يحرص كثير من اليمنيين على بناء منازلهم بالياجور (الطوب الطيني المحروق الذي يوصف بالذهب الأحمر) وبالأخص الأدوار العليا، نظراً لخفة الياجور والتخفيف على أساسات المنزل بالإضافة إلى تأقلمه مع الأجواء. حيث يكون المنزل أكثر دفئاً في الشتاء لاختزانه حرارة الشمس، وأكثر اعتدالاً في الصيف بسبب تشبع أجزائه الخارجية بالأمطار الصيفية. بينما تبنى الأدوار السفلية من الحجارة البيضاء والسوداء.
أغلب منازل صنعاء القديمة مبنية من الياجور منذ مئات السنين. يقول المؤرخ والجغرافي ابن رسته الذي عاش في القرن الثالث الهجري عن صنعاء: “هي مدينة طيبة الأهل كثيرة المنازل ترتفع واحداً بجانب الآخر، مزخرفة بالجص والياجور والأحجار المشذبة”. كما يمتاز الياجور بقوته وتحمله لمختلف أنواع الطقس، بالإضافة إلى أن الياجور كلما مرت عليه فترة طويلة يصبح أكثر قوة وصلابة. وربما من هنا جاء وصفه بالذهب الأحمر.
البناء بالياجور
يعمل البنائون اليمنيون على تشكيل الياجور إلى أشكال هندسية رائعة جميلة وجذابة. كما يقومون بعرض صور مزخرفة بالياجور لواجهات المنازل لأصحاب المنازل ليختاروا ما يفضلونه من أشكال. وبعد الموافقة يقوم العمال بقص الياجور بواسطة أدوات يدوية بأشكال مختلفة على شكل قلوب أو مصابيح أو أوراق أشجار، حسب طلب صاحب المنزل.
ولا يقتصر استخدام الياجور على واجهات المنازل، ولكن يستخدم في تغطية القباب في المساجد وحمامات البخار، بالإضافة إلى استخدامه في الجدران الداخلية في المنازل.
كما يتم بناء مآذن الجوامع بالياجور، مثلما هو حاصل في الجامع الكبير بصنعاء، حيث بني منذ أكثر من 1400 سنة مع دخول الإسلام إلى اليمن. كما يقول ذلك أحمد المروني، وهو بَنّاء ياجور من أكثر من 40 سنة.
ويضيف المروني أن المنازل في صنعاء تتراوح مابين 3-7 طوابق، وبعد الانتهاء من كل طابق يتم عمل حزام منقوش من الياجور بشكل أشرطة أفقية تفصل بين الطوابق المتعددة بارتفاع يصل من 50-70 سم ليجعل للمنزل صورة جمالية رائعة، بالإضافة إلى شرائط رأسيّة توازي جوانب النَّوافذ وما يعلوها من قمريات بواسطة لبنات الياجور البارزة، ثُمَّ يلي ذلك تغطية هذه البروزات بطبقة من الجصّ الأبيض.
أما آخر طابق فيتم بناء ما يسمى “المنظر” أعلى المبنى على شكل مستطيل، ويكون في وسط سطح المنزل، ويوجد به نوافذ من جميع الاتجاهات يميزها حجمها الكبير واقترابها من السطح لتطل على المدينة. ويفضل البعض إغلاق النوافذ باتجاه الشمال بسبب البرد.
صناعة الياجور
يقول جمال العراسي بائع ياجور لمنصتي 30: “تتم صناعة الياجور من التراب الخالي من الحصى، حيث يتم جلب التراب من الحديدة أو المناطق الزراعية في ضواحي صنعاء، ويتم وضع التراب في أحواض مربعة الشكل وإضافة الذبل (مخلفات الحيوانات مثل الماعز والخيول والأبقار) باعتبار أنها مواد عضوية وتعمل على تماسك الياجور، ويتم خلطها بمقادير معينة مع إضافة الماء في عملية التقليب، ويتم تركها لمدة يوم كامل حتى تتخمر وتكون متماسكة. وتتم هذه العملية بالطريقة اليدوية دون استخدام أي آلات”.
يضيف العراسي: “في اليوم الثاني وبعد تخمر الطين يتم وضعه في قوالب معدنية مختلفة الأشكال حيث يقوم العامل بالضغط عليه ومسحه باليد وتسمى بعملية التلبين، ويتم وضع قوالب الياجور جوار بعضها البعض تحت أشعة الشمس لعدة أيام مع تقليبها حتى تجف وتسمى هذه المرحلة بالتشقير، بعدها يتم رص الياجور بعد أن يجف بطرق هندسية بشكل رأسي مع ترك مسافات بين الياجور لدخول الهواء من أجل أن تساهم في جفاف الياجور استعداداً لإدخاله للفرن”.
محارق الياجور (الفرن)
ويضيف العراسي “يتم وضع الياجور في فرن عملاق مخروطي الشكل مبني من الياجور ويصل عمقه من الأعلى ثمانية أمتار وأكثرها تحت الأرض بينما يصل عرضة من 5-6 أمتار تضيق كل ما ارتفع الفرن. ويوجد بالفرن ثلاثة أبواب باب أعلى الفرن والثاني وسط الفرن والأخير تحت الفرن ويتم عبر هذا الباب إدخال الحطب للقيام بحرق الياجور”.
يتم رص الياجور في الفرن بشكل دائري مع السماح بترك فراغات من أجل المساعدة في عملية الاحتراق. ويتم إضافة كمية من مخلفات الحيوانات بين كل طبقة من الياجور في الفرن من أجل التسريع في عملية الاحتراق.
بعدها يتم إدخال الحطب تحت الفرن عبر البوابة السفلى ويتم سد هذه البوابة بالياجور والطمي، وهنا تبدأ عملية الاحتراق التي تستمر لأكثر من أسبوعين لتصل درجة الحرارة من 500-800 درجة مئوية حتى تنطفئ من تلقاء نفسها. ويترك الفرن لمدة أسبوع كامل حتى يبرد. ويتسع الفرن بحدود 50- 60 ألف طوبة.
بعد ذلك يقوم العمال بإخراج الياجور من الفرن حيث يتم تحميله إلى الشاحنات استعداداً لبيعه.
رهيب
تقرير رائع
ونعم بالله
ممتاز
لماذا سمي الياجور بهذا الاسم