبحث عمن هو أغبى منها.
ومر الرجل بدار في قرية أخرى، وفيها شاب وفتاة قد توفيا والدهما فسألته الفتاة من أنت ومن أين أتيت فأخبرها (أنا الحاج علي)، من البلاد ثم سألته عن أبيها وأمها وماذا يريدان فقال لها إن أردت إعطاءهما شيء فهاتيه فأعطته فلوس ملابس ونقود، ثم سألته وماذا يريدان أيضًا، فقال لها البندق والجنبية فأعطته ما طلب، فحمد الله لأنه وجد من هو أغبى من زوجته وعاد إليها.
وتبدو صورة العجوز زُهرة (بضم الزاي) مختلفة، حيث تقول القصة إنها ماردة شريرة تخرج ليلاً وتنكش شعرها إلى ساقها وتطلي وجهها بالفحم وتخرج لسرقة مزارع القات وكان كل من رآها أغمي عليه لتخيله بأنها جنية وفي إحدى المرات ذهبت لسرقة مزرعة قات يحرسها رجل وزوجته فأغمي على الرجل لحظة رؤيتها فأخذت زوجته البندقية وأطلقت النار على العجوز زهرة وأردتها قتيلة.
وبدت المرأة فطنة وذكية وحكيمة وتجيد التصرف وتملك القدرة على الرفض كما في قصة “ذكاء البنت الجميلة” والتي طلب السلطان من والدها الزواج منها، ولكنه عندما عاد إلى المنزل أخذ رأيها فرفضت وأخبر السلطان بذلك فاستشاط غضباً، وطرح على والدها ثلاثة طلبات تعجيزية متوالية مالم سيتزوج منها أو يقتلها إن رفضت، لكن الفتاة تمكنت بذكائها من تجاوز اشتراطات الملك والذي طلب من والدها إخبارها بأن تعد له لحوح دون دخان ونار وعاد الأب محتاراً وطرح عليها طلب السلطان فأعدتها على الشمع وأرسلتها للملك، غضب الملك وطرح على أبيها طلبه الثاني المتمثل في أن تأتيه ببيض محملة على جمل دون أن تكتسر واحدة، فقامت بطلاء ظهر الجمل بعسل وألصقت البيض عليه وأرسلتها مع أبيها للسلطان والذي غضب وطرح طلبه الثالث وهو أن تأتيه الفتاة بحليب تيس فعاد الأب حزينًا وأخبر ابنته بطلب الملك فأخذت في اليوم التالي ملابس متسخة وذهب لغسلها في بركة ماء بالقرب من قصر السلطان والذي سألها إلى أين تذهب، فقالت لغسل هذه الملابس في البركة ثم سألها السلطان وأين أباك فردت سيلد الليلة فقال السلطان وهل هناك رجل يلد فردت عليه الفتاة، وهل هناك تيس حلوب فاعترف السلطان بعجزه أمام الفتاة وتراجع عن طلب الزواج منها.
قراءة
وينحصر دور المرأة وصراعها في نطاق محدود كالمنزل وهو صراع غير بطولي، ويكون بين الأخت وأختها والأم وابنتها والحماة وزوجة الأبن أما دور الرجل في القصص فيدور ضمن نطاق واسع ويتجاوز المنزل إلى المجتمع المحيط والبلدة والبحار ويتخذ دوره طابع بطولي كما أن صراعه إلى جانب المرأة والأسرة يكون مع الطبيعة وأمواج البحار، وتقول أروى عبده عثمان في كتاب قراءة في السردية الشعبية اليمنية (70 حكاية شعبية) إن طابع حكايات النساء يغلب عليه المواعظ التربوية والأخلاقية، والدينية، والأحداث اليومية، وتدور معظم الأحيان في محيط البيت.
ولحكايات الجن والمعتقدات الشعبية نصيب الأسد في ذهنية ووجدان النساء، أكثر من غيرها كما يبقى القاسم المشترك في حكايات النساء النزوع إلى الحزن، والنهايات المتأوهة حسب الباحثة أروى عثمان.
أما حكايات الرجال فتأخذ طابع البطولات، والصراع مع الطبيعة كالبحر، فاليمنيون كان لهم في كل بحر حكايات، فاشتغالهم بالتجارة، والسفر على ظهر السفن واختلاطهم بالأقوام والأجناس، طبع حكاياتهم بنوع من المغامرات، أما تفاصيل الحياة اليومية، فهي موكولة للمرأة وتعبر عنها بطريقتها أكان حكياً، أو غناء طبقاً للباحثة.
وتذكر أروى عثمان أن هناك حكايات كما يقال في اللهجة اليمنية (حكايات من حق الرجال) تحكي قضايا اجتماعية كعلاقة الرجل بالمرأة، وهي لا تخرج عن الثقافة التقليدية ذات الموروث الثقافي الذكوري السائد.
وتخلق الحكايات الشعبية صورة نمطية للحماة التي تكره زوجة الابن وتكرس مفهوم أن المرأة دائمة الصراع مع أفراد أسرتها وجيرانها وأنها كثيرة الكراهية لزوجة ابنها، وهي ثقافة أضحت سائدة في الوقت الحاضر وهذا يغذي نزعة الصراع الأسري ويؤدي إلى تفكك الأسرة كما يقلل من مستوى الثقة بين أفرادها.
ويذكر الدكتور أحمد قاسم أسحم أن “تأثير صور المرأة في القصص الشعبية على القارئ أو السامع خصوصًا إذا كان طفلاً لا شك بأنها تؤثر في فكره وعاطفته، ويأخذ انطباعًا عن النموذج الذي سمع قصته، وهذا الانطباع لا يتغير غالباً في مستقبل حياته”.
ويلفت إلى أنه “عندما تقرأ على الطفل قصة الخالة، وماذا فعلت بأولاد الأم المتوفية أو المطلقة يأخذ انطباع أن الخالة كائن شرير وهو انطباع لا يتغير ويظل معه طوال عمره مالم يكتسب بعدها خبرات من واقع معين ويجد فيه أن الخالة أخذت مكان الأم وصنعت ما تصنعه مع أولادها فإن هذا الانطباع قد يتغير لديه”.
القصص الشعبية ليست مجرد حكايات تُروى، بل هي أدوات قوية تسهم في تشكيل الفكر الإبداعي وتعزيز الابتكار،من خلال الاستماع إلى هذه القصص وفهمها، يمكن للأفراد أن يطوروا مهاراتهم الابتكارية ويصبحوا قادة في مجالاتهم .