كانت هذه الجلسة التي لم يتعد عدد حاضريها النصف حسب معلومات متواترة، وهو العدد المطلوب لتكون الجلسة سليمة بموجب الضوابط القانونيّة، كفيلة بإشعال حربٍ “شرعيّة” بين طرفي النزاع في اليمن. فالرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي المُقيم في العاصمة السعودية الرياض، بادر إلى توجيه رسالة عاجلة إلى هيئة رئاسة المجلس والأعضاء كانت أقرب إلى مرافعة قانونيّة تُذكِّر الحاضرين بالدستور والقوانين المُنظمة وبالمرجعيات التوافقية كالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
الطريف أن أعضاء المجلس الذين خصهم هادي برسالته وحثهم على احترام اللوائح القانونية والضوابط الدستورية، قد انتهت صلاحية ولايتهم كاملةً منذ العام 2009 حسب الدستور اليمني، على أن حزب المؤتمر الحاكم (وقتذاك) وأحزاب اللقاء المشترك (المعارضة) اتفقا على التمديد له لعامين كاملين، وقبل انقضاء العامين المقررة بقليل تفجرت الانتفاضة الشبابية في اليمن وتدخلت دول الخليج (دبلوماسياً) مسنودة من الأمم المتحدة والدول الكُبرى بمبادرة لفض الاشتباك بين الأطراف المتنازعة، ألحقتها بآلية تنفيذية، فكانتا (المبادرة والآلية) هما المرجعيات الأساسيّة التي حددت شكل المرحلة الانتقالية إلى أن يتم إعداد دستور جديد، وكان من بين نتائجها تشكيل “حكومة وفاق وطني” وُزِعت حصصها بالتساوي بين حزب المؤتمر وحلفائه وأحزاب اللقاء المشترك. أما مجلس النواب فقد احتفظ بوضعيته السابقة!
وفقاً للبند رقم (12) من الآلية التنفيذيّة، فإن المرحلة الانتقالية التي بدأت منذ انتخاب عبد ربه منصور هادي (المرشح الوحيد) رئيساً للجمهورية في 21 فبراير 2012 يفترض أن تمتد لعامين من تاريخ تنصيب الرئيس وتنتهي بإجراء الانتخابات العامة وفقاً للدستور الجديد. كان مقرر لـ”مؤتمر الحوار الوطني” الذي انعقد في صنعاء بعد شهرٍ واحدٍ من انتخاب عبد ربه منصور هادي واستمر لأكثر من عامٍ، صياغة مواد “الدستور الجديد” وهو ما قد تحقق بالفعل. غير أن الحرب كانت أصدق الأنباء من الكتب، فقطعت كل أوردة السياسة إلى أجلٍ غير مسمى، ولم تدع مجالاً لاستكمال الإجراءات المطلوبة المتبقية لإقراره كدستور للبلاد.
مضى عامان منذ انقضاء “عامي المرحلة الانتقالية” وشرعيتها، غير أن عبد ربه منصور هادي تلقى مساندة من مجلس الأمن الدولي بقرار تم التأكيد فيه على دعم شرعيته والتحذير من المساس بها (القرار رقم 2216 وصدر في شهر أبريل من العام المنصرم أثناء وجود عبد ربه منصور هادي في السعوديّة).
من الواضح أن كل الشرعيات في اليمن تم “رتقها” بمبادرات ومساندات خارجيّة، لكن هذه الشرعيات باتت اليوم مشطورة ومتنافرة، وتقف على طرفي نقيض/صراع، وكلٌ منها تسعى جاهدةً لإلغاء الأخرى. غير أن الصيغة المُعقدة التي تشكلت بها المرحلة الانتقالية والتطورات اللاحقة قد جعلت هذا الأمر في عِداد المستحيل، فكان على هذا البلد أن يعيش ارتباكا مضنياً في مصادر الشرعيّة، فضلاً عن الحرب المدمرة.
بعد مفاوضات الكويت تبيّن لتحالف صالح-الحوثي حاجتهم الماسة إلى حرمان “الحكومة الشرعيّة” من أهم نقاط قوتها؛ المتمثلة في الشرعيّة الدستوريّة. فالسيطرة على الأرض بالقوة ليست كافية لجلب الاعتراف، لهذا السبب كان عليهم أن يهرعوا في هذا الوقت المتأخر إلى دعوة أنصارهم من أعضاء مجلس النواب لعقد جلسة برلمانية بعد توقف أو تعطُّل دام قرابة السنتين.
على أنه كان من المتوقع وفي أي لحظةٍ أن يُبادر تحالف صالح – الحوثي الذي انقلب على الدولة بكاملها، إلى إيجاد بدائل للمؤسسات التشريعيّة والتنفيذيّة لتدعيم وتكريس واقع ما بعد الانقلاب، كأمر منطقي وضروري، وكان لديه كثير من الخيارات، لكن أن ينعقد مجلس النواب بعدد من الأعضاء الذين يدينون بالولاء للرئيس السابق علي عبد الله صالح، كانت كفيلة بأن تُحدِث إزعاجاً بالغاً في معسكر الحكومة الشرعيّة التي نامت وقتاً طويلاً مرتاحة البال في عسل الغربة، ولديها ثقة عمياء بأن شرعيتها حصينة راسخة لا يأتيها الباطل قط!
- مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر أصحابها، ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي “منصتي 30”.