“وجدت نفسي أمام تحديات عديدة، ومواجهة مع الناس والمجتمع، منها تحديات مؤسسية كغياب النظام المؤسسي الفعّال، والارتجالية في العمل، وغالباً ما تكون الهيكلة الإدارية غير منظمة، ما يعوق تحقيق الأهداف بفعالية. كما أن الثقافة الاجتماعية السائدة لا تزال تحد من قدرة المرأة على تولي المناصب القيادية الكبرى، حيث يُنظر إلى الرجل على أنه الأكثر قدرة على تحمل المسؤوليات الكبرى، بينما يُحصر دور المرأة في مجالات أقل أهمية”.
الدكتورة افتهان المشهري مدير عام مكتب النظافة والتحسين في محافظة تعز متحدثة عن أبرز التحديات التي تواجه المرأة في تقلدها لمنصب في مراكز صنع القرار في الجهات الحكومية.
في اليمن تعد نسبة مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار ضئيلة سواءً على المستوى الوطني، أو المحلي، فخلال أكثر من 30 سنة وتعاقب 14 حكومة منذ قيام الوحدة في العام1990م إلى وقتنا الحالي لم تمثل النساء في مراكز صنع القرار على المستوى الوزاري سوى بنسبة 4.1%، وبالمثل نجد التمثيل الضعيف للمرأة على المستوى المحلي، ففي تعز التي تعتبر من أكبر المحافظات سكاناً نجد أن نسبة النساء الموظفات في القطاع العام والمختلط لا تتعدى 20% من إجمالي الوظائف في القطاعين، أما في مراكز صنع القرار بالنسبة لا تكاد تذكر.
وبحسب الدكتورة شفيقة سعيد رئيسية اللجنة الوطنية للمرأة في اليمن بأن هناك تراجع كبير في تواجد المرأة في مواقع صنع القرار على مستوى هرم السلطة، مع تواجد بنسب بسيطة في بعض المؤسسات فمثلاً في هيئة التشاور والمصالحة تمثل المرأة 5%، وفي مجلس القضاء الأعلى20%، مع بعض التعينات لمدراء عموم في بعض الوزارات والهيئات الحكومية والمحافظات.
وعلى الرغم من إقصاء المرأة من مركز صنع القرار على المستوين الوطني والمحلي، فإن النساء للآتي وصلن لمراكز صنع القرار وجدن أنفسهن أمام تحديات عديدة والتي نحاول من خلال هذا التقرير تسليط الضوء على أبرزها ومناقشة الحلول الممكنة لتجاوز تلك التحديات.
تحديات!
يمثل النظام المؤسسي أحد أبرز التحديات التي تواجه المرأة في مناصب صنع القرار في اليمن بحسب الدكتورة افتهان المشهري مدير عام مكتب النظافة والتحسين في تعز، حيث إن في معظم المؤسسات الحكومية لا يوجد نظام مؤسسي حقيقي تقدر من خلاله تقوم بعمل مثالي، تلاقي مثلاً الهياكل الإدارية مخلخلة، لا يوجد وصف ولا توصيف وظيفي، الجوانب المالية والحسابية غير منظمة، وتمشي الأمور بطريقة عشوائية ومرتجلة، وتعتمد على العمل الورقي”.
الناشط المجتمعي محمد الكثيري يرى أن بيئة العمل في اليمن، خصوصًا في مراكز صنع القرار، لم تُصمم لتمكين النساء أو دمجهن بفعالية، إذ تُعتبر بيئات عمل رجالية بامتياز. تُواجه النساء تحديات تتعلق بالتصورات السائدة حولهن، حيث يُنظر إليهن على أنهن أقل كفاءة أو أن وجودهن في المناصب القيادية يُعامل كديكور لإكمال العدد بدلاً من استحقاق حقيقي. كما أن النساء غالبًا ما يُوظفن في أدوار تقليدية أو مكتبية دون توفير فرص للتدرج المهني أو اكتساب الخبرات، مما يؤدي إلى ضعف استعدادهن لتولي مراكز صنع القرار مقارنة بالرجال الذين يتدرجون وظيفيًا بشكل طبيعي. إلى جانب ذلك، فإن السياسة المؤسسية لا تُراعي مسؤوليات النساء العائلية أو التحديات الاجتماعية الأخرى، مما يزيد من الضغط عليهن عند تحقيق تقدم وظيفي.
فيما تشير نجاح عقلان، مديرة إدارة تنمية المرأة بمحافظة تعز، إلى أن النساء يواجهن تحديات كبيرة بسبب التحيزات الاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع، حيث يُنظر إليهن على أنهن أقل قدرة على القيادة واتخاذ القرارات مقارنة بالرجال.
وتضيف: “هذا التمييز الجندري في بيئات العمل السياسية والإدارية يعوق حصولهن على فرص متساوية، ويظهر ذلك في تقليص تمثيلهن وتقليل قدراتهن القيادية. كما أن الشبكات الاجتماعية والسياسية التي تدعم النجاح في المناصب القيادية غالبًا ما تكون مهيمنة من قبل الرجال، مما يصعب على النساء الوصول إلى نفس الفرص والموارد. إضافة إلى ذلك، فإن المسؤوليات العائلية مثل تربية الأطفال ورعاية الأسرة تمثل عائقًا إضافيًا للنساء، حيث يُتوقع منهن التوفيق بين حياتهن الشخصية والمهنية بشكل يفوق ما يُطلب من الرجال”.
