بعد مرور أربعين عامًا من عمرها، حصلت أروى محمد على هاتف حديث التقنية والإصدار، هدية من ابنها الأكبر، الذي يعمل محاسبًا في العاصمة السعودية، الرياض؛ لكن تجد هذه الأم صعوبة في التعامل مع الإنترنت، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تلجأ إلى إحدى فتيات المنطقة التي تعيش بها بمنطقة الضباب، ريف تعز الغربي، في كل مرة تريد مهاتفة ولدها “المغترب” عبر تطبيق “جوجل ميت”.
وتشكو أروى من عدم قدرتها على استخدام التكنولوجيا الحديثة للهاتف؛ فهي التي نشأت في محيط ريفي بعيدةً عن القراءة والكتابة، ومتابعة التطورات الرقمية.. الأمر الذي شكل فجوة معرفية لدى هذه الأربعينية.
“انشغلت بأمور البيت، وتربية أولادي واليوم أصبحت بحاجة أن يعلموني كيفية استخدام الهاتف” بهذه العبارة القصيرة تلخص أروى مستوى معرفتها الرقمية، خصوصًا أنها كانت ولا تزال تقضي وقتها في تدبير أمور المنزل والعائلة، وحياتها اليومية معزولة تمامًا عما يجري في العالم الخارجي من تطور الفضاء الرقمي.
وتقف جملة من الأسباب خلف أمية أروى، وعدم وعيها بعالم الإنترنت، وفضاء التواصل تتلخص في حرمانها من التعليم، ففي ثمانينيات القرن الماضي لم يكن المجتمع الريفي يدرك أهمية التعلم، وهذا ما يفسر علاقة المرأة بهاتفها المحمول، والتي لم تتجاوز النظر من بعيد، دون أن تعي استخدامه أو العمل عليه.
إلى جانب الحرمان من التعليم، تأتي العادات المجتمعية كواحدة من أهم أسباب تفشي الأمية الرقمية لدى النساء اليمنيات، فالعديد من أولياء الأمور يمنعون بناتهم من امتلاك الهاتف، أو استخدام الإنترنت بمبرر الحفاظ على أخلاق الفتاة، كما تقول المرأة.
عقدة الانفتاح
ليست أروى وحدها من تعاني عقدة الانفتاح الرقمي وصعوبة التعامل مع تكنولوجيا الأجهزة الحديثة، ووسائل التواصل، ففي الوسط الريفي يوجد مئات النساء اللواتي يتشاركن هذه الفجوة منذ عقود، نتيجة لعدم وعي المجتمع، وحرمانهن من التعليم، وغيرها من الأسباب التي تساهم في توسع دائرة الأمية، والأمية الرقمية.
يقول الصحفي نجم الدين المريري: “لعب الجهل دورًا في حرمان الفتاة من التعليم، وحصر وظيفتها على ربة المنزل، وهذه إحدى الصور التي صدّرها نظام الإمامة في فترة حكمه اليمن، لكن مع دخول التكنولوجيا انحسرت مسألة منع الفتاة من التعلم، وإن كان ذلك في المدن أكثر مما هو في الريف، حيث توسعت شبكة الإنترنت، وزاد عدد المستخدمين اليمنيين”.
كان من الطبيعي أن يجري تقليص معدل الأمية التعليمية خصوصاً مع التطور التكنولوجي، غير أن ما حدث عكس ذلك، تبعًا لحديث المريري، فإن تقليدية المقررات الدراسية أفرزت أمية رقمية وسط المجتمع الريفي، وبدلًا من أن تتغلب التقنية الرقمية وتساهم في تنمية الفتيات، وحصولهن على جرعة جديدة من التعلم الذاتي، اتسعت الفجوة الرقمية وتحولت إلى فوضى وشيء من السلبية، الأمر الذي قاد كثير من الأسر إلى حرمان الفتيات من أدوات التقنية، كالحاسب والهاتف.
وكثيرة هي قيود المجتمع التي تكبل المرأة، وتوسع هذه الفجوة، بحسب حديث المجتمعية عائدة أمين، التي أكدت لـ “منصتي 30” بأن عشرات الأسر تحظر استخدام برامج التواصل الاجتماعي، بداعي عدم الأمان، وأنها قد تتعرض للاختراق أو الاحتيال في أية لحظة.
قلة المال
تفيد بعض الدراسات البحثية في مجتمعات مشابهة أن هناك علاقة بين الفقر والفجوة الرقمية؛ فالعديد من فتيات الريف تحدثن لمنصتي 30، بأن قلة المال هي المشكلة التي كانت وما زالت عائقًا أمام مئات الريفيات.
