تشكل القصص الشعبية جزءًا أصيلًا من التراث اليمني، حيث تُروى شفهيًا لتنتقل من جيل إلى آخر، متضمنة أساطير وحكمة تعبر عن الهوية اليمنية وتجاربها عبر العصور. تعد هذه الحكايات مصدر إلهام ودعم نفسي للنساء في اليمن. ورغم توثيق بعضها في كتب مثل “معتقدات وعادات شعبية من بلاد يافع” و”العادات والتقاليد في حجة”، إلا أن التطور الإعلامي وتراجع الروايات الشفوية يهددان باندثار هذا التراث.
مرآة تاريخية وثقافية
وتُعتبر المرأة عنصرًا أساسيًا في القصص الشعبية اليمنية، حيث تُظهر قصصها قوتها وذكاءها في مواجهة التحديات المجتمعية. تلعب دور الحامية للأسرة وتساهم في صنع القرار، بينما تُبرز القصص القيم الأخلاقية مثل أهمية الخير والكرم. تعكس هذه الحكايات روح التعاون والشجاعة، وتعزز الهوية الثقافية اليمنية وتأثير المرأة على الأجيال المتعاقبة.
تشير الدراسات إلى أن التنوع الجغرافي في اليمن يعزز من ثراء القصص الشعبية، حيث تختلف خصائصها بين الصحراء والساحل، والسهل والجبل، مما يعكس تجارب الحياة في كل منطقة. الباحث حسين سالم الوحيشي يوضح أن هذه القصص تعكس تأثير البيئة على حياة المرأة اليمنية ونظرتها للعالم، إذ تتناول تفاصيل الحياة اليومية مثل الزراعة والصيد، بالإضافة إلى حكايات شخصيات تاريخية مثل بلقيس وسيف بن ذي يزن، وقصص القبائل وصراعاتها. هذه القصص تعزز روح الانتماء وتؤكد على دور التراث الشعبي في توثيق تجربة المجتمع.
وأضاف حسين الوحيشي أن “القصص الشعبية اليمنية تتناول تاريخ الملوك والملكات مثل سيف بن ذي يزن والملكة بلقيس، وتبرز شخصيات مثل عنتر وعبلة. كما تشمل القبائل مثل بني هلال وقصصًا كالدودحية، بالإضافة إلى دور الشاعرات”.
تظهر هذه القصص أيضًا دور المرأة في السياقات الفكرية المتنوعة في اليمن، وتتناول مواضيع مثل الخبز والحب والزراعة، وتأثيرها على حياة الناس. وأكد الوحيشي أن هذا التراث الشعبي يعكس تجارب النساء ويعزز من دورهن في المجتمع.
أثرها على العلاقات الاجتماعية للمرأة
تلعب الحكايات الشعبية دورًا محوريًا في حياة النساء اليمنيات، إذ تمثل وسيلة للهروب من الواقع اليومي الضاغط، وتغذي الخيال لدى المستمعين. اعتادت النساء، خاصة الأمهات والجدات، على سرد القصص للأطفال في جلسات مسائية، بينما يقمن بأعمالهن اليومية المعتادة. في هذه الجلسات، يتعرف الأطفال على عوالم خيالية تُنصف الخير وتبرز انتصارات الضعيف الذكي، ما يعزز لديهم مبادئ الأخلاق والشجاعة.
تؤدي القصص الشعبية دورًا محوريًا في توطيد العلاقات الاجتماعية، إذ تحمل بين طياتها رموزًا تعزز روح التعاون والإخاء. فهذه الحكايات ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل تجسد أخلاقيات المجتمع اليمني وتبرز أهمية القيم الاجتماعية مثل العدالة والكرم، مما يعزز التماسك الاجتماعي ويحد من مشاعر العنف والإحباط.
وتشير الأبحاث إلى أن هذه القصص تشكل متنفسًا نفسيًا للنساء اللاتي يشاركن في سردها. وهو ما يؤكده الباحث حسين الوحيشي، قائلا: “هناك علاقة وثيقة بين قمع المشاعر في الطفولة وتطور السلوكيات العدوانية والانعزالية لدى الرجال، بينما تمثل القصص الشعبية للنساء وسيلة للهرب من ضغوط الحياة اليومية وتعزيز مشاعر الأمل”.
