“استيقظتُ على عيادتي المُدمرة وشوارع خالية من الناس لا صوت فيها إلا الرصاص وقطاعات إدارية بلا موظفين فكان واجبي الإنساني هو إنقاذ الأطفال وهذا ما قمت به، هذه هي اللحظة التي صنعتني“.
صاحبة العبارة السابقة هي طبيبة الأسنان اليمنية إيلان محمد عبد الحق، التي تتولى حالياً منصب وكيلة محافظة تعز للشؤون الصحية منذ 2017. وتعد أول امرأة تصل إلى منصب كهذا في السلطة المحلية في تعز منذ 1962م.
خلال السنوات الثلاث الأولى من اندلاع الصراع في اليمن عام 2015، برز اسم إيلان من خلال نشاطها الإنساني والصحي، إذ عملت على نقل الأدوية إلى المدينة وإنقاذ الأطفال من خطر الإصابة الأوبئة.
“في تلك المرحلة كانت المدينة محاصرة فكان لديَّ مسؤولية يجب القيام بها وهي توفير اللقاح للأطفال وعدم انقطاعها حتى لا يصابوا بالأوبئة؛ ولكوني أم لأربعة أطفال ولعلمي بأهمية اللقاحات في حياة الأطفال (…) حرصت على توفير اللقاحات”، تقول إيلان لمنصتي 30.
وقتها كان من الصعب إدخال اللقاحات إلى المدينة كونها تتواجد في منطقة الحوبان (شرق المدينة) فضلًا عن أن الطرق الرئيسة مغلقة.
وتضيف: “كنّا ندخل اللقاح بطرق سرية بواسطة ترامس وننقلها إلى مستشفى المظفر وهو الوحيد الذي كان يقدم لقاحات حينها بينما بقية المستشفيات مغلقة”.
وجدت إيلان نفسها في “الميدان خلال فترة حرجة”، كما تصف، ونفذت العديد من الأنشطة في الجانب الصحي وسط “بيئة حرب” لا تهدأ.
“عملت على تزويد المستشفيات بمادة الديزل عن طريق منظمة الصحة العالمية وأرفد المستشفيات بالأدوية والأدوات الجراحية عن طريق الصليب الأحمر”، تتابع حديثها.
بالنسبة لإيلان فإن نشاطها وعملها في الميدان قادها إلى هذا المنصب.
التنشئة
ولدت إيلان في مديرية شرعب الرونة غرب محافظة تعز عام 1981م. تلقت تعليمها الأساسي والثانوي في مدرسة نعمة رسام إحدى أبرز مدارس تعز الحكومية. بعد أن أنهت دراستها الثانوية التحقت بجامعة بغداد في العراق لدراسة طب الأسنان؛ ثم عادت لاحقاً إلى مدينة تعز للعمل كطبيبة أسنان عام 2004.
عقب عودتها من بغداد لم يكن لديها طموحات إدارية بقدر أن تصبح طبيبة مشهورة “وهذا فعلاً تحقق”، تقول إيلان، وتضيف: “إلى جانب كوني طبيبة لدي هواية جمع قصص حول النساء والكتابة والتحليل الاجتماعي للأشخاص”.
في 2008 حصلت إيلان على وظيفة الحكومية. وبعد ثلاثة أعوام بدأت رحلتها في العمل المهني الإداري كمديرة لمركز اللقية الطبي ثم مديرة لمكتب الصحة في مديرية المظفر.
تجزم إيلان بأن نجاح المرأة مرتبط في الغالب بدعم الرجل لها؛ وهو ما حدث معها. إذ كان والدها هو الداعم الرئيس في حياتها منذ الطفولة “كنت في سن الخامسة ويسميني الدكتورة إيلان”.
تتذكر تنشئتها الأبوية قائلة: “زرع فيني التحدي والمثابرة وأن يكون لي كيان وشخصية مستقلة لا أخضع لضغوطات المجتمع والحياة”.
خلال فترة الحرب فقدت إيلان والدها وشقيقها ولم يكن أمامها خيار سوى الاستمرار في العمل ومواجهة التحديات.
وأضافت: “تعرضتُ لتهديدات متكررة بالتصفية لكن لم أستسلم وكنتُ شخصية مندفعة للعمل. لم يكن في قلبي أي خوف”.
أواخر يوليو 2018 نجت إيلان من محاولة اغتيال برصاص مسلحين غربي مدينة تعز، ولم تصب بأذى.
حلمٌ بتعديل القانون
عانت إيلان كثيراً خلال عملها كمسؤولة في بيئة يسودها غالبية الرجال، إذ كانت تلاحظ من خلال تعاملهم أنهم “غير مُتقبلين”.
تقول: “كانوا يستجيبون للتعليمات الصادرة مني لكن حقيقةً هم مستائين (….) فالرجل اليمني لم يتعود بعد أن تكون المرأة في موقع القيادة”.
وترى أن تنشئة المرأة في المجتمع بأن تصبح قائده ومسؤولة عن نفسها وعن قراراتها عامل مهم لوصولها إلى مناصب قيادية.
“فالمرأة إذا وجدت في حياتها رجل حقيقي سواء كان أب، أخ أو زوج يعرف قدرها لن تعجز أن تحقق أهدافها”، تضيف إيلان.
أما بشأن التمثيل الضعيف للمرأة في مناصب السلطة، تشير إلى أن “المجتمع والنظام السياسي والاقتصادي في اليمن بشكل عام لا يؤهل لصعود المرأة، بدليل أن الأحزاب السياسية تتغنى بدور المرأة لكن وقت التقديم لا ترشح المرأة”.
وتشكل النساء في اليمن 4.1% من جميع المناصب الإدارية، و 0.3% من أعضاء البرلمان و 4.1% من القوة العاملة في البلاد؛ في حين لا توجد وزيرات على الإطلاق، فيما يبلغ دخل المرأة 7% فقط من دخل الرجل وفقاً لمؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2021.
ترى إيلان أن مخرجات الحوار الوطني التي أقرت مبدأ الكوتا “كانت من أكبر انتصارات المرأة اليمنية ويعتبر منجز إذا تمسكنا به ستتغير حياة المرأة”.
وكانت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في الفترة من مارس/آذار 2013 إلى يناير/كانون ثاني 2014، قد نصّت على أن تشغل النساء نسبة لا تقل عن 30% في الهيئات التشريعية المنتخبة، ويضمن القانون تحقيق هذه النسبة، وهو ما يعرف بنظام “الكوتا”.
تأمل إيلان بأن تصل المرأة إلى مواقع قيادية وإحداث تغيير في الواقع اليمني. وبالنسبة لها فهي تحلم بأن تصل إلى موقع قرار تتمكن من خلاله التعديل في القوانين التي تخص حياة المرأة والطفل.
كما تنصح باستكمال المرأة للتعليم والاعتماد على نفسها اقتصادياً مع ضرورة امتلاكها القرار والحرية الفكرية.