تؤكد الريفية رقية خالد، أنها تمكنت من الالتحاق بالتعليم الجامعي، بتخصص علوم قرآن؛ لكن موضوع الكمبيوتر لم يكن ضمن المواد التي تعلمتها هذه الشابة خلال الفترة الجامعية، مشيرة إلى أن السبب الرئيسي في أميتها الرقمية، هو انعدام توفر المال، إذ أنها تجد صعوبة في الحصول على جهاز كمبيوتر، تبعًا لارتفاع السعر، وبالمقابل انخفاض مستوى الدخل لديها.
وبحسب الصحفي الاقتصادي “نبيل عبد الواسع” فإن الثروة والعوامل الاقتصادية تؤثر على قدرة المرأة على العمل بواسطة لغة البرمجة، وبمعنى آخر كلما ارتفع مستوى معيشة الفرد، زادت فرصة اكتسابه المهارات الرقمية؛ فالاستقرار المالي يُمكِّن الفرد من شراء أجهزة التكنولوجيا وكذلك الإنترنت والمشاركة في تدريبات مدفوعة الأجر، من أجل تعلم رقمية المهارات.
ويستخدم مصطلح “الفجوة الرقمية” في إشارة لنوع الاختلافات بين الجنسين في الموارد، والقدرات والاستفادة منها بصورة فعالة، وهذا ما يوضحه تقرير الأمم المتحدة، لسنة 2019، والذي يشير إلى أن الأسباب الجذرية للفجوة الرقمية بين الجنسين تتلخص في عقبات الوصول، والقدرة على تحمل التكاليف، وكذلك التعليم ونقص المعرفة التكنولوجية، إضافة إلى التحيزات المتأصلة، والمعايير الاجتماعية والثقافية التي تؤدي إلى الاستبعاد الرقمي القائم على نوع الجنس.
التوعية بالحلول
في أرياف اليمن، تواجه النساء فجوة ثلاثية، الرقمية، والريفية، والجنسانية، وعلى الرغم من أن الثورة التقنية قد أحدثت سلسلة من التغييرات، وسهلت فرصة التواصل مع الآخرين، إلا أنه لا يزال هناك العديد من أبناء المجتمع الريفي -لا سيما النساء- لا يستطيعون استخدام التكنولوجيا الحديثة.
وتعد الأمية الرقمية مشكلة عصرية، تعاني منها المرأة اليمنية، وغيرها من نساء الدول النامية والعربية، حيث تشكل عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا على التنمية.
ولسد هذه الفجوة، وتجاوز الأمية الرقمية، ثمة حلول وفقًا لمهتمين، تتمثل بضرورة إيجاد طرق لتمكين الفتيات والنساء من المشاركة في تصميم وبناء وقيادة المستقبل الرقمي، ورفع مستوى الوعي والتدريب المهني والاتصالات، كي يتسنى للمرأة الوصول إلى المعلومات، وتحسين عملية صنع القرارات، والتعليم الأفضل، وإتقان جديد المهارات الرقمية، واحتمال زيادة الدخل.
وتساهم التكنولوجيا في الحد من بعض الحواجز التي تواجه المرأة بما في ذلك الأمية، والفقر، ونقص الحركة والمعايير الاجتماعية والثقافية الأخرى، وتساعد في الوصول إلى المساواة، وتكافؤ الفرص بين الجنسين من خلال تحسين الصحة والتعليم، وزيادة الدخل.
إلى جانب ذلك، يرى البعض أن التعليم الإلزامي يقضي على الفجوة الرقمية بين الجنسين، باعتباره أمرًا حاسمًا لضمان مهارة الفرد، والكفاءات اللازمة؛ فيما يعتقد آخرون أن الترويج للمحتوى بما يتناسب مع المرأة العربية يكسبها مهارات رقمية من خلالها تستطيع معرفة حقوقها وتكون قادرة على مشاركة المجتمع اتخاذ القرار، والوصول إلى وظائف أكثر مهارة.
وبين هذه وتلك، يأتي تشجيع الفتيات للالتحاق بدراسة التخصصات المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا، والهندسة وزيادة اشراك المرأة في الأنشطة الابتكارية، والبرمجيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي خطوة جيدة قد تساعد في تحجيم الأمية الرقمية، فضلًا عن تنمية الاقتصاد، ورفاهية المجتمع، وتجسيد المواطنة الرقمية، بحسب اجتماعيين.