من وقت لآخر، تتصدر قضية من قضايا الابتزاز الإلكتروني وسائل التواصل الاجتماعي، وسط تناول يسوده امتعاض من ضعف التعامل مع هذه الظاهرة المتفشية مؤخراً والذي يحمّله البعض مسؤولية منح المبتزين مساحة كافية للقيام بعملياتهم بأريحية تامة.
الابتزاز وحده مصطلح غير مرغوب، وعملٌ مشين، ماذا لو مورس بأدوات حديثة، اخترعت لتسهيل حياة الناس، وتبسيط تعاملاتهم والتواصل بينهم بأقصر الوسائل الممكنة؟
فجأة تصبح هذه الوسائل سبباً في تعكير حياتهم، وتحويلها إلى جحيم من المعاناة، قد يصل ثمن الهروب منها اتخاذ قرارات ذات عواقب وخيمة، أقلها الدخول في مضاعفات نفسية معقّدة، وإن كانت هناك ضحايا تجاوزن ذلك إلى محاولة الانتحار أو الانتقال إلى الآخرة؛ للخروج من مأزق المواجهة التي تعتبرها خاسرة؛ بفعل تراكمات اجتماعية فرضتها العادات والتقاليد، وضعف تفاعل السلطات مع هذه القضايا التي تحتاج للحسم والحزم على حد سواء.
في اليمن لا يوجد قانون للجرائم الإلكترونية، والتي من بينها الابتزاز، إذ تكتفي إحدى مواد قانون العقوبات بالنص عليه دون ربطه بأي تفسير واضح له علاقة بالوسائل الإلكترونية الحديثة.
قانون لم يُحدّث!
في عام 1994 صدر قرار جمهوري بقانون الجرائم والعقوبات، في مادتين منه يوجد نصان عن الابتزاز والتهديد بمفهومها العام دون تحديد طبيعتهما، أو تفسيرهما بما يواكب المتغيرات التكنولوجية والإلكترونية الحاصلة.
المادة “313” من قانون العقوبات اليمني والمخصصة للابتزاز “دون تحديد نوعه”، تنص على: “يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات أو بالغرامة كل من يبعث قصدًا في نفس شخص الخوف من الإضرار به أو بأي شخص آخر يهمه أمره ويحمله بذلك وبسوء قصد على أن يسلمه أو يسلم أي شخص آخر أي مال أو سند قانوني أو أي شيء يوقع عليه بإمضاء أو ختم يمكن تحويله إلى سند قانوني”.
بينما تنص المادة “245” التي خصصت للتهديد، على: “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة، كلُّ من هدّد غيره بأي وسيلة بارتكاب جريمة أو بعمل ضارّ أو بعمل يقع عليه أو على زوجه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة إذا كان من شأن التهديد أن يُحدِث فزعاً لدى من وقع عليه”.
لم يكتب لمجلس النواب اليمني أن ينعقد انعقاداً عادياً لمناقشة القوانين التي تحتاج لتعديلات تواكب المتغيرات الزمنية كقانون العقوبات والجرائم، وانعقاده الاستثنائي مرتين في سيئون وعدن كان لدواعٍ سياسية لا أكثر، فيما تقتضي الحاجة اليوم انعقاده من أجل تعديل وسن قوانين تفرضها المتغيرات الراهنة.
قِدم التشريعات اليمنية وحداثة الجرائم الإلكترونية ومنها (الابتزاز الإلكتروني) وغياب المشرّع اليمني أدى إلى عدم مواكب التشريعات المناسبة مع التطور المتسارع للمجتمعات وحداثتها، هذا ما يراه المحامي والباحث الحقوقي عبدالرحمن راجح.
راجح في حديثه لمنصتي 30 يعيد غياب المشرّع اليمني لعدة أسباب أهما الصراع السياسي الدائر الذي أدى إلى تعطيل سلطات الدولة ومنها السلطة التشريعية المختصة في سن القوانين.
ويتوقع راجح “أن الأحداث الحاصلة ستؤدي بلا شك في نهاية المطاف إلى إصلاحات دستورية سيكون لها الأثر في مواكبة التشريعات الحديثة، فأهمية فاعلية القانون تبرز من الغاية والهدف في سن التشريعات التي تنظم حياة الناس وتعمل على إيجاد التوازن لحفظ حقوقهم”.
عامل معيق
الغموض الذي يكتنف مادتي قانون العقوبات والجرائم، إضافة للقصور الذي لم يعالجه القانون بتعديلات تستلزمها المرحلة يتسبب في إعاقة عمل مكافحي الجرائم الإلكترونية من ابتزاز وتحرش ونحو ذلك.
من بين من يتعرض لتلك التحديات المهندس عزمي الصلوي، الذي يعتبر هذه التشريعات بمثابة الملاذ الذي يتم اللجوء إليه في التعامل مع حالات الابتزاز الإلكتروني، فهذه التشريعات إن وجدت ستمثل ردعاً كافياً للمبتزين، فهناك مبتزون يحتمون بأشخاص نافذين لا نستطيع التعامل معهم أو الوصول إليهم، وفقاً لحديثه.
ويذهب المختص في الأمن الرقمي إلى “إن غياب التشريعات المهمة للحد من الجرائم الإلكترونية والابتزاز تحديداً أدى إلى انتشار الظاهرة، حتى أن بعض المبتزين يتعاملون مع الابتزاز كمصدر دخل في ظل عدم وجود عقوبات رادعة”.
تبقى المادتان 245 و313 من قانون العقوبات اليمني وحيدتان في مواجهة الجرائم الإلكترونية مع خضوعهما لتفسيرات وتأويلات عدة في ظل عدم وجود نصوص صريحة تشير للجرائم الإلكترونية كجرائم يُعاقب عليها، وهو ما يفتح الباب للمطالبة بوضع حد لهذه الوضعية، حتى لا تصبح الظاهرة المتفشية في عداد الأفعال المعتادة التي لا تتعدّى الإدانة، وإن تكاثر ضحاياها.
لابد من تفعيل القانون