“اليوم انتهت المعاناة من تلك العقبة وصارت السيارات تمر منها بكل يسر وسهولة“، “السيول كانت تخرب طريق مدخل القرية باستمرار ويصعب على السيارات نزولها، ويضطر الأهالي لجلب حاجاتهم على ظهورهم وفوق رؤوس النساء مما شكل معاناة للمواطنين” بهذه الجمل عبّر محمد سلطان عن شعوره بعد إصلاح طريق قريته.
يقع الطريق بمنطقة شرجب بمديرية الشمايتين بمحافظة تعز (وسط اليمن) ويربط مديرية المقاطرة التابعة سابقاً لمحافظة تعز، والتابعة في التقسيم الإداري أواخر التسعينات لمحافظة لحج (جنوب اليمن)، ويستفيد منه حوالي ألفا نسمة، بداية إصلاحه كان بعد قيام الناشطة غادة المقطري (25 عاماً) بحل النزاع المستمر بين ملاك الأراضي التي يمر فيها الطريق؛ بعد فشل العديد من الوساطات للوصول إلى حل بين أبناء المنطقة.
التبرع بالأرض
استطاعت غادة إقناع ملاك الأراضي للتبرع بالأرض لأجل الطريق، وبعد ذلك تم توزيع المهام بين النساء والرجال وبدأ العمل برصف الطريق وإنهاء النزاع، كان المرضى يعانون بسبب وعورة الطريق، والآن انتهت معاناتهم وانتهى النزاع القائم بالمنطقة، بدأت غادة بجهود ذاتية وحصلت على منحة مالية من منظمة “طور مجتمعك” ضمن “مشروع الشباب قادة السلام” الممول من منظمة سيفرورولد البريطانية وفق حديثها لمنصتي 30.
لا تقف جهودها هنا، فقد قامت مع فتيات وشباب ضمن مشروع المرأة والسلام الممول من منظمة البحث عن أرضية مشتركة، بنقل سوق الخضرة المتواجد في وسط الأحياء السكنية بمدينة التربة بالشمايتين إلى مكان مناسب، حيث كان السوق يعيق حركة المواطنين، ووصول الاحتياجات لهم بسهولة، إضافة إلى ذلك كان تواجد السوق يسبب العديد من الأمراض والإزعاج لأهالي المنطقة.
ظل المواطنون يعانون من وجود السوق لسنين عديدة مع نشوب نزاعات متكررة، قام فريق غادة بجمع الأطراف المتنازعة وعمل جلسات حوارية للخروج بأرضية مشتركة ترضي جميع الأطراف وتم الاتفاق وحل المشكلة وفتح الطريق وترميمه على نفقة المنظمة، ونقل السوق إلى مكان آخر مناسب.
في قرية شباط بمديرية المعافر بتعز تمكنت “بشارة الصنوي” من حل نزاع توقف مشروع مياه القرية عن العمل، كانت أسباب الخلاف سياسية وتنظيمية إدارية من عام 1985، وفشلت سابقاً محاولات نيابة الأموال العامة ووساطات السياسي سلطان البركاني ورجل الأعمال شوقي أحمد هائل سعيد وإدارة المديرية بحل المشكلة.
خضعت بشارة لتدريب مع منظمة البحث عن أرضية مشتركة وقامت مع فريقها بالتفاوض مع الأطراف المعنية واللاعبين الرئيسين في القضية ونجحت في حل القضية، وتشغيل مشروع مياه الذي يستفيد منه أكثر من 5 آلاف نسمة وفق حديثها لمنصتي 30.
بسبب الحرب تحولت مدرسة حباجر بالشمايتين إلى ثكنة عسكرية وأغلقت أمام الطلاب؛ ما أدى لتسرب بعض الطلاب من المدارس والتحاق بعضهم بمدارس قرى بعيدة، وحدوث نزاعات محلية، إزاء ذلك تشكلت مبادرة مجتمعية نصف أعضائها من الفتيات، وخاضت وساطة محلية انتهت بإخراج الثكنة من المدرسة، وإعادة تأهيل وترميم جزء منها وفتحها للطلاب، بتمويل من منظمة طور مجتمعك وفقا لمنسق المشروع في المنظمة مرسيليا العسالي لمنصتي 30.
