ألقت مقاتلات التحالف العربي القنبلة على لواء الصواريخ في جبل عطان المحاط من كل الاتجاهات بمئات الوحدات السكنية، وكانت النتيجة أن ضحايا أطفال سقطوا في هذه الحادثة، أو لنقل الجريمة التي خلفت 398 جريحا و90 قتيلا، لا زال مشهد اثنين منهما عالقا في ذاكرتي كوصية.. كانا طفلين خرجا لاستقبال يوم جديد من اللعب، فاستقبلهما الموت بشظايا لم تبق من أجسادهما سوى أعضاء متفرقة وسط ركام المنازل المشتعلة، وإلى جوارهم 30 طفلا في المنازل وعلى الشوارع المصبوغة بدماء الجثث وكل ما من شأنه أن يحيل الحي ،ذلك الأنيق بمبانيه، إلى حالة فزع ومأتم ليس بمقدور مرور الزمن أن يمحو من ذاكرة أهاليه الناجين قتيلا رحل عنهم، أو مصابا يحمل شارة اليوم ذلك المشؤوم.
في الغرب وبالتحديد قرية سنبان بمحافظة ذمار، كان الأهالي يشاركون أحد الشباب فرحة زفافه، ولم يكن بحسبانهم أن موتا يتربص بهم في الأعلى، هناك حيث الطائرات المزودة بإحداثيات بنك الأهداف ولا تعرف غير تنفيذ المهام الموكلة إليها. ضغط الطيار بمكبس الصاروخ فأحكم إصابة حفل الزفاف وكان كفيلا بأن يهدم المكان ويقتل 30 شخصا بينهم 13 طفلا ذنبهم الوحيد أنهم يحاولون اقتطاع مساحة من الفرحة وسط عاصفة الأزمات المتعاقبة منذ 6 أعوام.
مضت الأيام ولا شيء يوقف هذه العنتريات العسكرية التي تصنع مجدها على أشلاء الجثث المتفحة شمالا وجنوبا، أو يخفف ولو قليلا من شدة بأسها حتى على الأطفال الذين لا يعلمون عن شأن هذه الحرب، ولطالما كانوا يلوحون للطائرات المحلقة في سماء قراهم فيودعونها رسائل العودة لآبائهم المغتربين خارج البلد، في أنقى مشاهد البراءة السائدة في المناطق النائية التي لم تصلها وسائل التواصل الحديث. ولكن اليوم لم تعد الطائرات منفذا افتراضيا للتواصل بالنسبة لهؤلاء الأنقياء الذين ما إن يسمعون أصواتها حتى يلوذون بالفرار خشية الموت.
الحديث هنا عن القتلى الأطفال لا يعني تجاهل الضحايا الآخرين من كل الفئات العمرية وأجناسها، ولسنا أيضا في معرض الحديث عن دوافعها التي ستقودنا إلى أن كل الأطراف شريكة في مجيئها؛ لكن المشكلة في أن يتحمل طرف بمفرده تكلفة الحرب وينجو الآخر (التحالف العربي بقيادة السعودية) من قائمة الأمم المتحدة السوداء لقتل أطفال اليمن، لأن طفرته النفطية تملك من المال والنفوذ ما يمنحها النجاة.
اليونيسف أعلنت في وقت سابق عن ارتفاع عدد ضحايا التحالف من الاطفال في اليمن إلى 398 قتيلاً و600 مصابا.. وفي ذلك الرقم من الأسباب التي تدفع الأمم المتحدة لإدراج التحالف من ضمن أعتم قائمة الجرم على أطفال لا حيلة أمامهم سوى العدالة الدولية التي من المحتل أن تستعيد بعض حقوقهم الطبيعية، ولو أن ما حدث لا يمكنه الانتصاف لهم بما يعادل 14 شهرا من الموت والرعب.
اليمن تقدر كثيرا هذا الصراع مع التحالف على خلفية (القائمة) وانعكاساته المستقبلية إزاء التهديدات المالية السعودية التي تمثل أهم مصادر تمويل الأمم المتحدة، غير أن سمعة هذه المنظمة وتاريخها مرهون بتغلب العدالة على طفرة النفط، وللعالم أن يعرف أن أطفالا أبرياء انتزعتهم الحروب السياسية والعسكرية، من غمرة اللعب لتقذفهم هنا بين الصواريخ والقذائف وكل ما لا يتعلق ببساطة أحلامهم.
* مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر أصحابها، ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي “منصتي 30”.