وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
يؤكد الشاعر أحمد شوقي في هذا البيت أن بُغْية المرء وأمنياته لا تتحقق بمجرد التمنّي، وإنما بالجهد، والسّعي والمنافسة وهذا ما فعلته الناشطة والوسيطة المحلية وئام عدنان المقطري (30 عاماً) خلال سنوات سبقت ترشحها وفوزها برئاسة أول مجلس مجتمعي في محافظة تعز.
ترأس وئام وهي حاصلة على ليسانس في الحقوق وتمهيدي ماجستير في القانون العام منذ العام 2021 وحتى اليوم المجلس المجتمعي لمديرية صالة وسط مدينة تعز وتعد أول فتاة ترأس مجلساً مجتمعياً في هذه المحافظة الواقعة وسط البلاد.
وصول المحامية الشابة وئام بعد فوزها على منافسها بأغلب الأصوات إلى رئاسة المجلس المجتمعي والذي تم تشكيله ضمن المرحلة الثانية لمشروع سند الذي نفذته العام 2021 منظمتا مجتمع مدني في مدينة تعز بهدف دراسة النزاعات الحاصلة لأسباب خدمية ووضع معالجات لها والعمل على حلها بالتنسيق مع السلطات المحلية في مديريات المدينة.
نقلة
شكل نقطة تحول حقيقية في مسيرة حياتها ونشاطها المجتمعي و كما منحها فرصة حقيقية للعمل وإثبات نفسها وقدرتها مع غيرها من النساء على صناعة النجاح وإحداث التغيير وخدمة المجتمع وحل مشاكل الناس وتحمل مثل هذه المسؤوليات التي ظلت حكراً على الرجال منذ عقود كما تقول وئام لمنصتي 30.
تضيف وئام لمنصتي 30: “وصلت لرئاسة المجلس المجتمعي بعد بذل سلسلة من الجهود وخوض غمار العديد من الأنشطة في المجالات الإنسانية والحقوقية وخصوصاً المتعلقة بالمرأة إلى جانب تلقي دورات مكثفة في هذا الجانب”.
الأمر ذاته عده أقرانها النشطاء نجاحاً كبيراً واستحقاقاً لافتاً جسدت فيه وئام الإصرار الملحوظ على كسر الصورة النمطية والنظرة المجتمعية القاصرة والتي تحتكر مثل هذه الأدوار على الرجل فقط.
وئام من مواليد مديرية المقاطرة التابعة إدارياً لمحافظة لحج (تتبع تعز في التقسيم الإداري/السياسي قبل الوحدة اليمنية)، وتنتمي لأسرة بسيطة ومحبة للتعليم، بدأت العام 2018 في شق طريقها ولعبت دور الوساطة وحل النزاعات والخلافات المجتمعية وتقديم المساعدات للناس وحل مشاكلهم إلى جانب التنسيق مع السلطات المحلية ومساندتها في فعل ذلك.
تشكلت شخصية وئام في بيئة مليئة بالتعقيدات واستطاعت بتشجيع من أسرتها تخطي قيوداً تضعها التقاليد المجتمعية في طريق النساء اليمنيات وتحدد أدوارهن وتقصرها على مجالات معينة.
إصرار
وبالنسبة للطريقة التي كسرت بها الصورة النمطية وتجاوزت النظرة المجتمعية القاصرة تقول وئام: “أنا من عائلة لا تحجم دور المرأة ولا تحصرها في مجال معين، كما أن أسرتي دائماً تشجعني وتدفع بي نحو مواصلة المشوار، وهذا الأمر جعل مني شخصية قوية لا تتوقف عن خوض التجارب بسبب الخوف أو أي سبب آخر”.
تشير وئام إلى أن المجتمع وإن كان ينظر للمرأة بصورة نمطية فان إنجازاتها تجعله يؤمن بقدرتها ويتقبلها وهناك تجارب كثيرة لنساء ناجحات جعلن المجتمع يقف في صفهن من خلال تقديم خدمات. وعمل وساطات وتجارب هؤلاء النسوة ملهمة لي دائماً.
وتقول لمنصتي 30: “تأثرت في حياتي بالأشخاص الناجحين الذين تركوا بصمة في مجتمعاتهم وكذلك بالنساء الملهمات والقويات أياً كان عملهن ونشاطهن كما تشكلت شخصيتي من خلال الأنشطة الطلابية في المدرسة والجامعة إلى جانب المبادرات المجتمعية الشبابية”.
وفي حين لم تعد تتذكر موعد ولادة شغفها بالعمل المجتمعي تتذكر كيف نما ذلك في أعماقها وتذكر لمنصتي 30 “كنت أنجذب للأنشطة الشبابية وأنخرط في الأعمال التطوعية والعمل مع الفرق التي تقدم شيئاً مفيداً للمجتمع وقد ولد ميولي للنشاط المجتمعي في ظل تزايد احتياجات الناس، وتفاقم معاناتهم وضعف الخدمات، واتساع الفجوة التي خلفتها الحرب”.
محطات
خاضت وئام قبل اندلاع الحرب في العام 2015 غمار الأنشطة الطلابية والمبادرات الشبابية بشكل غير منظم ومع اندلاع الحرب انتقلت إلى العمل المؤسسي والأنشطة الطوعية حد تعبيرها.
وخلال الفترة التي سبقت ترؤسها للمجلس المجتمعي لمديرية صالة كثفت جهودها في العمل الميداني ونشطت كثيراً في خدمة المجتمع من خلال التوعية والتثقيف وإعداد المشاريع والبرامج وتنفيذها كما تقول وئام لمنصتي 30.
