عانت النساء اليمنيات خلال سنوات الحرب من الإقصاء والتهميش من المناصب العليا إذ لم يعمل صناع القرار في السلطة المعترف بها دولياً على إشراك المرأة اليمنية في مراكز صنع القرار أو تمثيلها في السلطات العليا للدولة ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية والتي تتخذ من عدن عاصمة مؤقتة لها.
ففي 7 أبريل من العام 2022 أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي تنحيه من رأس السلطة الشرعية ونقلها إلى مجلس القيادة الرئاسي برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي، وعضوية سبعة أعضاء بدرجة نائب للرئيس (جميعهم رجال).
وفيما لم يتم تمثيل المرأة في مجلس القيادة الرئاسي استمر تمثيل المرأة في حقيبتين وزاريتين هما الشؤون الاجتماعية والشؤون القانونية وذلك في حكومة الدكتور معين عبدالملك الأولى والمشكلة منتصف أكتوبر العام 2018.
إقصاء ملحوظ
وتبين من خلال مطالعة معد التقرير لقرارات التعيين أنه لم يتم تمثيل المرأة في حكومتين متعاقبتين هما حكومة الدكتور معين عبد الملك الثانية والتي تشكلت في 18 ديسمبر العام 2020 من 24 وزيراً وكذلك حكومة الدكتور أحمد عوض بن مبارك الحالية والمعين في 5 فبراير 2024 وضمت 26 وزيراً جميعهم رجال.
تواصل معد التقرير مع وزير الإعلام في الحكومة المعترف بها دولياً معمر الارياني ولم يرد كما تواصل بوكيل وزارة الإعلام عبد الباسط القاعدي وذكر أن الرد على استفسارات منصتي 30 ليس من مسؤوليته.
ويثير إقصاء النساء من المناصب العليا للدولة وكذلك لجان المفاوضات التي جرت في السنوات الماضية بين السلطة الشرعية وجماعة أنصار الله جدلاً واسعاً مصحوباً بالمطالبة المتواترة بإشراكها في أعلى قمة هرم السلطة السياسية في البلاد.
وفيما يشهد المناخ السياسي في مدينة تعز جنوب غرب اليمن والعاصمة الثقافية لها تحسناً ملحوظاً، ينتعش فيها الحراك المدني النسوي أسوة ببعض المحافظات التابعة للحكومة المعترف بها كما ترفع المطالب بتمثيل المرأة في السلطات العليا ومساواتها بالرجل.
يقول الصحفي والمحلل السياسي عبد الواسع الفاتكي لمنصتي 30: “لا يوجد في الحكومة الشرعية الحالية مقعد وزاري واحد تتولاه امرأة فضلاً عن غياب المرأة اليمنية عن كثير من مواقع السلطة العليا”.
ويشير إلى أن “هناك حراك متواتر، يطالب بإشراك المرأة في مراكز صنع القرار والمناصب العليا للدولة حيث تعقد الندوات وورش العمل واللقاءات النسوية مع المكونات السياسية والاجتماعية و ممثلين عن الجهات الحكومية وتخلص نتائجها إلى التوصية بمنح المرأة اليمنية مواقع متقدمة في هرم السلطة ومفاصل الدولة، لكن تلك التوصيات تظل حبيسة الأدراج ولا تعرف طريقها للتنفيذ”.
ويضيف الفاتكي لمنصتي 30 أن “التعامل مع قضية إشراك المرأة في المسؤولية العامة يعتمد على نظام الكوتا أو النسبة المحددة ولذلك يتم الاختيار الشرفي لبعض النساء الحزبيات أو المعروفات لدى المؤسسات الرسمية ويتم إقصاء عدد كبير منهن”.
انتكاسات متعددة الأوجه
وسبب النزاع المتواصل للعام العاشر على التوالي انتكاسات على كافة المستويات بالنسبة للنساء كما تغيرت الأوضاع و أضحت المرأة تعمل بعيداً عن النشاط السياسي في الكثير من المبادرات والتحالفات وذلك من أجل إيقاف الحرب والدعوة الى إحلال السلام وتقديم المساعدات الإنسانية حسب متابعين محليين.
