مع كل حديث عن المرأة واليوم العالمي للمرأة، الذي يوافق 8 مارس من كل عام، لا تدخّر وسائل الإعلام المختلفة جهداً في تخصيص المساحات الواسعة من حيز برامجها وصفحاتها وأثير بثها، للحديث عن المرأة وحقوقها، وأهمّية تمكين المرأة من المشاركة في مختلف المجالات، والتجييش للتعاطف والتضامن مع قضايا وحقوق المرأة، وبما من شأنه تكريس وتعزيز ثقافة المساواة بين الجنسين.
اللافت أنّ معظم وسائل الإعلام -وهى تناضل من أجل تعزيز مفاهيم الوعي بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين- لا تخلو في ذات الوقت من ممارسة تمييز ضد المرأة، سواءً لجهة استخدام مصطلحات وقوالب نمطية وعبارات تقليدية ضارّة بالمرأة، أو استخدام عبارات وأسماء وصفات وضمائر (بتقسيماتها اللغوية العربية) يغلب عليها طابع الذكورية وما يمكن تسميته تحيزاً جنسانياً حسب توصيف الأمم المتحدة.
إنّ إلقاء نظرة سريعة على تناولات إعلامية لموضوع تقع في صلبه المرأة، وخاصّة حينما يتعلّق الموضوع بواحدة من جرائم العنف الأسري، كفيلُ بتبيان حجم الظّلم الذي يقع على رأس المرأة الضحية من بعض العاملات والعاملين في حقل الإعلام.
النبش في سيرة المرأة بدلاً من الجريمة
لأسباب عديدة يجد هؤلاء صعوبة في الالتزام بأخلاقيات ومبادئ المهنة، عند ممارسة مهامهم على ارض الواقع، لتبقى القوالب النمطية الجاهزة، والسباق على عناوين الإثارة، إمّا بالنبش في سيرة المرأة الضحية، وحياتها الشخصية، وجسدها، وعلاقاتها العاطفية، أو باستخدام مصطلحات الإثارة، على شاكلة ” ومن الحُبّ ما قتل/ جرائم الشّغف”، أقرب الطّرق وأقلّها كُلفة ومشقّة، لإنجاز التقارير الاعلامية، بما فيها من إيحاءات وأحكام ذاتية مباشرة، يقول نشطاء ومنظمات مدنية نسوية إنّها “مبنية على مفاهيم اجتماعية خاطئة، تسيء في الحد الأدنى في توصيف الجُرم، وتجعله أقرب إلى فعلٍ رومانسي”.
وحسب مضامين دليل الصحافة حول العنف الأسرى ضدّ النساء وسبل تغطية المواضيع ذات الصلة”، فإنّ مثل هذه العناوين في قضايا العنف الأسري وقضايا الزنا والخيانة -على سبيل المثال- “تُخفّف بشكلٍ مبطّن اللوم على الجاني لتضع قسطاً منه على الضحية”.
صور نمطية خاطئة للمرأة الضحية
بل إنّ مثل هذه التناولات الاعلامية لجرائم العنف الأسري لا تكتفى بإضاعة جوهر الموضوع، ولفت الأنظار لسلوك المرأة بدلاً من الجريمة نفسها، بل إنها تعود لربط الجريمة بالحب والشغف والشرف، لتنتهك بذلك حقوق المرأة مرّاتٍ ومرّات في حلقة متوالية، يتوجّب على المشتغلات/ين في حقل الاعلام كسرها مع كلّ الصور الخاطئة والنمطية والأساطير الاجتماعية المرافقة لها.
في مسألة الصورة المرفقة لأخبار وتناولات قضايا العنف الأسري والمرأة، يلاحظ الدليل الذي أعدّته منظمة “كفى عنف واستغلال” عام 2016م في لبنان، بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، أنّ وسائل الإعلام غالباً ما تلجأ إلى “إظهار ذات الصور المتكرّرة عالمياً ومحلياً للمرأة المضروبة، أو المدمّمة، أو المختبئة في زاوية، أو المكبّلة”.
مشيراً في هذه الحالة إلى إمكانية استخدام بديل آخر “إبراز تفصيل مؤثّر أو رمزي أو تمثيلي غير نمطي”، ومحاولة التنويع في التصويرات الدّالة على العنف الأسري، وعدم حصرها فقط بالعنف الجسدي أو العنف الظاهر.
تغذية ثقافة لوم الضحية
تستخدم وسائل إعلام مصطلحات على شاكلة “المرأة التي تسكت عن العنف تهوى تعذيب نفسها، وتتحمل مسئولية ما يحصل لها” كواحد من المفاهيم الاجتماعية السائدة والمغلوطة حول العنف الأسري، يقول معدّو الدليل الصحافي، إنّ مثل هذه الأفكار “إنما تغذي ثقافة لوم الضحية ولا تساعد في تطوير التعاطف والتضامن المجتمعين المطلوبين مع ضحايا العنف الأسري”.
ويرى هؤلاء إنّ العنف يتحمل مسئوليته المعنّف “فمن الواضح أنه لم يلجأ إلى الوسائل الحوارية والتواصلية والقانونية لحل مشكلته، ولم يحترم حقّ المرأة في العيش بأمان وكرامة”.
ومقابل المفهوم الخاطئ القائل بإنّ “حوادث العنف تقع فقط في مناطق معينة، وفي مجتمعات وأسر فقيرة أو ذات مستوى تعليمي”، يردّ الدليل “إنّ العنف ضد المرأة عابر للمجتمعات والفروقات الاقتصادية والاجتماعية والدينية”.
