article comment count is: 0

ما وراء الكاميرا.. لماذا تغيب المرأة اليمنية عن كواليس الدراما؟

شهدت الدراما اليمنية تطوراً ملموساً في السنوات الأخيرة، حيث استطاعت شركات الإنتاج تقديم أعمال تنافسية تعالج قضايا المجتمع، بما فيها قضايا المرأة، رغم تحديات الحرب وضعف الإمكانيات. لكن بعيداً عن الأضواء والشخصيات التي تظهر على الشاشة، تبرز تساؤلات حول واقع من يصنع هذه الأعمال: أين هي المرأة اليمنية اليوم في خارطة صناعة الدراما؟

في هذا التقرير، نسلّط الضوء على واقع تمثيل النساء في المهن الفنية والتقنية خلف الكاميرا، من خلال تحليل بيانات أربعة من أبرز المسلسلات التي عُرضت في رمضان 2025م “دروب المرجلة 2“، “طريق إجباري“، “الجمالية“، و “درة“، لنقرأ بالأرقام حجم الفجوة بين الجنسين في هذه الصناعة الإبداعية.

الكتابة | حين تكسر المرأة احتكار السردية

تُشكل الكتابة (القصة، السيناريو، والحوار) في العمل الدرامي الهيكل الأساسي والروح للعمل الفني، وهو ما يعكس أهمية تواجد المرأة في هذا الجزء من العمل الدرامي، وبالنظر إلى البيانات التي تم تحليلها من خلال الأربعة الأعمال الدرامية الأخيرة، نجد أن المرأة كان لها حضور لافت في الكتابة حيث بلغت نسبة تمثيلها الإجمالية. 37.5% من إجمالي فرق الكتابة. ففي مسلسل “الجمالية“، كانت الكاتبة نور ناجي هي الكاتبة للعمل، وفي مسلسل “طريق إجباري” عملت يسرى عباس في كتابة سيناريو وحوار المسلسل. هذا الحضور، وإن لم يكن كاسحاً، إلا أنه يمثل اختراقاً نوعياً لاحتكار السردية.

“لما تكون المرأة هي اللي كاتبة عن قضية معينة، تكون ملمة بالأمر أكثر، التفاصيل العميقة تفرق كثير في تجسيد الشخصية وخدمة القضية”، تقول الممثلة عبير عبدالكريم، التي ترى أن وجود كاتبات يمنح الشخصيات النسائية مزيدًا من العمق والواقعية.

الشكل البياني التالي يوضح نسبة تواجد المرأة في الكتابة في الأربعة المسلسلات:

الإخراج | حضور نسائي شبه غائب

يُظهر تحليل بيانات الإخراج في الأعمال الدرامية الأربعة أن المرأة تكاد تكون غائبة تمامًا عن هذا المجال. فمن بين 16 مخرجًا ومساعد مخرج، كانت هناك امرأة واحدة فقط، وهي رانية عبود، التي شاركت كمخرجة مساعدة في مسلسل “طريق إجباري“. أي أن نسبة مشاركة النساء في الإخراج لا تتعدى 6%، وفي مسلسل واحد فقط فيما غابت المرأة بشكل كلي في المسلسلات الأخرى كالجمالية، ودروب المرجلة، ودرة.

تعتقد المخرجة السينمائية سارة ساري أن غياب النساء عن مواقع اتخاذ القرار يؤثر بشكل مباشر على جودة الدراما اليمنية، وتقول: “الأعمال ما فيها إحساس، ولا روح، ولا إبداع… لأن ما فيش عنصر أنثوي في مراكز القرار”.

الشكل البياني التالي يوضح نسبة مشاركة النساء في الإخراج في الأربعة المسلسلات:

التصوير والإضاءة | غياب تام للنساء

تكشف البيانات عن غياب كامل للنساء في قسم التصوير والإضاءة في المسلسلات الأربعة التي تم تحليلها. من بين 39 شخصًا يعملون في هذا المجال، لم تسجّل أي مشاركة نسائية، مما يعني أن نسبة التواجد النسائي كانت 0%. حيث مازال هذا المجال مغلقًا تمامًا أمام النساء، سواء بسبب طبيعته التقنية أو لأسباب مجتمعية تتعلق بالنظرة النمطية للأدوار المهنية.

الشكل البياني التالي يوضح نسبة مشاركة النساء في مجال التصوير والإضاءة:

الملابس والأزياء، والمكياج | حضور بارز في مساحة نمطية

من خلال تحليل بيانات الأربعة المسلسلات نجد أن حضور المرأة كان الأكبر مقارنة ببقية الأقسام الفنية، حيث بلغ عددهن 9 من أصل 26، أي بنسبة تقارب 35%. هذا الحضور يظهر بشكل واضح في مسلسلات مثل “درة” و”الجمالية“، حيث تساوت نسبة النساء والرجال 50%، بينما انخفضت في “طريق إجباري” و”دروب المرجلة 2” إلى 25%. وعلى الرغم من أن هذه النسبة تمثل تقدماً نسبياً مقارنة بالأقسام الأخرى، إلا أن تمركز النساء في هذا النوع من المهام مثل المكياج، والملابس والإكسسوارات المتعلقة بالنساء، قد يعكس استمرار النظرة النمطية التي تحصر النساء في وظائف يُنظر إليها اجتماعيًا كامتداد لأدوارهن التقليدية، في الوقت الذي تُستبعد فيه النساء من أقسام مثل الإخراج والتصوير، يبدو هذا القبول في أقسام الملابس والمكياج وكأنه ناتج عن تصور مجتمعي بأن هذه المجالات “تناسب المرأة”، وليس بالضرورة نتيجة لإيمان فعلي بقدرتها على المشاركة الفنية الكاملة.

