تلعب أوراق السياسات العامة دوراً هاماً في حل المشاكل العامة في الدول المتقدمة، هذه الطريقة في صناعة التغيير نحو الأفضل وصلت اليمن أخيراً، وأسهمت في حل مشاكل عامة مهمة، خاصة في مدينة تعز، جنوب غرب اليمن.
ولفتت أوراق سياسات عامة أعدها ويعمل عليها مجموعة من الشباب الأنظار إلى مشاكل عانى منها السكان كثيراً، منها ورقة سياسات عامة حول وضع النظافة في مدينة تعز، وورقة حول الازدحام المروري والبسطات العشوائية في شارع السوق المركزي بالمدينة ذاتها.
سياسات لا سياسة
تعرف أوراق السياسات العامة بأنها الشكل الأحدث من أشكال الأوراق البحثية، وتقوم بتعريف مشكلة تتعلق بسياسة ما وتوفر المعلومات الأساسية وتوجز الخيارات المتاحة من أجل معالجة هذه المشكلة ثم تقوم بتقييم نتائجها المحتملة وتوفر أدلة لدعم التوصيات.
وبحسب الخبير الوطني في السياسات العامة ماهر عثمان، فإن أوراق السياسات العامة لا تعني ابدًا السياسة وتختص بحل مشاكل الخدمات العامة أو المشاكل العامة التي يعانيها السكان.
تقول الباحثة في السياسات العامة ورئيس منظمة شباب سبأ، علا الأغبري: “ورق السياسات أداة جداً مهمة، كونها أولاً تشخص المشاكل العامة وتسعى للوصول بها إلى نقاط محددة وحلول واقعية لصناع القرار”.
وتضيف: “ما لاحظته أن الشباب وبالذات في تعز دائماً في نشاط لكن مافيش حلول ليش، مثلاً هذه القضية التي نطالب بها ونخرج في مظاهرات لأجلها ونعترض، هل أصلاً السلطة المحلية وصناع القرار عارفين إيش حلولها فأوراق السياسات تعطينا التوصيات التي تساعد صانع القرار على حل هذه المشكلة التي نناصرها”.
من جهته يقول الباحث في السياسات العامة وسام محمد: “يحتاج الشباب إلى التدريب الجيد على كيفية إعداد أوراق السياسات، ابتداءً من كيفية دراسة وفهم السياسات الحالية وطريقة صناعتها، إلى جانب كيفية تشخيص المشكلات بعد جمع المعطيات الكافية، بطريقة منهجية، ثم كيفية اختيار الحلول المناسبة. هذه عملية متكاملة”.
ويضيف: “يأتي بعدها الجانب الأهم، وهو كيفية تحويل الحلول إلى واقع. وهذا يشمل جانبين:
الجانب الأول، تدريب الباحثين على كيفية تصميم حملات ترويج لأوراق السياسات بعد إعدادها، بحيث يتم تشكيل رأي عام ضاغط من أجل تنفيذها وتحويلها إلى واقع. لا أهمية لأوراق السياسات إذا لم يتم تحويلها إلى واقع أو على الأقل التعريف بها وإيصالها لصانعي السياسات وإدراجها ضمن الحلول التي يمكن تطبيقها.
الجانب الثاني: يتعلق بالمؤسسات الحكومية. أثناء العمل على إعداد باحثين جيدين في مجال إعداد وكتابة أوراق السياسات من المهم التوجه إلى السلطات، وتعريفها بأهمية أوراق السياسات وضمان انفتاحها عليها والتفاعل معها. أعتقد أن كل مؤسسة بالذات في الوضع اليمني المضطرب ومع المشاكل الكبيرة التي تحيط بالمسؤولية العامة، أعتقد أنه يجدر بكل مؤسسة أن تنشئ وحدات خاصة بالسياسات العامة حيث تبدأ هذه الوحدات في رصد المشاكل التي تواجه عمل المؤسسة، ثم تمد جسور التواصل مع الباحثين في مجالات السياسات العامة وأيضاً المنظمات التي تشتغل في هذا المجال من أجل بناء علاقة تشارك وتعاون وحتى يصبح لأوراق السياسات أثر حقيقي في الواقع.
ورقة وأكوام قمامة
وصنعت ورقة النظافة والتحسين التي أعدها الشابان محمد الوتيري ووسام محمد، أثراً مباشراً انعكس على تحسن نظافة المدينة والحد من تراكم المخلفات في شوارعها.