تضليل للواقع وتبسيط للمشكلة
مشيراً إلى أنّ تداول فكرة “إنّ المعنِّفين أشخاص مرضى” فيه تضليل وتبسيط وإبعاد للأنظار عن المشكلة البنيوية الأساسية المجسدة بالذكورية، موضحاً إن العنف الممارس على النساء متجذّر في التمييز المبني على النوع الاجتماعي، وتمتع الرجال بمراكز السلطة داخل الأسرة والمجتمع، واستمرار السيطرة المباشرة وغير المباشرة على الإناث بحجة الحفاظ على قيم وتقاليد ونظريات مهيمنة.
واستعرض الدليل نماذج لمصطلحات شائعة تستخدم في قضايا العنف الأسري في المواد الإعلامية، مقترحاً مقابلها بدائل محتملة، قال إنّها تنسجم مع مبادئ حقوق المرأة وتعزّز من فرص المساواة والجهود المبذولة لمكافحة الصور النمطية والأحكام السلبية ، كما في الجدول التالي:
وفي إطار مشروعها المعنون بـ “دعم المساواة بين الجنسين في سياقات متعددة اللغات”، أعدّت الأمم المتحدة مجموعة مبادئ توجيهية، قالت إنّها لا تنطوي على تمييز ضد جنس، أو نوع اجتماعي معين، أو هوية جنسانية معينة، ولا تُكرّس القوالب النمطية الجنسانية.
أوصت الأمم المتحدة بتجنب استخدام عبارات ومصطلحات -دأبت معظم وسائل الإعلام على استخدامها- تتضمن تمييزاً ضد المرأة، وتنطوي على تحيز جنساني، وتعزّز بالتالي القوالب النمطية التمييزية ضد المرأة.
واستعرضت عينات من تلك المصطلحات، مثل عبارة “الجنس اللطيف”، والذي يستخدم في وسائل الإعلام للإشارة إلى النساء، وقول بعض الصحف عند وصف المرأة “إنها تتحلى بشجاعة الرجال”، وعبارة “امرأة بألف رجل”، بالإضافة إلى مصطلح “عانس” للإشارة إلى غير المتزوجة.
وجوب تأنيث ألقاب المناصب
وتعتبر وثيقة “دعم المساواة بين الجنسين في سياقات اللغة“، استخدام الجمع بين المذكّر والمؤنّث، مع تقديم المؤنّث حلاً عادلاً كالقول “لدى العاملات والعاملين في الصحيفة فرص متساوية”.
مشدّدة على وجوب تأنيث ألقاب المناصب والأعمال كـ( رئيسة، وزيرة، أمينة عامة، قاضية، وفقاً لقرار مجمع القاهرة الصادر عام 1978م، القاضي بعدم جواز وصف المرأة دون علامة التأنيث في الألقاب والمناصب والأعمال، خلافاً لما هو شائع في الوسط الإعلامي.
حذف الضمائر واستخدام أسماء محايدة
فيما له علاقة باستخدام اللغة توصى الوثيقة الأممية، بحذف الضمائر غير الضرورية، واستخدام جمع التكسير، كاستخدام عبارة “صُنّاع القرار” بدلاً من ” صانعو القرار”، بالإضافة إلى استخدام أسماء صالحة لكل الاستعمالات، قالت إنها تغني عن ذكر نوع الجنس، مثل “جهة مانحة” بدلاً عن “مانح”، وطرف/ مشتر/ جهة مشترية، عوضا عن “مشتر”.
وحسب وثيقة الأمم المتحدة، فإنّه يُفضل لتحقيق مساواة بين الجنسين في سياق اللغة ووسائل التواصل الداخلي أو الجماهيري، استخدام أسماء محايدة جنسياً، وتعنى بها أسماء جامعة أو مجردة أو مصدرية، تدل على الوظيفة أو المنصب أو المفهوم، ولا تعبّر عن نوع الجنس عوضاً عن الأشخاص، كما هو مبيّن في الجدول التالي:
لٱ تعليق
❤❤❤❤
بالحقيقة أولا أود ان اتقدم بالشكر لهذا الصحفة ولهذه المساحة التي تمنحنا جزء من الراحة والتعبير عن قضايا المجتمع لاسيما قضايا الشباب والمرأة والطفل
ثانيا ان قضية المرأة تعد قضية إنسانية وقانونية في مجمل تفاصيلها
فالمرأة العربية على وجه الخصوص هي أكثر تعنيفاً بكل المجالات حتى بالمسميات
والمصطلحات تعنف المرأة وهذا كله ضمن ثقافة المجتمع القائمة على التميز بين الجنسين فالمجتمع العربي لاسيما اليمني ينظر للمرأة بانها عورة وجريمة ويجب ان تكون أكثر صمتا وتسترا ولا يحق لها المشاركة أو المطالبة بالحرية والحقوق والمساواة
حتى بعض النخب المثقفة والمتعلمة هم أكثر الناس تعنيفاً للنساء بمصطلحاتهم فتجد المثقف والكاتب يقول “المكلف”أو “المره” او البيت بل عندما يريد ان يسخر من صديقه يناديه بهذه المسميات
وهذا كله يعود لثقافة المجتمع السائد القائم على تعنيف المرأة وظلمها واقصائها من كل مجالات الحياة الكريمة.