لأجل أن تبقى الأرض صالحة للحياة، يحاول العالم، وعبر كل الوسائل الممكنة، التخفيف من تضرر البيئة، وجعل المناخ أقل تلوثاً، وفي بلد مثل اليمن، يغرق في صراع دامي، لا تعتبر مشكلة العصر البيئية إحدى أولويات السلطات، لكن، وبين الحين والآخر، تنتج عبر أبنائه، حلول فردية بهدف التخفيف من معاناتهم اليومية في مشكلة ما، وفي نفس الوقت، تساهم، ولو بنسبة بسيطة، في الحد من مشاكل وجودية، مثل التلوث البيئي، من ضمن هذه الإسهامات، ما قامت به الشابة اليمنية ندى المشدلي، والتي تعيش في مدينة عدن، عندما ابتكرت فكرة استخراج الغاز المنزلي من النفايات، وبقايا الطعام، والتي تتحدث، في سياق هذا التقرير، عن الابتكار بالتفصيل، الابتكار الذي تكمن أهميته، في كونه يلبي احتياجاً فردياً، مع محاولة لإيجاد حل لمشكلة جماعية تمثل خطراً على صحة البشر، وبيئتهم.
فكرة الابتكار.. ونوعه
عن فكرة ابتكار طاقة نظيفة، وصديقة للبيئة، والتي لا تتطلب سوى مخلفات وبقايا الطعام، تتحدث ندى المشدلي، عن ذلك بالتفصيل، قائلة: “الفكرة عبارة عن محطة لإنتاج غاز من بقايا الطعام، وتتكون من حوض دخول بقايا الطعام مع نسبة معينة من الماء، وتذهب للهاضم، وهناك تتحلل، وتتخمر لإنتاج الغاز، وتعبئته عن طريق الحنفية، وهنا بعد إنتاج الغاز، ستتحول بقايا الطعام إلى سماد عضوي يستفاد منه زراعياً، وسوف يتم بيع الغاز، والسماد بسعر مناسب لضمان استدامة المشروع فقط”.
عن نوعية الأجهزة التي استخدَمَتها لتجسيد هذه الفكرة تتحدث ندى، قائلة: “قمت بعمل نموذج فيزيائي يحاكي الفكرة بأدوات بسيطة، ولتطوير، ومراقبة سير عملية إنتاج الغاز قمت بعمل جهاز يتكون من حساس لقياس الحرارة لأنها أحد العوامل التي تساعد بتسريع الإنتاج، وحساس الضغط لقياس كمية الغاز المتولد، ومراقبة كل هذا عن طريق الهاتف”، وتقول ندى إن تخصصها الهندسي ساعدها في وجود فكرة هذا الابتكار، وتضيف بأنها رجعت في بعض الأحيان لبعض المهندسين من ذوي الخبرة لمساعدتها في حسابة الاحتمالات، والميزانية، والمناطق الأنسب لعمل المشروع، وبعض التفاصيل.
ندى المشدلي، تتحدث أيضاً كيف طرأت لها فكرة الابتكار، قائلة: “انعدام الغاز الحيوي في فترات كثيرة، وحتى توفره بالسعر المبالغ به، ولأن الغاز ذو أهمية قصوى في حياة كل أسرة، ذلك حفزني لإيجاد، ودراسة هذا الابتكار، كما أن هذا سيعمل على الاستفادة من بقايا الطعام، بالأخص المتوفرة في المطاعم، والتي ترمى بكميات كبيرة، وكذلك النفايات التي لا يتم التخلص منها بطريقة صحيحة، وصحية، فهناك كمية انبعاث غاز الميثان الناتج عن تحللها، كما أن الكارثة تكون مضاعفة بيئياً عند التخلص منها بحرقها، فهنا؛ يزيد انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، والذي يعتبر من أخطر الغازات على كوكب الأرض” وفيما يخص الخطوات الأولى في المضي بهذا الابتكار، تقول ندى إنها عكفت على قراءة العديد من الدراسات، والأبحاث، والتواصل مع أشخاص لديهم تجارب مقاربة، وكذلك مهندسين، ومختصين، لمعرفة مدى قابلية فكرتها للتحقق.
الهدف من الابتكار وفائدته بيئياً
حتى وإن كانت جدوى المشروع تفيد الحياة الفردية اليومية، إلا أن ذلك يرافقه فائدة للبيئة العامة كلها، تقول ندى المشدلي عن ابتكارها: “هناك فوائد عدة للابتكار، فهو سيوفر حل لمشكلة حياتية يومية كالغاز المنزلي، كما أنه يعتبر من الطاقة الخضراء، وسيعالج بيئياً الكثير من المشاكل غير المرئية، وهو مساهمة فردية ومجتمعية لواحدة من أهم المشاكل العالمية التي لا يوجد وعي كافي بها؛ كالتغير المناخي، والاحتباس الحراري، وأيضاً؛ فيه عملية لإعادة التدوير، والتي أصبح العالم كله يعمل بها، لأن البيئة لا تحتمل كل تلك المخلفات، وكذلك سيوفر سماداً مناسباً للزراعة، من خلال إنتاج السماد العضوي بسعر زهيد، وبالتالي زيادة الرقعة الجغرافية الخضراء، والموفرة للأكسجين، والصحة”.