وفي ديسمبر العام 2021، شددت الأمم المتحدة على الحاجة لوضع كوتا للنساء في المناصب الحكومية والقيادية العلياء إلى جانب أهمية إشراكها في التنمية وبناء الدولة والسلام وجوانب أخرى لها صلة بمواجهة كوفيد 19 المتفشي حينها وكيفية تخفيف آثاره على النساء.
وتتفاقم التعقيدات في طريق وصول المرأة إلى المناصب العليا، وهو ما ترجعه ناشطات يمنيات إلى قصور الوعي السياسي والحقوقي لدى النساء وممانعة المجتمع لإشراكهن وعدم توفر إرادة لدى السلطات العليا لتحسين أوضاع المرأة اليمنية والدفع بها إلى مراكز صنع القرار كما أن الاحزاب السياسية لم تلعب إلى جانب الحكومة والبرلمان دوراً فاعلاً في تعزيز المشاركة السياسية للنساء.
تلخص صباح عبد المجيد وهي صحفية وناشطة سياسية لمنصتي 30، الصعوبات التي تحول دون وصول النساء إلى المناصب العليا في “ضعف الإرادة السياسية لدى السلطات العليا وافتقارها لرؤية استراتيجية تساند وصول المرأة إلى مواقع صنع القرار، فضلاً عن تدني مستوى الوعي بلوائح العمل السياسي لدى الكثير من النساء”.
وفيما يتعلق بالأسباب التي تقف وراء عدم إشراك السلطات للمرأة في المناصب العليا، توضح القيادية الحزبية صباح لمنصتي 30: “واقع الحرب والتشكيلات الحكومية فرض محاصصة حزبية غير عادلة، ما دفع العديد من الأحزاب ذات الحصص القليلة إلى تفضيل إعطاء الفرص للرجال بحجة عدم وجود حصص كافية”.
وتضيف: “هناك أسباب أخرى بينها عدم التأهيل والتدريب الإداري والسياسي للنساء في أماكن العمل الحزبي أو الإداري، والتركيز في الترفيع والترقيات على الرجل دون المرأة، ووجود قصور شديد في وعي النساء حول الحقوق السياسية التي كفلها الدستور”.
مفارقة بين ما قبل وبعد الحرب
ويختلف في سنوات الحرب تمثيل النساء وتواجدهن في قيادة الدولة وتشكيل الحكومة وهياكل الوزارات والمجالس المحلية، كما تراجع دورهن ونشاطهن السياسي و مستوى تمثيلهن في الهيئات العليا للأحزاب والتنظيمات السياسية المعروفة وذلك مقارنة بوضعها في السنوات التي سبقت الحرب.
وتهيأت الظروف السياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية للمرأة في السنوات التي أعقبت الإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990.
يذكر الباحث في العلوم السياسية سامي قاسم لمنصتي 30: “زادت قناعة المجتمع بأهمية مشاركة النساء وارتفع معدل الملتحقات بالأحزاب، كما سجلن حضوراً قوياً في عمليات الاقتراع والترشح وارتفع عدد المشاركات في عملية التنمية الوطنية وزادت نسبتهن في القوى العاملة بالبلاد كما أكدت الخطة الخمسية الثانية على أهمية مشاركتها في العمل السياسي وزادت قناعتها بذلك”.
ويضيف: “فرضت استراتيجيات الدولة تواجد المرأة في مختلف المجالات واتسعت رقعة مشاركتها وبرزت العديد من النساء، وتزايدت أعداد اللواتي وصلن لمواقع سياسية كما تمكن من التواجد وإثبات حضورها في كافة المجالات السياسية والعامة وهذا يرجع إلى القوانين التي كفلت لها حق المشاركة والمساواة بالرجل”.
