article comment count is: 0

صناعة الذات قبل صناعة القرار!

منذ أواخر القرن العشرين، والوعي يتنامى بصورة كبيرة حول التمكين والمساوة والديمقراطية. الكثير من البلدان العربية ومنها اليمن صدّقت على صكوك دولية معنية بضمان حقوق الإنسان، سيما النساء، وأدرجتها في دساتيرها التشريعية.

بيد أن تمثيل المرأة ومشاركتها الفاعلة في السلطات الثلاث المتمثلة في السلطات (التنفيذية، القضائية، والتشريعية)، وصناعة القرار مازال مخيباً للآمال في اليمن، هناك نقطة خفية لا تتعلق بالتشريعات أو القوانين وإنما في طبيعة المرأة وذاتها.

نغفل عن نقطة هامة، نحو التمكين، محرك السيارة لن يعمل إلا إذا تعبأ بالوقود ليتحرك، والشجرة العملاقة لا تدرك أن أساسها بذرة صغيرة، وكذلك النساء لن يستطعن الحصول على مراكز قيادية في صناعة القرار إلا إذا أدركن أن إحداث التغيير ينبع من الداخل، الإيمان بالقدرات والإمكانيات وتعزيزها بالتعليم والتدريب هو أول سلم الصعود.

العائق نحو إمكانية وصولها إلى المراكز القيادية يكمن داخلها وفي طبيعة تفكيرها، وهو ما يجعل مشاركتها مثلاً في الحياة السياسية أكثر تداخلاً وتشعباً قد يصل إلى حد التعقيد، عند الوقوف جليُا في مضمون الفكرة نجد أن المرأة اليمنية تفقد ثقتها في نفسها وفي وعيها السياسي، يظهر ذلك من خلال تدني مستوى طموحها للحصول على مركز قيادي رفيع، فالخوف وعدم الثقة في كيفية التعامل مع قضية المشاركة السياسية كقضية مجتمع بل تنظر إليها من منظور خاص بالرجال وشأن يخصهم، يجعلها تتوارى بنفسها في مجالات أخرى.

على سبيل المثال في الانتخابات العامة تمنح المرأة صوتها للرجل لتمثيلها في الوقت الذي تكون مثيلتها الأنثى منتظرة لدعمها، ربما يعود القرار إلى شيء يكمن داخلها، في أن الرجل أفضل وأكثر جدية في اتخاذ وصناعة القرار.

التنشئة الأولى بالإضافة إلى تنميط الأدوار في اليمن خلق في ذات النساء فقدان للاستراتيجية الصحيحة لتحويل قضاياهن إلى قضايا تهم المجتمع، يوكلن دون وعي الرجل، ومن فوق الطاولة يناشدن إمكانية وكيفية تمكينهن للحصول على مناصب قيادية في صناعة القرار، لأنها لا تعي مدى أهمية مشاركتها في قرارات مصيرية.

تجهل النساء كذلك حاجتها إلى التعليم، التدريب، والتمكين في مجالات عدة ليس في السياسة فقط وإنما في الاقتصاد، القضاء، الهوة التي خلقتها التنشئة المجتمعية تتوسع يوماً بعد يوم، بالإضافة إلى الجهل بالتشريعات التي تتعلق بالحقوق والواجبات، يقابلها جانب ضئيل من النساء من يعملن على تأهيل أنفسهن وتقديمها كنماذج ناجحة لدى المجتمع.

المرأة بحاجة إلى دورات تثقيفية وتدريبية لتطوير المؤهلات الشخصية والتقنية، التنموية، وتنمية قدرات التواصل بين النساء أنفسهن، وماتزال مشاركتها في مواقع صنع القرار محدودة وهو ما يظهر جلياً في أعضاء الحكومة والوزارات الثلاث، أيضاً في عدد العضوات في الأحزاب اليمنية.

يجب على المرأة أن تدرك أن العمل السياسي هو في ذاته فن، فن التعاطي مع الغير، حسن الأداء الوظيفي والإداري، تحقيق الأهداف، وكما أن كل فن يستدعي مؤهلات شخصية فإن صناعة القرار في الجانب السياسي يتطلب مهارات قيادية أهمها الثقة بالنفس، القدرة على الإقناع وتوصيل الأفكار، سهولة التعبير والتواصل، كل هذا بالتأكيد يأتي مكملاً للقدرة على تأدية الدور الوظيفي بكل نجاح، أضف إلى ذلك الإحاطة الناظمة بالمؤسسة وحسن الإدارة والتخطيط.

الوقوف جليُا أمام الذات، واستشعار قيمة المرء لذاته ولقدراته، والإيمان الجازم بمدى القدرة على إحداث تغيير داخلي، هو ما يجب على المرأة الالتفات إليه، إذا أدركت ذلك تمكنت من تغذية عقلها الباطن وبالتالي إحداث تغيير على المستوى الشخصي، الحصول على تعليم مرموق، وبناء القدرات والمهارات الشخصية المختلفة هو المحرك لوصولها إلى مراكز صنع القرار.

الحاجة الملحة لدور النساء في صناعة القرار وفي إدارة موارد الدولة، يترافق مع ما تمر به البلاد من وضع سياسي وانقسام اقتصادي، أضف إلى ذلك الدور الإيجابي الذي سطرته النساء الفاعلات خلال السنوات الأخيرة الماضية، وكيف أشعلن فتيل السلام وتقريب وجهات النظر وكنّ مثالاً يحتذى به للحفاظ على موارد الدولة وأكثر حرصاً على تحمل الأمانة.

البلد بحاجة إلى نماذج كثيرة، وليس نسبة ضئيلة، هذه النسبة لن تنمو وترتفع إلا إذا أدركت المرأة قيمتها ومدى أهميتها في إحداث التغيير الذي ترجوه وتنتظره الأجيال القادمة.

 

اترك تعليقاً