“النساء الآن يشتغلن بجانب زملائهن، في الميك آب، في الأزياء، وحتى في الكلاكيت والراكور، قبل ثلاث أو أربع سنوات، لم يكن موجودات بهذا الشكل”، تقول الممثلة عبير عبدالكريم، معتبرة أن الحضور النسائي بدأ يتوسع خلف الكواليس، ولو في مجالات محددة.

الشكل البياني أدناه يوضح نسب مشاركة النساء في قسم الملابس والازياء، والمكياج عبر المسلسلات الأربعة:

الموسيقى والغناء | الصوت الأنثوي حاضر

يُعد قسم الموسيقى والغناء ثالث أكثر الأقسام حضورًا للنساء بعد قسم الكتابة، والأزياء والمكياج، حيث بلغت نسبة مشاركة النساء فيه 13.2% من إجمالي المشاركين. ففي مسلسل “طريق إجباري” شاركت الفنانة أماني في غناء بعض المقطوعات الغنائية، وعُلا الناصري في أغنية شارة البداية، أما في مسلسل الجمالية فقد شاركت الفنانة فاطمة مُثنى في غناء الشارة، وفي مسلسل درة شاركت الفنانة وسن عز في غناء مقطوعات غنائية، فيما شكّلت جمانة جمال حالة لافتة بتوليها مسؤولية كلمات وألحان شارة البداية لـ “درة“، وهو دور إبداعي مركّب عادة ما يُسند للرجال.

الشكل البياني التالي يوضح نسبة النساء في قسم الموسيقى والغناء في الأربعة المسلسلات:

المونتاج والمكساج | حضور نسائي شبه معدوم

مثلما هو الحال في الإخراج، يُظهر قسم ما بعد الإنتاج الذي يشمل المونتاج والمكساج والجرافيكس حضورًا نسائيًا ضعيفًا جدًا. من بين 26 متخصصًا عملوا في هذا المجال عبر المسلسلات الأربعة، لم تسجّل سوى امرأة واحدة هي آية عمر، التي شاركت كمساعدة في تصحيح الألوان في مسلسل “درة“. هذا التمثيل النسائي الذي لا يتجاوز 3.8%، يُبرز حجم الفجوة ويؤكد أن المهن التقنية لا تزال مغلقة أمام النساء، سواء في مواقع التصوير أو خلف الشاشات في غرف المونتاج. ومع أن الدور الذي شغلته آية يُعد ثانويًا، إلا أنه يمثل خطوة مهمة، تدل على أن النساء قادرات على دخول هذا المجال متى ما توفرت لهن الفرصة والدعم.

وتضيف عبير: “النساء عندهم طاقة وقوة ما حد متخيلها.. هم قادرين على إدارة الأمور وتحمل المسؤولية، إذا فقط تم منحهن الثقة”.

الشكل البياني التالي يوضح نسبة مشاركة النساء في الأربعة المسلسلات:

المشكلة أبعد من الأرقام

رغم أن الأرقام والإحصاءات تكشف الفجوة الكبيرة في تمثيل النساء داخل صناعة الدراما اليمنية، إلا أن التفسير لا يكمن فقط في غياب الكفاءة أو قلة الحضور النسائي المؤهل. فالمخرجة سارة ساري ترى أن جذور المشكلة أعمق من ذلك، وتقول: “في مجتمعنا، العلاقات هي التي تصنع الفرص.. البنات ما تُعطى لهن الفرصة لأنهن خارج منظومة (الشللية) والمجالس.”

بحسب ساري، فإن تغييب النساء عن مواقع التأثير في المجال الفني هو نتيجة لطريقة توزيع النفوذ داخل الوسط الفني، حيث تُغلق الأبواب أمام من هم خارج الشبكات الذكورية، مهما كانت موهبتهم أو استعدادهم.

وانطلاقًا من تجربتها العملية، تقترح المخرجة سارة ساري جملة من الخطوات العملية التي يمكن أن تشكّل نقطة تحوّل في تمكين النساء داخل صناعة الدراما اليمنية، تتمثل في بناء استوديوهات ومدن تصوير حديثة تتيح بيئة عمل مهنية وآمنة للجميع، وإرسال بعثات تدريبية للفنانات الشابات داخل اليمن وخارجه لصقل مهاراتهن التقنية والفنية، وكذا تحديث المناهج الأكاديمية في كليات الإعلام والفنون بما يواكب التطور الحديث في الصناعة، بالإضافة إلى إعادة تشغيل دُور السينما وتنظيم مهرجانات فنية محلية توفر مساحة للعرض، والنقد، والتطوير.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً