قمع المشاعر الذكورية الإيجابية التعبير الكبت الطفل
article comment count is: 0

قمع المشاعر.. جذور العنف في المجتمع اليمني!

(أنت رجل) تُردد هذه العبارة على مسامع الطفل منذ نعومة أظفاره ليقمع من التعبير عن مشاعر الألم أو الحب أو الغضب وينظر المجتمع التقليدي، في اليمن إلى التعبير عن المشاعر والعواطف  أنه ضعف أو نقص في الرجولة.

وتعد الاستهانة بالتعبير عن المشاعر الإنسانية من أبرز معززات الذكورية السامة؛ يتجلى ذلك بالسلوكيات والمعتقدات التي تعزز الهيمنة، القمع، والعدوانية كصفات ضرورية للرجولة.

وكل ما نراه اليوم من مظاهر العنف الذكوري، والسطو على ممتلكات الغير، وانتهاك الحقوق ما هو إلا نتيجة لممارسات أسرية ومجتمعية كبتت أجيال ومنعتهم عن التعبير عن مشاعرهم.

التنشئة الاجتماعية 

تُوَرث الذكورية السامة في المجتمع اليمني بقصد وبلا قصد، يبدأ هذا التوريث من خلال التنشئة الاجتماعية حيث يقمع الطفل من البكاء بحكم أنه رجل أو بانتزاع حقه بالقوة لذات السبب أو التعبير عن الحزن أو الخوف، واعتباره أمرًا غير رجولي.

للحديث أكثر حول هذا تحدثت الدكتورة زينب الأسدي -اختصاصية نفسية في اتحاد نساء اليمن لمنصتي 30– وقالت: “هناك علاقة وثيقة بين قمع المشاعر في الطفولة وتطور السلوكيات العدوانية والانعزالية لدى الرجال في البلوغ، الحرمان من التعبير عن المشاعر يمكن أن يؤدي إلى إسقاطه على الآخرين بطريقة خاطئة”.

تضيف الأسدي: “قمع العواطف السلبية كالحزن والخوف لدى الرجال ينتج عنه تعزيز سمات كالعدوانية وكبت المشاعر، وهذا يجعلهم يجدون صعوبة في التعامل مع أنفسهم وقد يقومون بسلوكيات تؤثر عليهم وعلى الاخرين”.

يمتد تأثير التنشئة الاجتماعية إلى الكبر، حيث يجد الرجل أن لديه قاموس من المصطلحات الجافة التي لا يستطيع استخدامها للتعبير عن مشاعره أمام من يحب، لخلوها من المفردات الرومانسية، لذا يحاول إثبات رجولته أمام العامة من خلال استخدام كلمات خشنة، وهذا ما ينطبق على المجتمع ككل ويصبح مجتمعاً خشناً.

انتزاع العاطفة

الاستهانة بالتعبير عن المشاعر لها تأثير عميق على الأفراد والمجتمع عامةً، حيث يؤدي قمع العواطف إلى زيادة مشاعر الغضب والإحباط، والتي غالبًا ما تتحول إلى سلوكيات ضارة بالمرأة داخل المجتمع ككل. حول هذا المحور تتحدث لمنصتي 30 الاختصاصية الأسرية نوف طاهر المطري: “تؤدي الأخطاء التربوية إلى تشويهات نفسية وتطال الذكور والإناث على حدٍ سواء، من هذه الأخطاء قمع ما تمليه الفطرة الإنسانية كالتعبير عن مشاعر الحزن والحب والجمال كالبكاء والضحك والصراخ بذريعة أن من العيب أن يبكي الرجل أو من العيب أن تضحك المرأة بصوت مرتفع”.

وتكمن الخطورة بانتزاع العاطفة من المجتمع في أن المجتمع المنزوع عاطفته يسهل على الإرهاب اقتحامه وتجنيده بخاصة فئة الشباب واليافعين، فالعاطفة والتعبير عنها هي القاعدة التي يرتكز عليها الترابط الاجتماعي.

تحدي ثقافي

يؤدي قمع العواطف إلى زيادة مشاعر الغضب والإحباط، والتي غالبًا ما تتحول إلى سلوكيات ضارة، مما يحتم  مواجهة هذا التحدي الثقافي والعمل على تعزيز بيئة اجتماعية وصحية تتيح للجميع التعبير عن مشاعرهم بشكل صحي وآمن؛ و تختم نوف طاهر حديثها لمنصتي 30: لابد من معرفة أن تعبير الرجل عن مشاعره بلطف كالبكاء والحب من الفطرة السوية والتوازن الإيجابي وأن اختلال هذه الفطرة وقمعها يؤدي إلى أمراض نفسية وجسدية واختلالات أسرية ومجتمعية تصل إلى  انتشار الجرائم.

يتوافق حديث نوف مع الدكتور عبد الكريم غانم أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن، حيث يرى أنه “عندما لا يُسمح للفرد بالتعبير عن عواطفه، تتأثر علاقات أفراد المجتمع ببعضهم، فيسود النفاق، بدلًا من المصارحة، والكذب بدلًا عن الصدق، ورغم أن هذه المشكلة يعاني منها الكثير من أفراد المجتمع، نساءً ورجالًا، إلا أنها تترك تأثيراتها النفسية والجسدية على المرأة بشكل أكثر وضوحًا، لأن مقدار  الممنوعات التي لا تستطيع النساء الافصاح عنها أكبر، وفي حال قررت المرأة تحدي الأمر الواقع، والإفصاح عن مشاعرها، فقد تصطدم بضعف الحماية المتاحة لها، ولا يتوقف تأثير عدم السماح بالتعبير عن المشاعر عند اعتلال الصحة النفسية والجسدية، بل يؤدي إلى التأثير على العلاقة بين الجنسين، وبالتالي المجتمع ككل، ولا تُدرَك العواقب النفسية والاجتماعية للكبت”.

ويضيف: “من المهم أن يدرك الأفراد، نساءً ورجالًا، أنهم يعانون من هذه المشكلة، بهذا القدر أو ذاك، ليتمكنوا من التعايش معها، ويحاولوا ممارسة عسكها، وإذا كان من الصعب عليهم القيام بذلك، فمن المهم أن يمارسوا التنفيس عن العواطف، من خلال قراءة القصص والروايات والتعاطف مع شخصياتها، والاستماع للموسقى، للحد من  التأثيرات الضارة لحالة عدم التعبير عن المشاعر”.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً