الكوتا النسائية صناعة القرار السياسات العامة الحوار الوطني
article comment count is: 0

الكوتا في اليمن.. أين تكمن المشكلة؟

إلى ما قبل عام 2000، لم يكن “الكوتا” كمصطلح ومطلب محل تداول في الأوساط اليمنية، بشقيها التشريعي والتنفيذي، بعدها، وبشكل محدود بدأت مطالب من ناشطين وناشطات تسلط الضوء على الموضوع باعتباره حقاً لا بد منه، ووصل هذا حده الأقصى بعد عام 2011، حيث ارتفعت الأصوات النسائية المطالبة بمشاركة المرأة في الحياة السياسية ومراكز صنع القرار، ليتبلور ذلك في مؤتمر الحوار الوطني الذي خصص نسبة مشاركة للمرأة وصلت إلى نحو 30% لأول مرة في تاريخ اليمن، وهو المؤتمر الذي جرى فيه التوافق على تخصيص ما لا يقل عن 30% من مقاعد التمثيل للنساء في مختلف هيئات الدولة.

توجه رآه البعض بأنه يعوض عقوداً من التهميش، ويمكن اليمنيات من المشاركة الفعلية في رسم السياسات العامة وصناعة القرار، وهو الذي بقي -حتى اليوم– مجرد حبر على ورق، سواء في مخرجات الحوار الوطني أو مسودة الدستور الذي لم يرَ النور، واصطدمت لاحقاً بتعقيدات المشهد السياسي، وحالة الانقسام التي تشهدها البلاد منذ عام 2014.

وسط هذا المشهد، لا تزال الكوتا تراوح مكانها بين النصوص والتوصيات، ومعها تتعمق تحديات النساء السياسية والاجتماعية، ولا يخفي ذلك مخاوف من إعادة إحياء نقاش ما زالت تحدياته متجذرة ومتفاقمة، ويصطدم بغياب الاستقرار وإعادة إنتاج نفس الإقصاء للنساء، ولكن بأشكال مختلفة، وهو مفتاح سؤال تاه كثيرون في البحث عن إجابته: أين تكمن مشكلة الكوتا في اليمن؟

منظومة متجذرة

يغلب الطابع القبلي على التركيبة الاجتماعية اليمنية، وهو الذي يتخذ من العادات والتقاليد مساراً نافذًا غير قابل للنقاش في كثير من الحالات، خصوصاً تلك المتعلقة بالمرأة.

ترى زهراء باعلوي، ناشطة يمنية في مجال الحقوق والحريات، أن هذه العادات أفرزت صورة نمطية حيال المرأة، وحكمت بشكل قطعي بأن السياسة والعمل العام يخص الرجل كونه يملك قدرة التنقل إلى المجالس والأسواق، ويمثل القبيلة أمام الآخرين، بينما ظل دور المرأة محصوراً داخل البيت والأسرة، هذه الفكرة ترسخت عبر أجيال حتى صارت كأنها حقيقة مقدسة، وليست مجرد عرف اجتماعي قابل للتغيير.

وهو بنظر باعلوي ما جعل البعض ينظر للكوتا وكأنها هدية تمنح للنساء وليست حقاً يهدف لتصحيح اختلال طويل، حسب وصفها، وتضيف: “الموانع أعمق في الريف، المحكوم بسطوة العادات المفرطة، وضعف التعليم، مع وجود تقبل نسبي في المدن الرئيسية، ولكنه محدود”.

تلقي باعلوي اللوم على الحكومة باعتبارها معنية بتطبيق الكوتا، وتدعو الإعلام والمنظمات للعب دور محوري في إبراز قصص حقيقية لنساء يمنيات أثبتن قدرتهن في العمل النقابي والسياسي والاجتماعي، وتغطية مبادرات على مستوى القرى والمدن، تظهر أثر مشاركة النساء فعلياً، بما يبرز المرأة كجزء من نهضة المجتمع.

والكوتا بالنسبة لـ باعلوي ليست منحة مؤقتة للنساء، بل خطوة تصحيح لمسار طويل من التهميش، وأداة لإعطاء نصف المجتمع فرصة واقعية ليكون شريكاً حقيقياً في صنع القرار، وهذا الأمر لا يخدم المرأة فقط، بل يخدم استقرار وتطور اليمن كله.

