ارتبطت شخصيتا “زنبقة” و”أنيسة” في ذاكرة الجمهور اليمني خلال العقد الأخير، إذ تجاوز حضورهما حدود شاشة التلفزيون ليتحول إلى جزء من فضاءات يومية الناس. اقتباساتهما، وحركاتهما، والمشاهد الكوميدية التي جسّدتاها، أصبحت مادة متداولة في المقاطع القصيرة على منصات التواصل الاجتماعي، وحتى في النكات والحوارات العابرة بين الناس.
شخصيتان تبدوان للوهلة الأولى طريفتين، غير أن خلف الكوميديا تكريسٌ واضح لصور نمطية عن المرأة. ففي مسلسل همي همك (2009-2013)، ظهرت شخصية “زنبقة” التي جسّدها الفنان نبيل الآنسي كرمز للمرأة السطحية، المهووسة بالمظاهر والثرثرة. وفي المقابل، قدّمت الفنانة سالي حمادة في مسلسل غربة البن بجزئيه (2019 و 2020) شخصية “أنيسة”، التي جسّدت صورة المرأة المتطلبة، المتقلبة، دائمة الاعتراض، المندفعة في مطالبها حتى وإن بدت غير منطقية.
ازدواجية الخطاب
على الرغم من أنه خلال العقد الأخير، شهدت الدراما اليمنية كثافة في الإنتاج، وتطورًا ملحوظًا في الجوانب الفنية والإخراجية، لتدخل في سباق على الإبهار البصري والتقني. غير أن هذا الزخم لم ينعكس على مضمون الأعمال، إذ بقيت المرأة عالقة في أدوار نمطية متكررة وبمجموعة من “الكليشيهات”، تكاد لا تخرج عن صورة الضحية الضعيفة، أو تُدفع نحو أدوار نمطية أخرى: (الجاهلة، المتسلطة، الطامعة في المال، الهدّامة للأسرة).
يرى المخرج والناقد الفني آدم الحسامي، أنّ الدراما اليمنية تعاني من التنميط لمختلف الفئات الاجتماعية، وهو مشهد شائع أيضًا في الدراما العربية، خاصة المصرية كونها المرجعية الأساسية لصناع الدراما. ويقول لـ منصتي 30 إن السبب يعود إلى “غياب السيناريست المحترف وتحويل المخرج التنميطات المكتوبة إلى تمظهرات بصرية متكررة تشمل هيئة الممثل ولغة الجسد واللزمات الأكليشيهية”.
يشير الحسامي إلى أنّ تصوير المرأة في الدراما ينقسم عادة بين ربة المنزل السلبية رغم فاعليتها الواقعية، والمرأة المتعلمة العاملة، إما رمز للقوة أو تُنَمَّط كمتسلطة، ما يعكس ازدواجية الخطاب الدرامي تجاه النساء.
ولمعرفة أبرز القوالب النمطية للمرأة في الدراما اليمنية، واكتشاف كيفية اختزال الشخصيات النسائية في صور محددة، أجرينا تحليلًا لأحد عشر مسلسلًا، تم عرضهم خلال الفترة من 2022 إلى 2025، وتشمل العينة المسلسلات التالية: ليالي الجحملية، درة، الجمالية، طريق إجباري، دروب المرجلة، دكان جميلة، العالية، ربيع المخا، خارج التغطية، أواب، ممر آمن.
من خلال تحليل المسلسلات الإحدى عشر البارزة تبين أن الشخصيات النسائية غالبًا ما تُختزل ضمن قوالب محددة. إذ نجد أن النمط الأكثر شيوعًا هو المرأة المظلومة أو الضعيفة، حيث ظهرت في ستة من المسلسلات المشمولة في العينة، مثل “أواب”، “ممر آمن”، “ليالي الجحملية”، و”دُرة”. هذه الشخصيات غالبًا ما تُصوّر عاجزة عن اتخاذ القرارات، معرضة للاستغلال أو للعنف، وتعكس الصورة التقليدية للمرأة المستضعفة في المجتمع.
إلى جانب ذلك، يظهر النمط السطحي بنفس القوة تقريبًا، حيث ظهر في ستة مسلسلات أيضًا مثل “دروب المرجلة”، “دكان جميلة”، و”العالية”. هذا النمط يعكس المرأة التي تهتم بالخلافات اليومية، وتتصرف بسطحية أو تتسبب في صراعات داخل الأسرة. تكرار هذا النمط يشير إلى استمرار تصوير المرأة على أنها مصدر للمشاكل أو القلق في محيطها الاجتماعي، دون التركيز على قدراتها أو استقلاليتها.
أما النمط المرتبط بالمرأة المعيلة أو ربة المنزل، فقد ظهر في أربعة مسلسلات مثل “أواب”، “دُرة”، و”الجمالية”، حيث تمثل المرأة المحصورة في دور المنزل، مسؤولة عن الأعمال المنزلية ورعاية الأسرة. يعكس هذا النمط النظرة التقليدية للمرأة كعنصر تابع داخل البيت، ولا يمنحها القدرة على المشاركة في صناع القرار أو الحياة العامة، هذا ما تكشفه تفاصيل الشخصية ودورها خلال الحلقات.
وفي المقابل، كانت الشخصيات العاطفية، وظهرت في مسلسل “دروب المرجلة”، لتصور المرأة الحساسة والمتأثرة بالعاطفة أكثر من العقل، ما يجعلها عرضة للظلم أو الوقوع في مواقف صعبة. كما ظهر نمط المرأة المثيرة للخلافات في مسلسلين وهما “دروب المرجلة” و”ربيع المخا”، وهو نمط يعكس شخصية متطلبة وغير راضية بسهولة، تميل إلى الاعتراض المستمر.
من خلال توزيع الأدوار النمطية للشخصيات النسائية في أبرز المسلسلات ضمن العينة، يبيّن التحليل النسب المئوية لكل قالب نمطي لتوضيح مدى هيمنة الصور التقليدية.
تحليل البيانات يظهر أن 45% من الشخصيات النسائية تمثل دور المرأة المظلومة أو الضعيفة، بينما تشكل الشخصيات السطحية نحو 35%، ودور ربة المنزل أو المعيل 25% والشخصيات العاطفية تمثل 5%، أما الشخصية المثيرة للخلافات 10%.
الشكل التالي يظهر نسبة النمط الأكثر انتشار
دراسة العوامل
يشير الناقد الفني الحسامي، إلى أنّ “غياب التعليل الواقعي في بناء الشخصيات يؤدي إلى الاستسهال والتنميط، في حين أن الكتابة الاحترافية تتطلب دراسة العوامل التي تشكّل خصائص كل شخصية، وهو تعقيد غالبًا ما يغيب عن الإنتاج الدرامي اليمني”.
وبالنسبة له فإن الدراما الجيدة “تروي التجربة الإنسانية بتعقيداتها، بعيدًا عن فرض أفكار مسبقة، لتتيح للمشاهد استنتاج المعاني بحرية”؛ مؤكدًا على ضرورة أن يبتعد صناع الدراما عن التنميط ويدرسوا العوامل الواقعية التي تشكل الشخصيات، مع التأمل في الواقع لاكتشاف تنوع حضور المرأة بعيدًا عن الصور النمطية، مع مراعاة أثر التحولات الاجتماعية على دورها”.