ويذكر تقرير صادر العام 2006 عن المركز الوطني للمعلومات أن الحضور الانتخابي القوي للمرأة في عملية الاقتراع والترشح جسد حينها المكانة التي وصلت إليها المرأة وفاعليتها ومشاركتها في صنع القرار مشيراً إلى أن حصولها على بعض المكاسب الديمقراطية عزز من إسهاماتها في مختلف المناشط إلى جانب تمكنها من إثبات إمكانياتها القيادية والسياسية في جميع مواقع اتخاذ القرار”.
وفي فبراير 2001 حققت المرأة نتائج مشجعة في انتخابات المجالس المحلية، حيث فازت 35 منهن بعضوية المجالس المحلية على مستوى المديريات والمحافظات، وفي العام 2003 حصلت على مقعدين في البرلمان كما بلغ عدد المشاركات في الانتخابات النيابية الثالثة 3,4 مليون ناخبة، وبنسبة 44% من إجمالي عدد الناخبين حسب المركز الوطني للمعلومات.
خلفية
وفي العام 2006 بلغ عدد الناخبات المقيدات في سجلات اللجنة العليا للانتخابات 4 ملايين من إجمالي تسعة ملايين و247 الف و370 ناخباً، ما يشكل 40% من عدد المسجلين، ووصل عدد المرشحات في انتخابات المجالس المحلية 185 مرشحة قبل انسحاب 11 منهن، كما سجلت حضوراً في قوة العمل بنسبة 25% وتراوح تمثيلها في الأحزاب والتنظيمات السياسية من 25-50% طبقاً للمركز.
و ذكر المركز “أصبحت المرأة عضواً في مجلسي النواب والشورى وتبوأت حقيبتين وزاريتين ذات حيوية وأهمية كبيرة في مجلس الوزراء”، كما أشار ونقلاً عن إحصائية رسمية إلى أن “5 نساء شغلن منصب وكيلة وزارة و 6 نساء شغلن منصب وكيلة وزارة مساعدة، وأكثر من 97 شغلن مدير عام بالجهاز الحكومي للدولة، وكذا 123 امرأة في السلك الدبلوماسي، ثلاث منهن بدرجة سفير، وثلاث بدرجة سفير مفوض، وأربع بدرجة مستشار، و13 توزعن ما بين سكرتير أول وملحق دبلوماسي.
وشاركت المرأة اليمنية في ثورة الحادي من فبراير العام 2011 حيث نزلت إلى الساحات مطالبة إلى جانب تغيير نظام الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح بتحقيق المزيد من المكاسب التي حصلت عليها خلال العقود السابقة من فترة حكمه.
وشاركت المرأة والتي تمثل 51% من التعداد السكاني في مؤتمر الحوار الوطني بشكل كبير وفاعل كما تواجدت في مختلف مكوناته و بلغت نسبة مشاركتها 27% طبقاً لتقرير نشره البنك الدولي أواخر فبراير من العام 2014 في موقعه الإلكتروني.
و ذكرت مدونة التقرير سمراء شيباني أن أغلبية الأطراف المشاركة في المؤتمر أجمعت على ضرورة وضع نسبة لمشاركة المرأة في جميع السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، والمجالس المحلية.
ونصت الفقرة السادسة من مخرجات الحوار الوطني على: “تلزم المكونات السياسية بترتيب قوائمها الانتخابية بما يضمن وصول 30% من النساء إلى المجالس الانتخابية والسلطات العليا”، لكن الأحزاب والهيئات العليا بدت غير مقتنعة بالقرار واتجهت نحو التحايل وهو ما برز من خلال تمثيلها بنسبة 7% في لجنة الأقاليم.
ولكن رياح الحرب المندلعة في 21 سبتمبر من العام 2014 قلبت الأمور رأساً على عقب وعادت بها إلى مربع الصفر حيث غابت النساء عن المناصب العليا للدولة، وهذا يجعل المحلل السياسي عبد الواسع الفاتكي يعد ذلك مؤشراً إلى أن الأفق المستقبلي لإشراكها في قمة هرم أجهزة ومؤسسات الدولة ما يزال بعيداً على المدى المنظور والبعيد.
هل وجدت هذه المادة مفيدة؟