عندما تكون المؤسسات الحكومية شبه مغلقة، وتفتقر لأدنى الإمكانيات من أجل إعادة تفعيلها لملامسة احتياجات الناس وتقديم الخدمة لهم، فإن التدخلات من المؤسسات المدنية لإعادة تحفيزها ومساعدتها للعودة التدريجية وفق ما هو ممكن تبقى خطوة مهمة ومتقدمة لإحداث مزيج تشاركي بين القطاعين الحكومي والأهلي، وهذا ما نجحت فيه علا الأغبري عبر مؤسستها شباب سبأ، التي عملت طوال السنوات الثلاث الماضية لإعادة الحياة لمؤسسة المياه في تعز، ومنها إلى معظم أحياء المدينة.
الخطوة الأولى
ورقة سياساتٍ عامة عُمل عليها من مؤسسة شباب سبأ في آب/ أغسطس 2020 حول وضع مؤسسة المياه في مدينة تعز، وتوصلت إلى العديد من المؤشرات التي بمجرد العمل عليها يمكن أن يُقطع شوطٌ في سبيل عودة تدفق المياه إلى عدد من الأحياء السكنية بعيداً عن ربطها بالأحواض المائية الواقعة في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين.
الخطوة التي حددت المسار باتت واضحة لدى علا: “فبعد استكمال العمل على ورقة السياسات توصلنا إلى العديد من المشاكل التي تعيق استئناف ضخ المياه، من بينها والتي لفتت انتباهنا أن هناك آبار وخزانات، ولا يستفيد منها المواطنون؛ لأنها تحت سيطرة بعض القوات العسكرية، وهنا قررنا أن نركز على هذه المشكلة، ونحاول حلّها كأولوية”، تقول علا.
ركزت علا وفريقها والوسطاء الجهود على كيفية استعادة هذه الآبار والخزانات للمؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي، ومن هنا تولّدت لديها فكرة حملة وساطة لاستعادة الآبار والخزانات، وكان عليها أن تبدأ سلسلة خطوات للوصول إلى الهدف.
جمعت علا من لهم علاقة مباشرة وغير مباشرة بملف المياه من مكاتب حكومية، ومدراء مديريات، وفاعلين مدنيين، وعرضت عليهم المشكلة والحلول المقترحة، “تفاجأتُ من مستوى تفاعلهم وتحمسهم للقيام بأدوار عملية فورية للإنجاز، لقد كانت خطوة إيجابية”، بهذه الخلاصة تكون علا قد قطعت شوطاً لبناء تحالفاتٍ من أجل إعادة المياه إلى بعض الأحياء السكنية التي لم تنعم بها منذ اندلاع الحرب في آذار/ مارس 2015.
نجاحٌ ملموس
الدراسة المتبوعة ببناء التحالفات وحشد الفاعلين المدنيين للدعم والمساندة حتى يسهل الوصول للهدف، أتبعت بنزولاتٍ ميدانية متكررة إلى مناطق الآبار والخزانات، تكللت بالاستلام الكامل للآبار والخزانات التي كانت تسيطر عليها القوات العسكرية.
تُعِدُّ علا هذا إنجازاً استثنائياً لم تحققه وحدها، لكن جهوداً مشتركة قادتها وصلت في نهاية المطاف إلى “نتيجة لمسنا بها نجاح جهودنا”، تقول علا لمنصتي 30، وتضيف: “تشاركتُ هذه الجهود مع عضوي لجنة الوساطة المحلية معين العبيدي وعبد اللطيف المرادي، والفنان رشاد السامعي، وبعض مدراء المكاتب التنفيذية ومديري مديريات المدينة، ومحافظ المحافظة، والقادة العسكريين”.
تدير، اليوم، المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي الآبار والخزانات المستعادة، ووصل المياه إلى أحياء عدة لم تصلها منذ ثمان سنوات، حتى أن المنظمات الدولية التي كانت ترفض التدخل لإجراء عملية الاستصلاح بسبب أن الآبار والخزانات تحت سيطرة عسكرية تجاوبت بعد استعادتها وساهمت في إعادتها للعمل من جديد.
النجاح الذي أكمل هذا المشوار بالنسبة لعلا وفريقها من شباب سبأ والمشاركين في جهود الوساطة تمثّل في تفهم أنصار الله الحوثيين بعد عدة محاولات لإعادة ضخ المياه من الأحواض التي يسيطرون عليها للأحياء المرتبطة بها في مدينة تعز، “فتفهمهم بُني على نجاح شباب سبأ في استعادة آبار وخزانات المدينة واكتمالاً لجهود الوسطاء المحليين في ملف المياه، وحالياً تُجرى الصيانة لحوض الحَيْمَة، وبانتظار العمل على حوض الحَوجَلَة الواقع في منطقة اشتباك عسكري، وهو الأكبر من حيث وفرة المياه”، والكلام هنا لعلا.
العملية مستمرة
توصّف علا الأغبري ما قامت به ومؤسستها كعملية تحويل وحل صراع، إذ ينصبّ جهدهم على إقناع الجهات المعنية على التدخل والقيام بعملها، وجهدنا بمثابة التحفيز والربط بين المعنيين، وصنع التكامل لتسهيل الإجراءات.
هذا الجهد يعني الكثير لعلا وفريقها كونه حسن من احتياج الناس للمياه، ولا تنسَ موقفاً حدث لها من إحدى المستفيدات وهي تشكرها بعد أن وصل الماء منزلها لأول مرة منذ سبع سنوات، “شعرت بقيمة ما قمنا به، وبأهمية أن تساهم في تسهيل وصول الخدمات الأساسية للناس في الأوضاع التي يعيشونها اليوم” تقول علا، وتضيف: “من هنا نحن نستمد طاقتنا للاستمرار، لذلك لدينا خطة للقيام بدور أكبر من أجل استعادة بعض الآبار الواقعة في خطوط النار، من بينها حوض الحوجلة، ولتعم الفائدة سكان مدينة تعز ومنطقة الحوبان على حد سواء”.
ليس المواطنون وحدهم من يلمسون قيمة ما بُذل، فالمهندس عبد الرزاق الأشول، رئيس قسم الصيانة بمؤسسة المياه ينظر إلى هذه الجهود بأنها أحيت دور المؤسسة، وحفزتها للمضي قدماً والاستمرار حتى يصل الماء لكل الأحياء السكنية، والعملية مستمرة، حسب قوله.
بينما يتذكر جمال الحمادي عاقل حارة البدو بحي عَمِد، الليالي والأيام التي عانى فيها أبناء الحي من شحة المياه، والمسافات الطويلة التي قطعوها، والبئر بجوارهم مغلق، ولولا جهود الوساطة لما أعيد ضخ المياه مجدداً، “بفضلهم، طوينا المعاناة التي عشناها لسنوات”، يقول جمال.