فخ التطورات

أقرت مسودة الدستور الجديد، عام 2015، على عكس سابقه، بالمرأة كمواطنة متساوية وشخصية مستقلة. يشمل ذلك منحها 30% في مناصب صنع القرار، لتصبح اليمن ثانية بعد تونس كأكبر دولة عربية من حيث التمثيل القانوني للمرأة في مناصب السلطة.

انتصارات نسوية تعززت بتعيين أربع نساء في مجلس الوزراء عام 2014، ومشاركة أربع أخريات في لجنة صياغة الدستور الجديد، وهو ما لم يحدث في اليمن من قبل.

الحالة المبهجة، والانتصارات المتتالية، وقعت في فخ تطورات سياسية أدت إلى انفجار الوضع عسكرياً، وهو ما حال دون استكمال المسار نحو تعزيز حضور المرأة، وبدت أولويات فرضتها المستجدات الإنسانية والمعيشية التي ترتب عليها إقصاء للمرأة تحت مبرر أنه ليس وقت النقاش الآن، كما أن عرقلة العمل بمخرجات الحوار الوطني، وعدم إصدار قوانين ملزمة، وتوقف مناقشة إقرار الدستور الجديد، وضعف الإرادة السياسية التي واجهت رفضاً من قوى سياسية وقبلية ودينية للكوتا باعتبارها دخيلة على المجتمع، أسباب تعتبرها المحامية أمل الصبري حالت دون الاستمرار فيما تم البدء به نحو إقرار نظام الكوتا في اليمن.

وتعتبر الصبري الدور الضعيف للأحزاب السياسية في التعامل مع نسبة الكوتا وعدم اعتبارها قاعدة إلزامية في ممارساتها الداخلية، سبب آخر لعدم صنع توجه يصنع القابلية المجتمعية، ويشجع المعنيين لتمكين النساء من منطلق مخرجات الحوار الوطني.

مستقبل بلا معالم

تثير المرحلة الراهنة، بعد نحو عشر سنوات من الصراع، حالة من الضبابية لدى المرأة اليمنية عن الدور الذي ستلعبه، فالتهميش الذي طالها بعدم تعيينها في أي من المناصب العليا في الدولة، وأدوارها المحدودة في وفود المفاوضات، أثار مخاوف نسائية من التوجه الذي بدا قاسياً على المرأة التي تجشمت عناء الحرب وما ترتب عليها منذ اليوم الأول لاندلاعها، وفتح الباب أمام مستقبل بلا معالم بالنسبة للمرأة في اليمن.

باتت المرأة اليمنية اليوم ذات تجربة ثرية، في الريف والمدينة، شاركت في مبادرات اجتماعية غطت فجوة غياب الدولة أثناء الحرب، ووأدت العديد من بؤر الصراع المجتمعية التي كانت على وشك الانفجار، وقادت وساطات في عدد من القضايا، وتحملت المسؤولية في ظل غياب الرجل، كل هذه العوامل خلقت قبولاً نسبياً للمرأة عند المجتمع، وفقاً لما تراه الصحفية والناشطة السياسية رشا كافي.

ترى كافي أن الحضور النسائي يختلف بحسب نطاق سيطرة أطراف الصراع، ويعلو الصوت النسائي في مناطق سيطرة الحكومة، حيث تستمر المطالبات النسائية بالتمكين والحصول على حقوقهن، وإن لم تكن بيئة مثالية، إلا إنها لا تقارن بمناطق سيطرة جماعة الحوثي التي غيبت أدوار المرأة كليًا.

وتشعر كافي بالأسف تجاه التوافق غير المعلن بعدم تمكين المرأة اليمنية، تحت مبرر الحرب، وهو ما يدفع لعدم طرح الكوتا للنقاش من جديد، داعية إلى الضغط على الأحزاب السياسية لممارسة ذلك في منظومتها الداخلية، والدفع بالمرأة في المناصب القيادية، والعمل على تحالف نسائي فعّال وجامع بعيداً عن بقية المكونات، لتكون المرأة شريكة حقيقية لا مجرد ضيفة شرف.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً