نشطت مؤخراً التحركات الدبلوماسية، الأميركية على وجه الخصوص، لوضع حد للحرب الدائرة في اليمن والتي تدخل عامها السادس فقد أدت الكلفة الهائلة المتصاعدة إنسانياً ومالياً، والتأثيرات الاقتصادية والسياسية السلبية، التي تزامنت مع انتشار وباء كورونا، إلى الدفع بالأزمة اليمنية إلى واجهة الأحداث الدولية، وتأخرت كل الأطراف في إدراك أن الانتصار العسكري ليس خياراً ممكناً أو حتى محتملاً.
على العكس من ذلك، فإن استمرار الحرب سيضاعف الأعباء السياسية والإنسانية، ويجعل الحرب ملفاً مفتوحاً للاستنزاف والتعرض للابتزاز والضغوط الخارجية.
وفي حين يبحث الجميع عن حلول مطروحة لحل الأزمة في اليمن وخصوصاً مع تفاقم أعداد الضحايا جراء الحرب يذهب أيضاً ضحايا آخرون بسبب إغلاق مطار صنعاء، حيث يقدر بأن ضحايا الإغلاق أكثر من 80 ألف شخص لقوا حتفهم بسبب معاناتهم من أمراض تستعصي قدرتهم على احتمال الذهاب لمسافات طويلة ليومين أو أكثر براً للوصول إلى مطار عدن أو مطار سيئون، وفقاً لتصريحات إعلامية لمدير مطار صنعاء الدولي، ولم يتسنّ التحقق منها من مصادر طبية.
“أحمد” وأسرته أحد ضحايا استمرارية إغلاق مطار صنعاء والذي روى لنا معاناته المريرة في فقدان أبنائه واحداً تلو الآخر بين يديه.
في إحدى المستشفيات في العاصمة صنعاء أجرينا مع أحمد (40 عاماً) حواراً خاصاً بـ”منصتي 30″ وكان في حينه يرقب فتياته الثلاث المصابات بمرض (الثلاسيميا) لتغيير دم لهن. هذا المرض الذي يستدعي نقل دم أسبوعياً للمريض ولا تنتهي معاناة المريض به إلا بزراعة نخاع في الخارج.
يقول أحمد إنه قد بذل كل مافي وسعه لسنوات عده في رحلة الذهاب والإياب أسبوعياً لتغيير دم لأبنائه المصابين، وعندما قرر إنهاء معاناة بعضهم وباع أرضه في قريته وما يملكه من مدخرات ليشرع بعلاج أبنائه المصابين بهذا المرض؛ بادر بمحاولة إنقاذ أشدهم مرضاً وهم أبناؤه “لطف الله” والذي يبلغ عامين و “يونس” ذو الـ 9 أشهر، توجهوا معاً، بعد التجهيز بمبالغ ضخمة ليست باليسيرة عليهم لكن “الضنى” كما يقال أغلى من النفس.
استعدوا وتوجهوا في رحلتهم من اليمن إلى الهند، حيث كانوا يقطنون في صنعاء لكن المطار المغلق منذ ٥ أعوام حال بينهم وبين ما يريدون فتم الحجز في مطار عدن وفي أثناء رحلتهم يفاجأ الوالد في منتصف الطريق بتدهور حالتهما الصحية وحاجتهما الماسة إلى نقل دم، لكن وضعهما الصحي تدهور سريعاً والمرافق الطبية المختصة لنقل دم لحالتهم كانت بعيدة.
لقى الأطفال حتفهم واحداً تلو الآخر وسط ذهول الأبوين وخيبة أملهم الشديدة في فقدانهم بين أيديهم واحداً تلو الآخر ليعودوا بخيبة الأمل والحزن والأسى على فلذات أكبادهم.
يقول أحمد إنه لوكان مطار صنعاء مفتوحاً للمرضى فقط لربما تمكن من إنقاذ ولديه ولكانا بجانبه الآن.
ليست أسرة “أحمد” هي الوحيدة فمئات الأسر فقدت عائلها والبعض فقد أبناءه في محاولة لإنقاذهم بعد بذل المال والجهد والسفر إلى مطارات أخرى في اليمن، لكن وعورة الطريق وطولها كانت أكبر من احتمالهم.
معاناة اليمنيين مستمرة وآلاف الحالات مازالت تتعرض للوفاة بفعل إغلاق المطار واستمرار ذلك، ومازال أكثر من 450 ألف مريض بحاجة ماسة إلى السفر لتلقي العلاج في الخارج بسبب استمرار الحرب وتردي الظروف الصحية في اليمن حيث تنعدم أدوية الأمراض المستعصية.
كما سجل آلاف المرضى بوزارة الصحة ممن يعانون من تشوهات قلبية بحاجة ملحة إلى السفر للخارج لتلقي العلاج كما تحدث أحد العاملين في وزارة الصحة.
ومازال اليمنيون يأملون بإيجاد حلول عاجلة في ملف اليمن الشائك وخصوصاً ما يتعلق بإعادة فتح مطار صنعاء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.