ترك مقبل هوايته كطيار مرموق، وسارع في تأمين الوضع المعيشي لأسرته، تحت وطأة الوضع المعيشي المأساوي، الذي تشهده البلاد، ولم يجد مهنة تقيه وأهله شبح الجوع، سوى مهنة بيع القات، والتي تعد من أشهر مصادر الرزق لليمنيين في شتى أرجاء البلاد.
أما الشاب محمد مطيع الرعود، فقد انتحر شنقاً في مديرية عتمة بمحافظة ذمار (وسط اليمن) أواخر يونيو المنصرم، واضعاً حداً لحياته، جراء الفقر، والبطالة المستشرية في البلاد، ليلتحق بوالده الذي انتحر قبل 5 أشهر، لذات السبب والظروف.
القصتان السابقتان، تعدان نموذجاً لآلاف اليمنيين، الذين اضطرتهم قلة ذات اليد إلى أن يتنازلوا إما عن هواياتهم ووظائفهم لصالح مهن أخرى تكفل لهم العيش، أو التنازل عن حياتهم، كحل أخير يزيح عنهم همومهم، والتزاماتهم في الحياة، بعد أن أوصدت أمامهم أبواب الحياة الكريمة، جراء الحرب، التي تسببت في تردي أوضاعهم المعيشية، والنفسية، والصحية بشكل عام.
لقد كانت البطالة ومازالت مرضاً اجتماعياً مزمناً ينخر في المجتمع اليمني منذ عقود غابرة، نتيجة الصراعات، والوهن في منظومتيه السياسية، والاقتصادية بشكل عام، وتزايدت معدلات الفقر البطالة في أوساطه المجتمعية، تبعاً لمناخاته المضطربة سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، مما ساهم في انهيار البنى التحتية، وتضاؤل فرص العمل أمام العامة، لتبلغ نسبة البطالة حدود 70%، وعدد الفقراء تجاوز 20 مليون من أصل 26 مليون مواطن، ونتيجة الحرب الدائرة في البلاد فقد أكثر من 8 ملايين مصادر دخلهم، منهم 7 ملايين يعملون في القطاع الخاص، حسب إحصائية أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مطلع يونيو المنصرم، وهو رقم مخيف يشي عن كارثة إنسانية وشيكة.
لا يعي أرباب الصراع اليمني، خطورة البطالة، ولا يدركون تبعاتها الكارثية على الفرد والمجتمع ككل، كونهم منشغلين بجني أرباح الحرب، في حين أن العاطلين عن العمل يكونون عرضة لجملة من الأمراض والشرور، التي ستلحق ضرراً بالوطن فوق الأضرار القائمة أصلاً، نتيجة الحرب.
العاطلون عن العمل في اليمن اليوم، يفتقدون إلى تقدير الذات، ويشعرون بالفشل، والدونية مقارنة بأقرانهم ممن يمارسون مهناً معينة، كما استشري لديهم الإحساس بانخفاض قيمتهم الاجتماعية، وتولد لديهم شعور بعدم الرضا عن أنفسهم، ولا عن المجتمع، وأصبح الكثير منهم يكنون مشاعر عدوانية للمجتمع، وتبعاً لذلك أصبح المجتمع مسرحاً للجرائم، والمشاكل الأسرية، والاجتماعية، كما هو ملحوظ اليوم.
ما يثير القلق فعلاً، أن العديد من العاطلين انخرطوا في جماعات متطرفة، رغبة في الحصول على المال، ومنهم من انضم لعصابات سطو مسلح، وبعضهم أقدم على الانتحار، وبعضهم الآخر غادر البلاد بحثاً عن فرصة عمل، تضمن حياة كريمة لذويه.
لقد تسببت الأنظمة السياسية، التي تعاقبت على حكم اليمن في تفشي البطالة، بسبب سوء إدارة موارد الدولة، وتنصلها من تطوير البنى التحتية، وتغاضيها عن الارتقاء بالتعليم، بل إنها لم تسع أساساً للنهوض بالوطن، وتنمية قطاعاته لخلق فرص عمل أمام مواطنيها، بل مارست سياسة الهدم بافتعال الأزمات، وخلق الصراعات، وأنتجت نظاماً مشوهاً، يعجز عن مواكبة تطلعات شعبه، وجاءت البطالة كنتاج لمخرجات تلك الأنظمة الكاسدة.
اليمن اليوم بحاجة لجهود عظيمة، لكبح جماح داء البطالة، جهود حكومية وأخرى خاصة، تتحرك في خطوط متوازية، للاهتمام بالعاطلين من الشباب، أولاً بالسعي الجاد لإنهاء الحرب المستشرية، منذ قرابة ثلاثة أعوام، ثم بإيجاد مشاريع تستوعب طاقات اليمنيين، وتعطيهم فرصة للإبداع حسب مواهبهم، كذلك الاهتمام بالتعليم، وتطويره ليواكب التقدم التكنولوجي، وتوفير كل مستلزماته، للنهوض بالأجيال، والاستفادة من طاقاتهم الظاهرة، والكامنة.
كذلك على الدولة خفض الضرائب أمام رجال الأعمال، والمستثمرين، ليسهموا في تنمية الاقتصاد الوطني من جهة، وتوفير فرص عمل لآلاف العاطلين من جهة أخرى، وعليها أيضاً أن تسارع بمعالجة مشكلة الانفجار السكاني في البلاد، عن طريق التوعية بتنظيم الأسرة، وتوضيح أضرار التناسل العشوائي، على الأسرة والدولة معاً.