ويرى الباحث في السياسات العامة وسام محمد أنه يمكن لأوراق السياسات أن تصنع أثراً كبيراً في الواقع. وذلك لأنها تتصدى للمشاكل الملحة وتقدم حلولاً عملية لها. وهي طريقة جيدة لتجاوز البيروقراطية السائدة عند صناعة السياسات وعند تنفيذها.
ويمكن القول إن مشكلة النفايات انخفضت حدتها بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة بعد أن كانت تؤرق السكان في تعز في ظل انتشار الأوبئة، بحسب مراقبين.
الازدحام ليس نهائياً
ورقة سياسات عامة أخرى يعمل عليها مجموعة من الشباب خصصت لبحث حلول لمشكلة الازدحام المروري والبسطات العشوائية المنشرة في شارع السوق المركزي بتعز، يقول مكين العوجري وهو أحد المشاركين في إعداد الورقة: “خلال مرحلة البحث الميداني التقينا العديد من مسؤولي الجهات المختصة، وجميعهم كان لديهم دراية بالمشكلة إلا أن اشتغالنا على الورقة لفت أنظارهم، فسارعت الجهات المختصة لعمل حل، حيث قامت بتنفيذ حملة ميدانية لنقل البسطات العشوائية وفتح الشارع أمام المارة وتقوم حالياً برصف المنطقة وصبها”.
إلا أنه يرى أن “الحلول التي قامت بها السلطة المحلية في بداية الأمر خلقت فارقاً جيداً استمر لفترة رغم أنها لم توفر بدائل مناسبة، وبدأ الناس يشعرون بوجود تحسن في حركة السير في السوق المركزي والذي كان يمثل مشكلة كبيرة في إعاقة تنقلاتهم، بالإضافة إلى ظهور المكان بشكل مناسب وحضاري”.
لكن مكين يؤكد: “عدم توفير بدائل مناسبة، تسبب بعودة بعض البسطات، ولهذا قررنا أن نعيد تعديل الورقة التي نعمل عليها، بحيث نضمنها حلول وبدائل مناسبة ويمكن لتنفيذها أن يحل المشكل جذرياً”.
مشاركة شبابية فاعلة
تقول الأغبري: “مهم جداً أن يتجه الشباب لإنتاج أوراق السياسات لأنها تعطينا التفكير النقدي، ويتعلم الشاب كيف يفكر نقدياً في أي مشكلة بدلاً من الاكتفاء بإثارة الضجيج حولها، لا بالعكس أوراق السياسات توصله لمرحلة أنه يقول هذه المشكلة وهذا حلها”.
وعن تجربتها في أوراق السياسات العامة قالت: “بالنسبة للتجارب نحن مثلاً في موضوع الشباب والمشاركة السياسية الورقة التي كتبتها مؤخراً، خرجنا بثلاث توصيات حول موضوع المشاركة السياسية وهذه التوصيات تم تبنيها وسيتم تنفيذها خلال العام الحالي 2021 وستصبح شيئاً على الواقع، وهناك تجربة لزميل آخر اشتغل على موضوع الوضع الإنساني في اليمن وكان من ضمن الحلول أن يتم عمل نافذة إنسانية أو هيئة وتم تطبيقها فعلاً في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله”.
توجه مهم
ترى علا الأغبري، أن هناك مؤسسات كثيرة بدأت تتجه للعمل على أوراق السياسات العامة، لكنها تقول: “من تجربتنا في شباب سبأ ليس كل الشباب الذين يتم تدريبهم يطلعوا كتاب أوراق سياسات، مثلاً نحن استهدفنا كثير من الشباب وحرصنا على انتقائهم بدقة، لكن في النهاية بعضهم تصبح لديه مهارة البحث الميداني والبعض البحث المكتبي والبعض في الصياغة فعلى من يختار أشخاص أن يختارهم بدقة بحيث يكتبوا أوراق ممتازة”.
وتضيف: “كلما دربنا من الفئات الشابة أو غيرها كلما انتجنا أوراق وكلما أيضاً خضنا تجارب إيجابية سلبية فاشلة ناجحة في كيفية إعداد أوراق، حل مشاكل والتفكير النقدي في المشاكل الحاصلة على المستوى العام”.
وهو ما يتفق معه مكين العوجري قائلًا: “من المهم جداً أن تلعب أوراق السياسات دوراً في انتشال الوضع العشوائيّ الذي تعيشه المدينة”. مؤكداً: “بالطبع سيكون لها أثر في حال تم العمل وفقها من قبل الجهات المستهدفة، أقصد بذلك مؤسسات الدولة مثلاً، لذا بإمكان أوراق السياسات أن تصنع فارقاً كبيراً في الخدمات وحياة المجتمع ككل، وهي لبنة أساسية للسير نحو مستقبل مخطط له”.