عن الهدف من الابتكار، وفوائده الكثيرة، تضيف ندى المشدلي: “بالإضافة إلى الفوائد التي ذكرتها، معيشياً؛ للأسرة والمجتمع، وبيئياً؛ للحياة بكلها، هناك فائدة معنوية أريد ذكرها، أن هذا الابتكار يقول إن بإمكان الشباب تقديم حلول للمشاكل الموجودة، ولا ينتظر المؤسسات، والحكومات، وهذا سيحفز أيضاً الشباب الآخرين على المضي قدماً نحو تحقيق أفكارهم الخيالية”.
وفيما إذا كان هذا الابتكار الوحيد لها، أو لديها أفكار أخرى، تجيب ندى: “لدي أفكار كثيرة، سبق وعملت على بعضها، وكان أغلبها بالاشتراك مع زملاء. آخرها المشاركة مع زميل في مشروع مبتكر بمسابقة رالي لريادة الأعمال، والابتكار العربي في دبي، وسأستمر بالمشاركة، ولدي أفكار مشاريع، وابتكارات ستحدث بصمة مجتمعية حقيقية، وجميعها قريبة من المجال المناخي، فأني من الأشخاص المهتمين جداً بهذا المجال، ولدينا مبادرة شبابية بهذا الشأن اسمها The Breath“.
مشاركة الابتكار ودعم المجتمع
سبق وأن شاركت بهذا الابتكار في مسابقة القيادات الشابة، تقول عن تلك المشاركة: “شاركت بها، وعلى مستوى اليمن وصلت إلى المرحلة الأخيرة، وحصلت على المركز الأول على اليمن، ودخلت المنافسة الإقليمية”.
وعن الدعم المجتمعي، ورضاها بمدى إنجاز مشروعها، حتى اللحظة، تقول: “أني مقتنعة بالمشروع، وسعيد بأنه حقق قبول مجتمعي، ولكن يجب أن أمضي به نحو التطبيق أكثر، والحصول على الرعاية، وهذا مفيد للمواطن الذي سيحصل على غاز بسعر بسيط، وسأستمر بطرق الأبواب، وتطوير الفكرة، وإظهارها، حتى تصبح واقعية، وسيحصل ذلك قريباً”.
خطوات التجسيد.. والتحديات الموجودة
تقول ندى المشدلي، إنه وبالرغم من فكرة المشروع التي حصلت على ترحيب مجتمعي، واحتفاء، وتقدير في المشاركات، إلا أنه تبقى خطوات لاكتماله بالصورة التي تريدها، مضيفة: “ما زلت أرى أن مشروعي لم يرَ النور بشكل كامل، ولم يلقَ أي رعاية جادة للآن، لكن؛ لدي أمل أنه في القريب العاجل سيصبح واقعي”.
لأن لكل مشروع تحدياته الخاصة، بإيجاز، تتحدث المشدلي عن التحديات الخاصة بها، قائلة: “كفكرة هي مكتملة، لكن، في البداية واجهت تحديات عديدة، لأن الموضوع جديد، ولا يوجد خبراء لدينا، وفيما بعد اكتمال الفكرة، واجهت تحدي عدم وجود جهات تدعم هذه الأفكار التي وجدت من معاناة المجتمع”.
وتختتم ندى المشدلي حديثها لمنصتي 30، برسالة لكل الشباب، قائلة: “لا تستسلم مهما حدث، هناك طرق عدة، ويمكن أن تصل بأي طريقة، استمر بالاجتهاد، وكذلك؛ الإيمان بأن ما تقوم به سفيد حياتك، وحياة الآخرين. وبالأخير كل شخص في داخله موهبة ما، ومبتكر معين، ولا ينقصه سوى الثقة، والعمل، والدعم”.
في الأخير، تعتبر فكرة الابتكار التي لدى ندى المشدلي في غاية الأهمية، كما أنها تفيد صحياً، وبيئياً، وندى هي واحدة من بين عدد كبير من الشباب اليمني المبدع، وابتكارها، تأكيد جديد، لمدى عبقرية الشباب اليمني، إلا أن تلك الجهود الشبابية لا تكفي، بل تتطلب مؤسسات، وجهات تدعم هذه الأفكار، لتطويرها، وإنجاحها أكثر.
❦ْابـ℘ــدأإأ؏ッ❥