تمثل النساء 49.62% من إجمالي عدد السكان في اليمن بحسب البنك الدولي ومع ذلك فإن مشاركة النساء في مراكز صنع القرار ما تزال ضئيلة جداً، حيث عمدت السلطات المتعاقبة والأحزاب السياسية على تهميش المرأة وإقصائها من كافة المراكز القيادية ومراكز صنع القرار. ومع انطلاق احتجاجات العام 2011م كان للمرأة حضور قوي في الساحات واستطعن أن يجدن لأنفسهن مكاناً في قيادتها وكسرن حاجز الصورة النمطية عن المرأة اليمنية، وفي مؤتمر الحوار شكلت المرأة ما يقارب 30% من أعضاء المؤتمر وساهمت النساء في صياغة المخرجات التي نصت على إشراك النساء وتمثيلهن في كافة المراكز، لكن هذا الإنجاز لم يصمد كثيراً فكان الاختبار الحقيقي هو تطبيق تلك المخرجات في الواقع من خلال التعيينات في الحكومات أو في مراكز صنع القرار الأخرى.
ومؤخراً ومع إعلان تشكيل الحكومة الجديدة في اليمن وما صاحبها من ردود أفعال بشان عدم تمثيل النساء في الحكومة، أعاد للأذهان الإقصاء والتهميش الذي مورس ضد النساء قبل احتجاجات الحادي عشر من فبراير 2011م. لكن السؤال الذي يتبادر للذهن هل تعتبر حكومة الكفاءات الجديدة أول حكومة يمنية تعمل على إقصاء النساء من الحكومة؟.
ولإيجاد إجابة للسؤال عمل معد التقرير على رصد 14 حكومة منذ قيام الوحدة اليمنية في عام 1990م إلى وقتنا الحاضر وخرج بهذه الحصيلة.
الحكومات اليمنية منذ قيام الوحدة حتى الوقت الحالي
تم رصد وتحليل بيانات 14 حكومة خلال الفترة من 1990م-2020م، ابتداءً من حكومة العطاس والتي تم تشكيلها عقب تحقيق الوحدة بين الجنوب والشمال، وانتهاءً بحكومة الكفاءات بقيادة معين عبدالملك والتي تم تشكيلها في منتصف ديسمبر 2020م.
الشكل التالي يوضح أسماء الحكومات وفترات تعيينها
تهميش مستمر
لم يكن إقصاء النساء في الحقائب الوزارية وليد اللحظة، بل كان متواجداً منذ أول حكومة بعد قيام الوحدة عام 1990م إلى آخر حكومة في 2020م، ومن خلال الـ 14 حكومة التي تم رصدها فقد بلغ عدد الحقائب الوزارية 444 حقيبة وزارية كان نصيب الأسد فيها للرجال بنسبة 95.9% فيما كان عدد الحقائب التي منحت للنساء طول الـ 30 عاما الماضية فقط 18 حقيبة وزارية وبنسبة 4.1% وهي نسبة تظهر بشكل جلي التهميش المستمر للمرأة في الحكومات اليمنية المتعاقبة.
تنص مخرجات الحوار الوطني على تمثيل المرأة بما لا يقل عن 30% في كافة مؤسسات الدولة، لكن ذلك لم يحدث في كل الحكومات التي تلت مؤتمر الحوار.
الحقائب السيادية حكر على الرجال
مثل العام 2001م أول مشاركة للنساء في الحكومة اليمنية، وذلك من خلال منح النساء حقيبة وزارية واحدة في حكومة باجمال الأولى، وعلى الرغم من مشاركة النساء بعد ذلك في بعض الحكومات لكن المرأة لم تحصل على أي حقيبة سيادية، وظلت الحقائب الوزارية السيادية محتكرة فقط على الرجال، فيما منحت النساء بعض الحقائب الوزارية العادية.
وفي تعليقها على تهميش النساء ترى ألفت الدبعي الدكتورة في جامعة تعز وعضو الحوار الوطني، أن “الأحزاب السياسية لم تعِ بعد درس الشراكة الوطنية، وخاصة في مؤتمر الحوار الوطني الذي ساهمت فيه النساء في صياغة أفصل المكتسبات الحقوقية والمدنية لضمان مستقبل لجميع اليمنيين، وهذا يدل على عقلية لا تحترم المرجعيات النظرية التي توقع عليها والعمل على تحويلها إلى واقع ممارس، وهذه إحدى معضلات الأحزاب اليمنية التي ما زالت مرتهنة لصراعاتها أكثر من ذهابها لتأمين مستقبل أكثر عدالة وإنصاف”.
مخالفة مرجعية الحوار الوطني
تضيف الدكتورة ألفت الدبعي أن اللوم يقع على الرئيس ورئيس الوزراء اللذان كان ينبغي أن يرفضا قبول أي ترشيحات من الأحزاب والمكونات لا يوجد فيها نساء ولديهم مبرر قوي جداً يجعلهما ينحازان إلى هذا الرفض، وهو أن هذه الترشيحات مخالفة لمرجعية مخرجات الحوار الوطني التي نصت ديباجة اتفاق الرياض على الالتزام بها.
وحول الحلول الممكنة للضغط من أجل تمثيل النساء وإشراكهن في مراكز صنع القرار ترى الدكتورة ألفت أن هناك العديد من الخيارات، منها أن يكون هناك موقع موحد من عضوات الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات الحوار الوطني تجاه هذه القضية. كون هذه الهيئة هي المخول لها الاعتراض على أي قرارات مخالفة لما هو متفق عليه في وثيقة مؤتمر الحوار. ويمثل اعتراض النساء في هذه الهيئة مجال قوة لحماية مكتسبات النساء في مؤتمر الحوار الوطني.
وكذلك التشبيك مع منظمات المجتمع المدني والتحالفات الشبابية من أجل قيادة حراك مدني ضاغط ومراقب لأداء الحكومة ورافض لأي تراجع عن مكتسبات التغيير التي ضحى من أجلها اليمنيون من 2011 وحتى الآن، وإذا كانت البداية بدأت من التخلي عن شراكة النساء فغداً سيكون هناك تخلٍّ عن كثير من ضمانات الدولة المدنية والحقوق والحريات وجميع المكتسبات التي صاغها اليمنيون في مؤتمر الحوار ومثلت ضمانة حقيقية لقيام دولة مدنية عادلة لجميع اليمنيين.