ثلاث قرى
نجحت المحامية شيناز الأكحلي في حل خلاف مزمن حول بئر مياه بين ثلاث قرى بمديرية صبر الموادم بتعز، طيلة فترة النزاع استحوذت إحدى القرى على مصدر المياه، واستمر الخلاف حوالي 33 عاماً، وأدى إلى حرمان الأهالي من الحصول على المياه، حل النزاع كان على مراحل، وتم الاستعانة بشخصيات اجتماعية في القرى الثلاث إلى جانب السلطات المحلية وفقاً لحديث شيناز لمنصتي 30.
عملت الأكحلي في مجال بناء السلام وحل النزاعات المجتمعية بشكل شخصي، قبل أن تعمل ضمن برامج مؤسسية لأجل هذا الغرض، وتعمل حالياً كمنسقة لمشروع “مجتمعات فاعلة ” في منظمة نودز يمن، وحل قضية المياه في القرى الثلاث، كان في إطار المشروع الذي تعمل فيه مع منظمة نودز بالشراكة مع سيفرورولد البريطانية.
تؤكد أنه لأول مرة تقوم نساء في صبر بحل نزاعات مجتمعية بهذا الحجم وتحضر اللقاءات التشاورية لحل المشكلة، ولم يتوقع مشائخ القرى حضور النساء وطرح الأفكار من قبلهن وقوة الإقناع لحل النزاع بين الأطراف، واستطعن بناء الثقة مع الأطراف ليتمكن بعد ذلك من حل نزاع دام سنوات طويلة.
تقول غادة بموجب القرار 1325 الذي ينص على مشاركة المرأة في فض النزاعات، كان لابد لنا أن نشارك في عملية إحلال السلام، والمرأة باستطاعتها العمل والمشاركة وأن تكون لها أدوار مختلفة بالمجتمع ومن ضمنها إحلال السلام المجتمعي لتثبت ذاتها وأنها تستطيع اجتياز أي عقبة في طريقها وقادرة على المشاركة المجتمعية، وأن يكون صوتها له دور فعال في فض النزاعات وإحلال السلام والتنمية مثلها مثل الرجل.
لم تكن الحرب عائقاً أمام الفتاة اليمنية التي تقيدها العادات والتقاليد المجتمعية، فقد نجحت العديد منهن في خضم الحرب برفع أصواتهن وممارسة حياتهن مثل الرجال، وخدمة مجتمعاتهن، وأصبحن معيلات لأسرهن بعد توقف رواتب أزواجهن بسبب الحرب.
الأمم المتحدة
شاركت المرأة اليمنية بشكلٍ فعّال في مسائل السلام والأمن والحوكمة على الرغم من تهميشها واستبعادها من العمل السياسي الرسمي والمؤسسات السياسية، وتساهم المرأة اليمنية بشكل جوهري في صنع السلام على المستويات المحلية والوطنية والدولية وفقاً لمبعوث الأمم المتحدة لليمن.
تصف الأمم المتحدة المرأة اليمنية بالجندي المجهول في ظل أوضاع كانت سيئة قبل الحرب، وازدادت سوءاً بعدها، وهي التي ترفع مخلفات الحرب، وتوزع الغذاء على الجوعى، وتساهم في إطلاق سراح المعتقلين وإعادة المختطفين إلى أحضان أمهاتهم، وهي التي تشارك في جهود إحلال السلام ومنع الحرب، وهي التي تعاني من تداعيات تغيّر المناخ أكثر من غيرها، وعلاوة على التحديات الخارجة عن نطاق السيطرة، تواجه في كثير من الأحيان رفضاً من المجتمع وإقصاءً وتهميشاً.
طالما والحياة مستمرة فجميع النساء جنود مجهولة فقد اصبحت المرأة الريفية خاصتا تدير وتخرج بحلول لقضايا شائكة سواء كانت شخصية او مجتمعية فكل الشكر لغادة وشيناز وللبقية التي لايخطرن ببالي