لعبت المرأة اليمنية أدواراً فاعلة في مجالات عدة خلال سنوات الحرب الثمان، واستطاعت أن تترك بصمة ذات أثر بالغ على الناحية الإنسانية والاجتماعية.
وحملت المرأة، بمختلف فئاتها العمرية، على عاتقها إنشاء مبادرات ومنظمات بهدف تعزيز أعمال الإغاثة، في محاولة لتخفيف حدة تداعيات الصراع الذي تسبب في معاناة لا حصر لها للسكان.
وامتد الأثر السلبي للحرب منذ اندلاعها إلى معظم سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة، بينهم 16.4 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي.
“نظرة” و “مزدلفة” و “عليا” ورابعتهن “رهام“، شابات يقدن مبادرة ذاتية، غير مؤطرة، لمساعدة الأشخاص والأسر المتضررة من الحرب في تعز كبرى محافظات البلاد من حيث عدد السكان.
هؤلاء الفتيات جمَعَتهن مقاعد الدراسة في قسم العلوم المالية والمصرفية بجامعة تعز، وجمَّعَتهن فكرة إنشاء مبادرة تعمل في الظل، أطلقن عليها اسم “بلسم” بهدف تقديم الإغاثة الطارئة للأسر التي تعاني من ظروف الحياة الصعبة، لا سيما تلك التي تتعفف من البحث عن مساعدة.
تشكُّل الفكرة
قصصٌ كثيرة تبادرت إلى مسامع الفتيات عن وجود أسر تعاني من تدهور وضعها المعيشي كانت الدافع بالنسبة لهن للقيام بأي عمل يخفف من الأزمة التي تعيشها تلك الأسر؛ فقررن إنشاء المبادرة.
تقول نظرة يحيى لمنصتي 30، إن “الفكرة تشكَّلت بينهنّ عندما كُنَّ في سنة أولى جامعة عام 2019 بإنشاء مبادرة تساعد المحتاجين والمتضررين من الحرب خصوصاً النازحين، قدر المستطاع”.
نشاط في الجامعة كان حافزاً لإنشاء المبادرة، عندما حث أحد الدكاترة الطلبة على عمل مبادرات إنسانية كي يكون لهم بصمة في المجتمع، وعلى إثر ذلك قامت الفتيات الأربع بعمل طبق خيري بإحدى المدارس واستهدفن خلالها 20 أسرة، حسبما تروي نظرة.
في يوليو/تموز 2021 تحولت الفكرة إلى واقع؛ إذ بدأت المبادرة النسوية نشاطها الذي لا يزال مستمراً حتى اليوم.
آليات
تعمل مبادرة “بلسم” بحدود الإمكانيات التي يتم جمعها عن طريق اشتراكات شهرية من الأشخاص المقربين من أعضائها إلى جانب مساهمين من عامة الناس.
“المبلغ الأساسي للمساهمة بدعم نشاط المبادرة 500 ريال (نحو نصف دولار) في الشهر، لكن هناك من يساهم بمبلغ أكبر عما هو محدد” تقول نظرة. وتؤكد أن المبادرة تحظى بتفاعل وتعاطف إنساني حقيقي، وأن ذلك يتجسد من خلال التزام المساهمين بدفع الاشتراكات بشكل منتظم سواء بطريقة مباشرة أو عبر الإيداع من خلال حساب مصرفي خاص بالمبادرة.
حتى سبتمبر /أيلول وصل عدد المساهمين في المبادرة 61 شخصاً واستفاد منها عشرات الأسر والأشخاص. وتتمثل الإغاثة التي تقدمها بـ “السلل الغذائية والأدوية ومساعدات مالية للمرضى وتوفير مصدر دخل كالقيام بتقديم ماكينة خياطة”، على سبيل المثال لا الحصر، وفقاً لنظرة، التي تأمل توسع نشاط المبادرة والوصول إلى أكبر عدد من الأسر المحتاجة.
وحول آلية التأكد من وضع الحالات المستهدفة، توضح بأنها تتم “من خلال البحث أو النزول الميداني أو عبر معلومات يقدمها المساهمين”.
أثر “عميق”
تركت المبادرة في نفوس الفتيات الأربع “أثراً عميقاً يُصعب وصفه” كما تحدثت رهام ثابت لمنصتي 30، وتضيف: “اهتماماتنا توسعت بعد أن كانت تنحصر حول أشياء محددة. نحن اليوم ليس كما كُنَّا بالأمس. روح المبادرة والعمل الجماعي أضاف لنا الكثير”.
وتصف أثر المبادرة على الأسر المستهدفة بأنه “إيجابي رغم أن الأشياء التي قُدمت لها ضئيله مقارنه باحتياجاتها”، حد تعبيرها.
وترى أن مبادرتهن تمثل نموذجاً عن الدور الإنساني للمرأة وإسهاماتها في المجتمع وتجسد مدى قدرتها على لعب أدوار مهمة.
إجراءات مُقترحة
أعداد النسوة اليمنية العاملات في المجال الإنساني ومجالات أخرى في تنامي مُطَّرد، وفقاً للباحث الاجتماعي عيبان السامعي، الذي يعيد التغيير في واقع المرأة إلى “إفرازات الحرب وتداعياتها على المجتمع اليمني”. لافتاً إلى أن الحرب تسببت في إفقار الغالبية الكاسحة من اليمنيين وتدهور الأجور والغلاء والتضخم؛ وعجز أرباب الأسر من الرجال في تأمين الاحتياجات الأساسية لأسرهم.
ويرى في سياق حديثه لمنصتي 30 أن “الواقع المأساوي” دفع المرأة اليمنية للانخراط الفاعل في سوق العمل والاضطلاع بالدور الذي أخفق فيه الرجال.
لم يكن هذا النمط من الأعمال للمرأة سائداً قبل اندلاع الحرب، ويرجع ذلك إلى “طبيعة النظام الأبوي السائد في المجتمع. والنظام الجائر الذي عمل ولا يزال يعمل على خنق المرأة بقيم تقليدية بالية ويحاصرها وينتقص من آدميتها ومن حقوقها”، كما يقول السامعي.
ويضع الباحث السامعي عدداً من الإجراءات لضمان استمرار هذا الدور الفعّال للمرأة على المدى البعيد، يتجسد ذلك في تعزيز مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار ومسارات السلام، إلى جانب إصدار قوانين ووضع سياسات من شأنها حماية النساء وفي مقدمة ذلك تجريم العنف القائم على النوع الاجتماعي والعمل على تكتيل كافة الجهود النسوية والمجتمعية ضمن رؤية شاملة وواضحة تهدف لإنهاء الحرب وتحقيق السلام في اليمن.