لم يستطع الصحفي هيثم الشهاب استيعاب فكرة فتح باب الزنزانة فجر يوم الخميس 31 أكتوبر 2020، لإعلان يوم الحرية المنتظر منذ خمسة أعوام ونصف من الاعتقال والحرمان.
كان الشهاب وزملاؤه التسعة الصحفيين المعتقلين يعيشون في دوامة يأس وخوف وأمل مشاعر مختلطة انتابتهم، خوفاً من تعثر صفقة التبادل بين أطراف النزاع في اللحظات الأخيرة.
يقول الشهاب لـ”منصتي 30″ إنه “عندما كنت في مطار صنعاء، لازمني الخوف وكنت أتوقع أي شيء بما في ذلك نفاد كمية الوقود في الطائرة”. واستطرد “كنت على الطائرة قلقاً متوتراً من التأخير عن الإقلاع. ومع تحرك عجلة الطائرة انتابني شعور بالفرح الداخلي وكأن الطائرة كانت تدفع باتجاه سيئون مستخدمة أعصابي وليس محركها”.
وصل الشهاب مع أربعة من زملائه، إلى مطار سيئون في محافظة حضرموت (شرقي البلاد)، ويقول إنهم كانوا “منهكين متعبين، نعيش أحلام اليقظة غير مستوعبين أن بإمكاننا النظر واجتياز مسافات بعيدة واسعة”.
وبعد سنوات خلف القضبان، انحصرت مشاهدها بالغالب على جدران السجون وأبوابها ووجوه السجانين، فقد كان لكل شيء تقع عليه أعينهم عقب الإفراج قيمته الخاصة. حيث يضيف “كنا نشاهد حولنا أشياء متحركة وحيوانات وأشخاص وسيارات، كان موقفاً صعباً عقب الخروج من أربعة حيطان جامدة مظلمة فترة من الزمن. ما زلت إلى اليوم أشعر أني أحلم، ودائماً ما أكرر لمن حولي هل أنا في حلم؟!”.
وكان الشهاب قد اختطف مع عدد من زملائه الصحفيين، من مقر عملهم في صنعاء في يونيو من العام 2015. وحكم عليهم بالسجن لاحقاً لمدة خمس سنوات، من قبل جماعة أنصار الله، بتهمة “التخابر لصالح التحالف الذي تقوده السعودية”، حسب نص الدعوى.
ويشرح الشهاب أنه وبعد تلك السنوات “أثناء نزولي من الطائرة استقبلوني زملائي الصحفيين. لم أستطع انتظار أن يتقدم العالقون في السلم كنت أريد القفز إليهم، أراهم يبكون فرحاً لوصولي. كنت شارد الذهن منهك الجسد شاحب الصوت. تحولت لساني إلى حجر صلد أحاول بلع ريقي بلا فائدة. ابتسمت وأنا في بوابة صالة المطار، شعرت بأن وجهي يكاد بتشقق فرحاً”.
أخيرا عدنا بعد طوول عناء خمس سنوات ونصف من القهر والظلم والإضطهاد..
عادت البسمة بعدما أصبحت وجوهنا منهافقيره وقلوبنا…تم النشر بواسطة هيثم الشهاب في الثلاثاء، ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٠
صفقة التبادل
جاء إطلاق سراح الصحفيين الخمسة وبينهم الشهاب، بعد سلسلة مفاوضات بين الحكومة اليمنية وجماعة أنصار الله، أفضت إلى اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين الذين يزيد عددهم عن 15 ألف لدى الطرفين. في ستوكهولم ديسمبر 2018.
وبعد أن تعثر التنفيذ أكثر من مرة، نجحت تفاهمات رعتها الأمم المتحدة وبإشراف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الوصول إلى صفقة تبادل ما يقارب 1061 أسير. في أكبر صفقة تبادل للأسرى منذ بداية الأزمة في 2014.
بادرة إحلال السلام وايقاف الحرب
رئيسة رابطة أمهات المختطفين في اليمن، الدكتورة أمة السلام الحاج قالت إن “خطوة نجاح اتفاق جنيف بإطلاق سراح المعتقلين، نأمل منها أن يكون هناك إحلال للسلام، لاسيما وأنها خطوة أولى في بناء الثقة بين أطراف النزاع. ليرعى بالسلام الجميع وينعم به”. واعتبرت أن “السلام يبدأ من قلوب الأمهات. وهذا الفرج الذي حدث لهذا العدد الكبير من الأسرى والمعتقلين فيه إعادة أمل بالمضي قدماً نحو السلام المنشود في اليمن”.
ودعت الحاج أطراف الصراع في اليمن إلى الاحتكام إلى طاولة الحوار والسلام ونزع السلاح على الفور. وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الضيقة”.
وأضافت أن “المقابر امتلأت بشباب اليمن، البلاد تدهورت، الوضع الاقتصادي في منحنى خطير. تبادل الأسرى أفرح قلوبنا في الرابطة وفي كل بيت. هذا ما نشدناه طيلة السنوات السابقة، ونسعى حالياً إلى الضغط على أطراف الصراع للوصول لمزيد من الاتفاقيات التي من شأنها إحلال مزيد من السلام والأمن”.
نقطة ضوء.. في نفق مظلم
وقال محمد الكثيري رئيس منظمة سلام وبناء ومدرب مختص في مجال السلام وتخفيف النزاعات، إن “طريق اليمنيين نحو السلام مظلم وطويل. نحتاج إلى إرادة صادقة للوصول إلى نهاية النفق، ولكن انفراجة تحريك ملف الأسرى والمعتقلين في اليمن، بأكبر عملية تبادل بين طرفي الصراع في أكتوبر الماضي، تعتبر نقطة ضوء بعيدة في نفق مظلم من الصراع الذي يسير فيه اليمنيون منذ ست سنوات”.
ويرى في تصريح خاص لمنصتي 30 أن تحريك ملف الأسرى يعتبر تحولاً إيجابياً وعاملاً يعول عليه اليمنيون بالمضي نحو تحريك ملفات أخرى”. ويختم بأن “جهود المبعوث الأممي إلى اليمن، واتفاق طرفي النزاع للمضي قدماً نحو السلام المتمثل بصفقة تبادل الأسرى والمعتقلين خطوة مشهودة ونأمل أن تكون هناك خطوات مقبلة نحو السلام”.
وكيل وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية ماجد فضائل -العضو المفاوض في مباحثات الأسرى- أشار في تصريحات سابقة إلى أن هناك جولة مفاوضات ثانية عقب فترة تقدر بنحو شهر إلى شهرين ترعاها الأمم المتحدة، ستشمل أعداداً أكبر. ومن المحتمل أن يكون بينهم الـ4 المشمولون بقرار مجلس الأمن 2216. منهم ناصر منصور هادي، شقيق الرئيس عبدربه منصور هادي، واللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع السابق، والقائد العسكري فيصل رجب، والقيادي في حزب الإصلاح محمد قحطان.