من جانبها ترى الدكتورة شفيقة سعيد رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة في اليمن، أن هناك عدة تحديات على المستوى المؤسسي والثقافي ، يعاني الجميع من ضعف في بناء القدرات المؤسسية، وهو تحدٍ شامل يعوق تطوير الأداء الفعّال داخل المؤسسات. أما على المستوى الثقافي، فلا تزال بعض العادات والتقاليد الذكورية تضعف من فرص النساء في القيادة، كما أن الخلط بين الموروث الثقافي التقليدي وتعاليم الإسلام الصحيحة يزيد من تعقيد الموقف، إلى جانب عزوف النساء عن الانخراط في العمل الحزبي، مما يؤثر بشكل كبير على مشاركتهن السياسية، خصوصاً في ظل المحاصصات الحزبية التي تحدد المناصب.
حلول!
تعاملت الدكتورة افتهان مع التحديات التي واجهتها بإصرار وعزيمة بحسب قولها، حيث بدأت بالعمل على إصلاح النظام المؤسسي من خلال تنظيم الهيكل الوظيفي والإداري، وإدخال نظام محاسبي بشكل منظم، ساعدها على تحسين الأداء والتغلب على العديد من التحديات المؤسسية، على المستوى الشخصي، كان الانتقال من بيئة عمل هادئة إلى بيئة مليئة بالتحديات الكبرى يشكل تحديًا بالنسبة لها، ولكنها تمكّنت من التغلب عليه بفضل الخبرات التي اكتسبتها في السنوات السابقة، حيث استخدمت هذه الخبرات لتنظيم العمل، وترتيب الأمور، ومواجهة الصعوبات الميدانية بصلابة وحكمة، مع الحفاظ على الهدوء والإصرار في مواجهة مختلف التحديات، كما تقول.
وتضيف المشهري،”من المهم أن يعي المجتمع والقيادات العليا أن دور المرأة لا يقل عن دور الرجل في الأعمال الإدارية والخدمية والمهنية. المرأة أثبتت جدارتها خلال سنوات من الصمود والتحدي، خاصة في فترات الحرب، حيث تولت مسؤوليات كبيرة في إدارة البيوت والشؤون الاجتماعية. لذلك، يجب أن تُتاح للمرأة فرص حقيقية لتولي المناصب القيادية، وتهيئة البيئة المناسبة لعملها في مراكز صنع القرار”.
من جانبها، تدعو نجاح عقلان إلى تعزيز التشريعات القانونية التي تضمن تكافؤ الفرص بين الجنسين في التوظيف والترقية، وتوفير حماية قانونية ضد التمييز والتحرش. كما تدعو إلى تطبيق نظام الحصص للنساء في المناصب القيادية، وإنشاء برامج تدريبية تهدف إلى تمكين النساء من اكتساب المهارات القيادية والإدارية، بما في ذلك المهارات السياسية والاستراتيجية. وتدعو أيضًا إلى إنشاء شبكات نسائية لدعم القيادات النسائية على المستويات المحلية والمركزية، مما يعزز مكانتهن السياسية ويزيد من فرصهن.
الدكتورة شفيقة سعيد، رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة، تؤكد على أهمية تعزيز البناء المؤسسي، وتنمية القدرات للنساء وتنظيم حملات مناصرة تهدف إلى نشر الوعي في المجتمع حول أهمية وجود النساء في مواقع صنع القرار لدعم التعافي، إعادة الإعمار، وصناعة السلام والتنمية. كما تشدد على ضرورة تشكيل شبكات ضغط عبر الإعلام والمنظمات المجتمعية لدعم تمثيل النساء في السلطة.
وأضافت: نحن اللجنة الوطنية للمرأة نسعى جاهدين من خلال الاتصالات الرسمية مع القيادة السياسية؛ لأجل مشاركة النساء في مواقع صنع القرار، وتسعى اللجنة في خطتها الاستراتيجية إلى بناء القدرات المؤسسية وتمكين النساء سياسيا ونشر الوعي بأهمية ذلك”.
فيما يقول محمد الكثيري: “للتغلب على هذه التحديات، لا بد من اعتماد نهج تدريجي لتأهيل النساء في بيئات العمل، حيث يتم إشراكهن في أدوار قيادية عبر التدرج الوظيفي واكتساب الخبرات اللازمة، ويُقترح تنظيم برامج تدريبية ميدانية تستهدف بناء القدرات القيادية من القاعدة إلى القمة، مما يُتيح لهن فرص التعلم العملي. كما يُوصى بتفعيل النهج التشاركي في القيادة، من خلال إشراك النساء في مجالس محلية ولجان اتخاذ القرار في المستويات المحلية، لضمان اكتسابهن خبرات استراتيجية وميدانية تعزز كفاءتهن وجدارتهم بالقيادة”.