في اليمن، حيث لم يكن مألوفًا أن تمتلك امرأة مكتبًا للمحاماة، استطاعت ندى أمين الشوافي أن تكسر هذا الحاجز بدعم من والدها وخالها بافتتاحه عام 2010م أول مكتب محاماة لامرأة في محافظة تعز..
تخرجت المحامية ندى من كلية الحقوق في جامعة تعز عام 2002م، وهي اليوم محامية أمام المحكمة العليا، وعضو فريق الدفاع والعون القانوني لدى اتحاد نساء اليمن بمحافظة تعز.
لم يكن مشوار ندى سهلاً، إلا أن ما جعلها تصل إلى هذه المرحلة من حلمها هو سلسلة من نماذج الذكورية الإيجابية التي أحاطت بها من والدٍ ألهمها وعلمها القانون، وخالٍ منحها بيئة تدريب آمنة، وصولًا إلى زوجٍ تقاسم معها مسؤوليات الأسرة ليمنحها مساحة للنجاح.
تقول ندى: “بفضل الله ثم بدعم ومساندة أبي وخالي وزوجي، وصلت اليوم إلى درجة محامية عليا، وهي أعلى درجة في المحاماة”.
مصدر إلهامها الأول
بدأت حكاية ندى مع المحاماة من المنزل، فوالدها أمين علي الشوافي، وهو أول رئيس نيابة داخل محافظة تعز، ومؤسس النيابة الاستئنافية في المحافظة، كان مصدر إلهامها الأول.
تقول ندى :”كان والدي هو من غرس فيّ حب هذه المهنة، لم يقتصر دعمه على الجانب المادي، بل كان مرشدي ومعلمي الأول، يجيب على كل تساؤلاتي ويفتح أمامي أبواب المعرفة القانونية والممارسة العملية”.
وتضيف في حديثها لـ منصتي 30، “كان يزودني بملفات القضايا وكُتب القانون التي يرى أنها ستفيدني، ويشرح لي القضايا المعقدة بكل صبر واهتمام، وكلما راودتني تساؤلات أثناء قراءتي، كنت أعود إليه لأسأله، لماذا أُصدِر هذا الحكم على هذه القضية؟ وما المقصد من هذا النص؟ فيجيبني بالتفصيل رغم انشغاله”.
تذكر ندى أكثر ما رسخ في ذاكرتها، وهو رده المحب عندما حاولت أن تعتذر له خشية أن تثقل عليه بأسئلتها، “ابتسم وقال لي: ما في شيء يشغلني عنك يا بنتي”.
الخال والد
تروي المحامية ندى الشوافي واحدة من محطات مسيرتها التي جسّدت معنى الدعم الإيجابي من الرجال، بالقول، “بعد تخرجي من الكلية، بدأت مرحلة التدريب العملي، حينها واجهتُ تحديًا اعتادته كثير من المحاميات في اليمن، فالمكاتب التي تستقبل المتدربين غالبًا ما تمتد ساعات عملها حتى المساء، ويرتبط بعضها بعادات مثل تناول القات، وهو ما يجعل البيئة غير مناسبة للنساء”.
في تلك اللحظة ظهر دور خالها، المحامي ماجد أمين قاسم، ليمنحها نموذجًا مختلفًا للدعم بتوفير بيئة تدريبية آمنة ومريحة لها من خلال تسجيل اسمها كمتدربة لديه في نقابة المحامين، والبدء بتدريبها.
تقول ندى: “استمر التدريب ثلاث سنوات، عمل خالي خلالها على تزويدي بالخبرات العملية وتقديم الاستشارات في القضايا المدنية سواء الشخصية أو التجارية وغيرها، وكان يعطيني قضايا لأتدرب عليها”.
تستطرد: “كنت كلما احتجت إلى استشارة في القضايا المدنية الجأ إليه، أما في القضايا الجنائية كنت الجأ للوالد كون أن اختصاصه نيابة”.
اليوم تحولت ندى إلى داعمة لغيرها من النساء، من خلال تدريب العديد من المحاميات المبتدئات، لتنقل بذلك أثر الذكورية الإيجابية إلى دائرة أوسع.
الشريك الداعم
لم تكتمل دائرة الدعم إلا بزوجها، الذي قدّم لها صورة عملية عن الشراكة الإيجابية داخل الأسرة، فرغم انشغاله بعمله كمحاسب، كان له دور بارز في تمكينها من مواصلة مسيرتها المهنية.
يوضح زوجها، عبد الباسط إسماعيل، أن طبيعة عمل زوجته ونظرًا للقضايا الحساسة التي تتعامل معها، خاصة قضايا النساء المعنفات، تحتاج إلى بيئة داعمة تمكنها من التفرغ الكامل لعملها، وفي سبيل تحقيق ذلك يعمل على مساعدة زوجته في الموازنة بين عملها كمحامية وبين مسؤولياتها الأسرية.
يقول عبدالباسط لـ”منصتي 30“: “أحرص على تهيئة الجو المناسب لزوجتي من خلال الاهتمام بالأولاد والقيام ببعض الأعمال المنزلية حتى تستطيع إنجاز أعمالها”.
لم يتوقف دعم عبدالباسط عند هذا الحد، حيث يعمل على تقديم الدعم الفني لها بحكم عمله وخبرته في مجال المحاسبة، يقول: “أعمل على مساعدتها في إعداد تقارير القضايا، وأرشفة وتنسيق وتنظيم ملفاتها إلكترونيًا، وتقديم الدعم الفني لها في جلسات النقاش والمقابلات عبر الإنترنت”.
هذا الحضور الإيجابي منح ندى القدرة على التركيز في عملها والنجاح فيه دون أن تشعر بثقل الأعباء وحدها.
ويختم عبدالباسط حديثه لـ”منصتي 30” القول: “فخور جدًا بعمل زوجتي وانجازاتها، وأدعو جميع أهالي النساء الفاعلات في المجتمع بتقديم كافة أشكال الدعم والإسناد لهن؛ لأن ما يقمن به في الحقيقة خدمة مجتمعية ونجاح مجتمعي قبل أن يكون إنجاز شخصي”.