في غرفة الانتظار لعيادة خاصة بالنساء والتوليد تنتظر العشرينية (ن. ج .هـ) دورها للدخول إلى طبيبة النساء والتوليد، لتشخص حالتها حول سبب تأخرها عن الحمل، ولم تكن هذه أول زيارة لها حسب قولها، فقد زارت قبلها طبيبات كُثر.
تقول ن.ج.هـ: “تزوجت من عامين وإلى الآن لم أحظَ بفرصة للحمل، الأمر الذي عرضني لضغوطات من عائلة زوجي وعائلتي فالجميع أصبح يسألني عن سبب تأخر حملي”.
مُضيفةً: “عملت فحوصات كثيرة، وجميعها توضح أني لا أعاني من أي مشكلة صحية، وفي كل مرة أزور بها الطبيبة تطلب مني فحوصات طبية خاصة لزوجي ولكني لم أستطع إقناعه بإجراء هذه الفحوصات بحجة أن فحوصاته غير ضرورية وأن ذلك أمر خاص بالنساء فقط”.
تعكس هذه القصة معاناة النساء اليمنيات في مواجهة رفض أزواجهن لإجراء فحوصات الإنجاب حيث يعتبر المجتمع اليمني قضايا الخصوبة والإنجاب من أكثر المواضيع حساسية نتيجة لتداخل عدد من العوامل الاجتماعية والثقافية، الأمر الذي يعرض النساء في اليمن لضغوطات كبيرة نتيجة توقعات المجتمع حول الإنجاب، مما يؤدي إلى لومهن في حال تأخر الإنجاب.
ترى الناشطة الاجتماعية أروي الضالعي أن قضايا الإنجاب وتأخره من الموضوعات الحساسة في المجتمع اليمني بشكل عام، وفي الأرياف بشكل خاص حيث ينظر أفراد المجتمع إلى الإنجاب كواجب أساسي على المرأة، ويعتبر النساء المسؤولات عن الحمل، الأمر الذي يعرضها للانتقادات والتهميش بحالة التأخر في الحمل”
تتحدث لمنصتي 30: “تلعب الثقافة المجتمعية اليمنية، والأعراف والتقاليد دور كبير في جعل المرأة عرضة للوم على عدم الإنجاب أكثر من الرجل”.
مضيفة، “يعتقد البعض من الرجال أن إجراء الفحوصات الطبية الخاصة بالخصوبة مساسًا برجولته، ودليل للضعف ويرى البعض منهم أن الفحوصات غير ضرورية، وأن المشكلة تقع بالكامل على عاتق المرأة نتيجة لقلة الوعي حول صحة الإنجاب وأهمية الفحوصات”.
وأشارت في حديثها إلى أن خوف الرجل من النتائج السلبية للتشخيص سبب رئيسي لرفض إجراء الفحوصات، وقد تدفعهم هذه المخاوف إلى تجنب الموضوع بالكامل.
موضحة أن هذا الرفض يمثل تحديًا كبيرًا أمام المرأة، يمكن أن يؤدي إلى توتر العلاقات الزوجية وفقدان الثقة بين الزوجين نتيجة الضغوط الاجتماعية إضافة إلى ذلك فقد يتسبب لوم المجتمع للمرأة على تأخر الإنجاب بتأثيرات نفسية نتيجة شعورها بالعزلة الأمر الذي يعرضها للقلق والاكتئاب.
تخص الزوجين معاً
تعد مشكلة تأخر الإنجاب والعقم إحدى المشاكل العالمية، حيث أشارت منظمة الصحة العالمية في تقرير صادر لها في العام 2023م إلى أن هناك أعداد كبيرة من الاشخاص يعانون من العقم وبنسبة 17.5%، ووفقاً لاختصاصي النساء والتوليد والعقم فإن هناك عدد من الفحوصات الأساسية التي يجب على المرأة والرجل القيام بها معاً في ظل علاقة زوجية طبيعية ومستمرة دون أخذ أي موانع للحمل.
تقول ابتسام محسن اختصاصية نساء وتوليد: “تعتبر مشكلة تأخر الإنجاب من المشاكل الصحية الشائعة ويرجع ذلك إلى عدداً من الأسباب متعددة العوامل أبرزها العوامل البيولوجية، والبيئية، والنفسية”.
مضيفة: “قد تتسبب بعض من المشاكل الصحية للزوج والزوجة بتأخر الإنجاب حيث تؤثر مشاكل في التبويض أو جودة الحيوانات المنوية على القدرة على الحمل، إضافة إلى ذلك فإن الأنظمة الغذائية الغير متزنة والممارسات اليومية الخاطئة تؤثر بشكل سلبي على الخصوبة والصحة الإنجابية”.
وتتابع حديثها: “بقع اللوم بتأخر الإنجاب بشكل عام على المرأة ويرفض بعض الرجال إجراء الفحوصات الأساسية وتختلف ردة فعل الأشخاص تجاه تأخر الإنجاب من شخص إلى آخر ويعتمد تقبله أو رفضه على شخصية وتجربة الشخص الخاصة في الحياة وقدرته على التعامل معها وهناك من يحمل مستوى عالي من الوعي والقبول بضرورة الفحص للطرفين لتشخيص سبب التأخير”.
وعي و أمل
واجهت أفراح محمد الكثير من الضغوطات المجتمعية والنفسية بسبب تأخرها في الإنجاب لمدة عشر سنوات، وبالرغم من ذلك لم تفقد الأمل وحاولت عدة محاولات لإقناع زوجها بإجراء الفحوصات الخاصة بالخصوبة. تقول: “عشر سنوات وأنا أحلم بأن أكون أم، زرت طبيبات واختصاصيات وأكدن أنه لا توجد لدي أي مشكلة صحية تمنعي من الحمل، تلقيت الكثير من النصائح لاستخدام علاجات شعبية والذهاب إلى عيادات التمريخ والتدليك، ولكن دون جدوى وبقيت في نظر عائلتي وعائلة زوجي تلك المرأة الغير صالحة للإنجاب الأمر الذي وضعني في موقف صعب وعانيت بسببه نفسيًا”.
مضيفة: “لم أستسلم، وأصريت على موقفي واستطعت أن أقنع زوجي بعد الكثير من المحاولات بإجراء الفحوصات، وبعد التشخيص والعلاج رزقني الله بثلاثة أطفال والحمد الله”، وأكدت في حديثها أن الوعي بأهمية الصحة الإنجابية وتغير النظرة التقليدية خطوة اساسية لتخفيف الضغط على النساء وإلقاء اللوم عليهن بتأخر الحمل.
تشجيع ودعم
تقول أروى الضالعي: “مشكلة ربط تأخر الإنجاب بالمرأة ورفض الرجل عمل الفحوصات اللازم يتطلب جهوداً جماعية لخلق بيئة أكثر دعمًا وتفهمًا للنساء، و يجب على المجتمع أن يتفهم أن تأخر الإنجاب قد يكون ناتجًا عن أسباب طبية أو شخصية”.
مضيفة: “يمكن تحسين الوضع وتحقيق نتائج إيجابية للصحة الإنجابية من خلال تعزيز الوعي حول أهمية الفحوصات الطبية للخصوبة عن طريق تنظيم ورش عمل، وندوات تعليمية تشجع الأزواج على اتخاذ خطوات إيجابية نحو الفحص والعلاج، إضافة إلى ذلك يجب أن يتم توفير الدعم النفسي اللازم للرجال والنساء وتقديم مشورات زوجية لتعزيز التواصل بين الزوجين ومعالجة التوترات الناتجة عن رفض الفحوصات”.