المرأة الحياة السياسية التحديات صناع القرار
article comment count is: 0

المرأة اليمنية وصناع القرار.. بين التهميش وفرص التمكين!

في اليمن، تبقى مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية رهينة واقع مليء بالتحديات، حيث تتحرك النساء بين طموحات التغيير ومخاطر الاستهداف المباشر. ورغم تسجيل مبادرات مهمة خلال العقد الماضي، لا يزال الجدل قائمًا حول ما إذا كان تمكين المرأة يتحقق فعليًا على الأرض أم أنه مجرد واجهة شكلية لترضية المجتمع الدولي!.

منذ اندلاع النزاع المسلح، تراجعت البيئة الآمنة للنساء العاملات في الشأن العام. كثير من الناشطات يواجهن مضايقات وتهديدات متواصلة، وبعضهن تعرضن لعمليات اغتيال أو محاولات استهداف مباشرة. هذه المخاطر لم تقتصر على مناطق النزاع المباشر فقط، بل امتدت إلى مدن كانت تُعتبر أكثر استقرارًا نسبيًا مثل عدن وتعز. النتيجة هي حالة من الانسحاب القسري لعدد من القيادات النسوية من المجال العام، ما يضعف حضورهن ويجعل جهود التمكين هشة.

ما تشهده مدينة تعز حالياً “اغتيال الشهيدة افتهان المشهري” هو خير دليل على هشاشة البيئة التي تعمل فيها النساء. فقد لعبت البُنى التقليدية والذهنية الذكورية دورًا بارزًا في إقصاء النساء من مواقع صنع القرار. فالقرارات السياسية في مختلف المراحل غالبًا ما استبعدت النساء أو خصصت لهن تمثيلًا شكليًا لا يتجاوز رمزية الحضور. كما استخدمت بعض القيادات الدينية والقبلية خطابًا يبرر الحد من مشاركة المرأة، بالاتكاء على أعراف اجتماعية متجذرة. ونتيجة لذلك، بقيت النساء بعيدات عن مواقع التأثير، رغم أنهن يشكّلن نصف المجتمع وكنّ من أبرز المتضررين من النزاع والحرب.

لا يمكن تجاهل بعض المكاسب المحققة، ففي مؤتمر الحوار الوطني عام 2013، تم تخصيص 30% من المقاعد للنساء بضغط محلي ودولي، وهو حدث شكّل سابقة في تاريخ اليمن. كما شهدت بعض المحافظات تعيين نساء في مواقع قيادية داخل السلطة المحلية. لكن هذه الخطوات بقيت محدودة وغير مؤسسية، وغالبًا ما اصطدمت بعقبات اجتماعية وسياسية حالت دون تحويلها إلى تغيير مستدام. كثير من الناشطات يؤكدن أن “التمثيل الرمزي دون آليات حماية أو صلاحيات حقيقية لا يُغيّر من واقع التهميش شيئًا”. فالتجارب الميدانية أثبتت أن النساء قادرات على لعب أدوار قيادية مؤثرة متى توفرت لهن بيئة آمنة وآليات دعم واضحة.

لا يزال الطريق أمام إشراك المرأة طويلًا، فالحرب المستمرة زادت من تعقيد المشهد وأعادت إنتاج أنماط تقليدية تستبعد النساء. لكن في المقابل، هناك فرص يمكن استثمارها، الضغوط الدولية المرتبطة بقرارات مجلس الأمن (مثل القرار 1325) تدفع نحو تعزيز دور المرأة في السلم والأمن، المبادرات المحلية  من قبل منظمات المجتمع المدني، بعض القيادات السياسية الشابة من الرجال الذين أبدوا انفتاحًا أكبر على مشاركة النساء، ما يشير إلى إمكانية تغيير تدريجي في الذهنية السائدة.

إن إشراك المرأة في اليمن لن يتحقق بجهود النساء وحدهن، بل يحتاج إلى إرادة حقيقية من صنّاع القرار الرجال باعتبارهم من يحتكرون مفاصل السلطة، وإشراك الرجال الحلفاء في جهود المناصرة لتعزيز مشاركة النساء.

على القيادات السياسية والحزبية إدماج النساء في مواقع صنع القرار بما يتجاوز التمثيل الرمزي، وان تُصبح الحصص والقرارات السياسية محمية بقوانين، مدعومة ببناء قدرات وتمويل وحماية فعلية، وعليه لابد من رزمة متكاملة (حماية، تمكين، تمثيل قابل للتنفيذ، مساءلة)، وإلا فستستمر معاناة النساء في ميادين صنع القرار، وقد تصل التكلفة إلى أرواح ودماء لا تُعوَّض.

أستاذ مساعد الصحة النفسيةـ رئيس قسم علم النفس ـ كلية الآداب ـ جامعة تعز

اترك تعليقاً