في الوقت ذاته تقدمت وئام للمشاركة في مشروع سند الذي نفذته منظمة شباب سبأ وتم قبولها، ومن ثم تلقت ضمن المرحلة الأولى للمشروع تدريبات مكثفة في حل النزاعات والوساطة وبناء السلام وكتابة مقترحات المشاريع وتنفيذها، وبعد انتهاء التدريب حصل المتدربون على منحة مالية لحل نزاع، وتنفيذ مشروع في منطقتي النزاع بمديرية صالة لاستدامة ذلك الحل.
وتأهلت فيما بعد للمرحلة الثانية وتبلورت لديها فكرة الترشح لرئاسة المجلس المجتمعي، وظفرت برئاسة المجلس بعد التنافس مع مرشح آخر والفوز عليه بمعظم أصوات زملائها الذين اختاروها ومنحوها ثقتهم، وهذا يرجع في نظرها لمعرفتهم المسبقة بها وأنشطتها وقدراتها.
تجربة
تقول وئام لمنصتي 30: “رئاسة المجلس المجتمعي ليس منصباً رسمياً وإنما هو عمل تطوعي، كما توضح أن المجلس كيان مجتمعي مكون من مجموعة ناشطين مؤثرين وعقال حارات وأعضاء في المجلس المحلي، ويقوم المجلس بعمل وساطات مجتمعية ورصد احتياجات مديرية صالة.
توليها رئاسة المجلس المجتمعي في مديرية صالة كان ومازال في نظرها تجربة رائعة وفريدة حيث تمكنت من خلال مهامها الجديدة من الاحتكاك بالمجتمع والعمل عن قرب مع المواطنين ومعايشة مشاكلهم وهمومهم والتواجد في أوساطهم والتعرف على صناع القرار في المديرية والتعاون معهم في حل المشاكل والنزاعات القائمة على أساس خدمي.
وتقيس وئام النجاح الذي حققته بتوليها رئاسة المجلس بنجاح المجلس ذاته في أداء مهامه، وتسيير دفة أعماله وقيادة فريقه بكل انسجام، والعمل كفريق واحد رغم تنوع أعضائه واختلاف أطيافهم وأفكارهم وثقافاتهم وأعمارهم وهذا بحد ذاته أكبر إنجاز كما تقول.
أدوار
ويعد المجلس المجتمعي في مديرية صالة أحد مخرجات مشروع سند، وهذا الأخير صمم منذ البداية لرصد وتقييم الاحتياجات وحل النزاعات، وقد قام المجلس في العام 2021 بعمل مسح ميداني في مديرية صالة للتعرف على أهم النزاعات الموجودة في المنطقة، وأعد دراسة رصد فيها تلك النزاعات وأسبابها وأطرافها ووضع الحلول الممكنة لها.
وفيما بعد تدخل المجلس الذي ترأسه وئام في حل النزاع القائم على خلفية طفح المجاري وقام بإصلاح شبكة مياه الصرف الصحي في منطقة المنجرة، والمحطة، كما عقد المجلس عدة جلسات حوارية لحل النزاعات القائمة في مديرية جراء ضعف الخدمات وهذا أكسب المجلس ثقة عقال الحارات في المديرية، وأصبح الكثير منهم على تواصل مستمر بالمجلس والذي يرجعون إليه في حال وجود قضية ما، كما تذكر وئام.
تتعدد مهام ومسؤوليات وئام التي تقوم بصفتها رئيس المجلس، مثل كتابة مقترحات المشاريع ورفعها للجهات المانحة، ويأتي ذلك عقب رصد الاحتياجات والمشاكل كما تعمل على إدارة الفريق وتنظيم العمل وتوزيع المهام، فضلاً عن التنسيق مع السلطة المحلية وعقد لقاءات مع عقال الحارات في مديرية صالة والتشبيك مع المؤثرين في المديرية من شباب ومنظمات وسلطات محلية.
تقود وئام جهود الوساطة بأشكال متعددة ولكونها محامية غالباً ما تعرض عليها نزاعات وتقوم بحلها بصفة شخصية، أما بصفتها رئيسة للمجلس فإنها تقوم مع فريقها بحل النزاعات الموجودة في المجتمع بسبب ضعف الخدمات وترديها. ومن بين النزاعات والمشاكل التي تدخلت فيها وعملت على حلها فض النزاع الحاصل بين سكان حارتي المحطة والمنجرة ونزاع آخر بين المقيمين في حارة المحطة والأرجم بمديرية صالة، وهي نزاعات سببها نقص الخدمات وترديها.
آفاق
السير في هذا الدرب ليس مفروشاً بالورود، وعادة ما تعترض وئام صعوبات لعل من أبرزها معارضة بعض الأشخاص للحلول التي تقترحها أحياناً، وذلك بدافع شخصي، و آخر قائم على النوع الاجتماعي، ومع ذلك تقول وئام لمنصتي 30 “هناك ايضاً أشخاص كثيرون يؤمنون بالأفكار والأطروحات التي أقدمها وينتقدونها بشكل بناء إذا كان فيها أي قصور”.
وفيما يتعلق بالأثر الذي أحدثته وئام في أوساط المجتمع بمديرية صالة تذكر وئام “إلى جانب حل النزاعات بين الناس وخلق بيئة صحية توطدت العلاقة بين المجلس وسكان المنطقة وزادت ثقتهم بي، وهذا جعلهم على تواصل مستمر بي في حال واجهتهم مشكلة أو احتياج أو نقص في الخدمات”.
ولا يتوقف طموح وتحركات وئام عند هذا الحد إذ تعمل حالياً على “تشكيل شبكة مكونة من تحالفات ومبادرات نسوية وإضافة أعضاء جدد من المؤثرين إلى المجلس المجتمعي ومواصلة أنشطة حل النزاعات المجتمعية واستدامتها وتقديم الخدمات للمجتمع”، كما تقول.