وصرح الناشط الثقافي أحمد البغدادي لمنصتي 30 أن “القصص الشعبية اليمنية تلعب دوراً مهماً في تنمية القيم والثقة بالنفس لدى النساء، حيث تعكس تجاربهن وتساهم في بناء الوعي الاجتماعي والنفسي لديهن. واستحضار هذه القصص يعزز من مرونة النساء وقدرتهن على تجاوز الأزمات، خاصة في البيئات التي تعاني من تحديات ثقافية واجتماعية”.
وأضاف: “تستند الحكايات في القصص الشعبية اليمنية إلى الخيال وتوثق القيم الأخلاقية، وتلعب القصص دوراً كبيراً في تعزيز القيم والسلوكيات الإيجابية لدى الأطفال من خلال تلقيها من النساء”.
المرأة كحامية للموروث الشعبي
تلعب المرأة اليمنية دورًا حيويًا في الحفاظ على القصص الشعبية ونقلها للأجيال الجديدة، حيث تشكل هذه الحكايات جزءًا من هويتها الاجتماعية. وتساهم النساء في ترسيخ القيم الأخلاقية في المجتمع من خلال تقديم نماذج إيجابية تعزز الكرم والشجاعة.
يقول الوحيشي إن “القصص الشعبية تمثل وسيلة للنساء للهرب من واقعهن، وتعكس تجاربهن القاسية، كما تُظهر صمودهن وقوتهن”. وأبرز أن جزءًا مهمًا من جوانب القصة الشعبية يكمن في الأغاني التي تؤديها النساء، حيث تحتوي على قصص ثمينة من التراث الثقافي، مما يعزز من قيمة هذه الحكايات.
تظهر هذه الأغاني معاني الصبر والتحدي، وتدين الظلم، وتحفز الأمل. وشدد الوحيشي على ضرورة دعم المرأة اليمنية وتمكينها، لضمان استمرار هذا الإرث الثقافي، مؤكدًا أن الأغنية الشعبية تعكس هوية اليمن وتعد رمزًا لصمود وإبداع المرأة.
الأثر النفسي للقصص على المرأة
تعد القصص الشعبية عاملًا هامًا في تقديم الدعم النفسي والعاطفي للنساء في اليمن، حيث يوفر التماهي مع شخصيات القصص الشعبية متنفسًا يساعدهن في التغلب على ضغوط الحياة.
بحسب ما يؤكده الناشط الثقافي أحمد البغدادي، فإن الخبراء في علم النفس لطالما أكدوا على أهمية القصص الشعبية في تشكيل الهوية النفسية للنساء وتعزيز قدراتهن على مواجهة تحديات الحياة.
وتطرق حسين الوحيشي إلى معاناة المرأة اليمنية كما تجسدها الأغاني الشعبية، مشيراً إلى قصص مؤثرة تعبّر عن تحديات اجتماعية وإنسانية بعمق وصدق. فقد تناولت الأغاني الشعبية مثل “الدودحية” و”أشكي لمن و “نجيم الصبح” و”يا بابور جباني” قصصاً تروي حكايات من الواقع المرير، سواءً كانت قصص الحب والفوارق الاجتماعية أو الشوق والاغتراب والهروب من الحياة الريفية.
أكد الباحث الوحيشي أن القصص الشعبية اليمنية تؤثر إيجابيًا على المرأة نفسيًا، حيث تعزز صمودها ومرونتها في مواجهة التحديات، وتساعدها على التغلب على الصعوبات. كما تساهم هذه القصص في تشكيل هويتها وتوفير دعم عاطفي من خلال عناصر الحب والأمل.
وأشار إلى أن “تأثير الحروب الأهلية زاد من معاناة المرأة، حيث تحملت أعباء الفقد في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية. وتعتبر الأغاني الشعبية توثيقًا لمعاناتها، تعكس جراح الأمة وآمالها عبر الأجيال”.
وشدد على “أهمية تمكين المرأة للمشاركة في بناء الحاضر والمستقبل من خلال تعزيز الثقافة الشعبية، وحرية التعبير عبر وسائل الإعلام”. واختتم بالتأكيد على “ضرورة التكاتف لمواجهة التحديات الثقافية التي تعاني منها نساء العالم الثالث، وضرورة دعم النهضة التعليمية والمشاريع الصغيرة للمرأة”.
فعلا القصص مأتره جدا في حياتنا