مُنذ ست سنوات منذ اندلعت الحرب في محافظة تعز (جنوب غربي اليمن) بين القوات الحكومية وجماعة أنصار الله، لم تتم السيطرة بشكل كامل على المحافظة وتعز المدينة لطرف، وانتهت خارطة السيطرة على محافظة تعز بين جماعة أنصار الله والقوات الحكومية بسيطرة القوات الحكومية على مديريات المدينة وسيطرة جماعة أنصار الله على ريف تعز الشمالي وكافة الأحياء الشرقية وبالتالي أصبحت كافة المنافذ الرئيسية إلى مدينة تعز من الشرق والشمال تحت سيطرة جماعة أنصار الله التي أغلقت هذه المنافذ وشكلت حصاراً خانقاً ضاعف من معاناة السكان الصحية والإنسانية بشكل عام .
وتحول الوصول إلى مدينة تعز من المحافظات الأخرى يشبه السفر، نتيجة المشقة والمعاناة وأحياناً يكون مخاطرة تعني الموت عبر الطرق الجبلية الوعرة وغير المعبدة والتي لم تكن تستخدم إلا للربط بين بعض القرى، وأصبح الوصول إلى مدينة تعز يحتاج إلى المرور ب 6 إلى 7 ساعات من منطقة الحوبان أو من ضواحي المدينة الشمالية بدلاً من ربع ساعة كما كان في السابق.
مشقة ومعاناة وموت
يقول عبدالله محمد (55 عاماً) من مديرية شرعب الرونة إنه يضطر إلى السفر من أجل الوصول إلى مدينة تعز لزيارة أشقاءه عبر طريق جبلي من مديرية جبل حبشي يستغرق السفر فيها أكثر من 7 ساعات، بينما كان من قبل لا يستغرق الوصول إلى المدينة عبر منفذ مفرق شرعب أكثر من 3 ساعات.
ويضيف أن وصف المعاناة من السفر عبر هذه الطريق أقل ما يمكن القول عنه إنه المشقة بكل تفاصيلها، ويتابع “شاهدت سيارة انقلبت في الطريق الوعر التي في جبل شاهق بمديرية جبل حبشي لم يخرج أحد من السيارة غير مصاب بكسور وبعضهم كانت إصاباتهم بالغة، بلا شك سوف تسبب لهم إعاقات دائمة”.
وليست فقط المعاناة من وعورة الطريق بل إن تكلفة السفر تضاعفت بشكل كبير وهذا كما يقول عبدالله زاد من معاناة النساء وجعل تواصل الأهل والأسر صعباً.
وما يؤكد كلام عبدالله هو الإحصائيات التي أصدرتها إدارة شرطة السير في محافظة تعز الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية حيث بلغ عدد الحوادث خلال العام الماضي 136 حادث.
معاناة المرضى
طريق وعرة، سقط فيها الكثير من الضحايا من حوادث السير، وصلت حسب تقرير محدث من إدارة شرطة السير بمحافظه تعز (جنوب غرب اليمن) يقول: وصل عدد ضحايا حوادث السير في مدنية تعز إلى 151 شخصاً، المعاناة لم تقتصر على المسافرين فقط وإنما على المرضى الذين يلتقون العلاج داخل مدينة تعز، منهم مرضى الفشل الكلوي حيث يضطر أكثر من 200 شخص للوصول لمدينة تعز من مناطق مختلفة من ريف المدينة حتى يتمكنوا من إجراء عملية الغسل الكلوي.
يقول عبد العزيز، وهو أحد الساكنين في منقطة العُدين: “توفي والدي ولم أستطع الوصول في الوقت المناسب، لأن أقرب مركز للغسيل الكُلوي كان يبعد مسافة سبع ساعات، ووالدي كان يحتاج للغسيل الكلوي مرتين أسبوعياً وأنا لا أملك الوقت ولا المال لدفع تكلفة السفر للمدينة”.
مبادرة نساء تعز من أجل الحياة
حول إنهاء هذه المعاناة كانت هناك الكثير من المبادرات المحلية للعمل على فتح الطرق بشكل مستمر بين الحين والآخر، منها مبادرة نساء تعز من أجل الحياة التى بدأت عام 2017، حيث تقول ألفت الدبعي، رئيسة مبادرة نساء تعز من أجل الحياة: “بدأت مبادرات فتح الطرق من بداية الحرب على تعز وحصارها”.
وأضافت أن “هناك محاولات محلية عديدة جرت لفتح الطرق أيضاً سوى عبر شباب أو ناشطين. مبادرات الوساطة كانت بين الطرفين من أجل فتح الطرقات لتخفيف معاناتهم لاسيما بفترة كورونا، ولكن للأسف الشديد كلها فشلت من البداية جراء ظهور عمليات عسكرية لحظية بين الطرفين وكانت تتزامن مع تحقيق المبادرات تقدمات تفاوضية، الأمر الذي يتسبب في إفشالها”.
وترى ألفت الدبعي، أن هناك مصالح اقتصادية بين الطرفين “الشرعية وأنصار الله” بما يسمى “اقتصاد الحرب” والتي كانت أحد الأسباب المعرقلة لعمل المبادرات، خصوصاً بعد اتفاق السويد الذي انبثقت منه لجنة التفاهمات بشأن تعز، ولكن لم تحقق شيئاً، إذ كان من المفترض بحسب الدبعي أن تنعقد بإشراف أممي من أجل الاتفاق على فتح الطرق”.
وقالت إنه من تصورها “أن السبب وراء ذلك أنه لم يكن هناك استعداد من الطرفين في البداية بعد اتفاق السويد مباشرة، وكان يفترض أنها تنعقد بعد عشرة أيام لكن في البداية لكن كانت هناك مماطلة بخصوص تنفيذ تفاهمات بشأن تعز حيث ربطوا القضية بالقرار السياسي للسلطة”.
أسباب تعثر هذى المبادرات
تقول ألفت الدبعي إن أحد الأسباب الرئيسة التي أعاقت فتح الطرق “أنه كان من المفترض أن تكون قضية فتح الطرق الرئيسية في تعز شأن محلي لدى السلطة المحلية للحوثيين وفي المقابل للشرعية، لكن ملف تعز عموماً مربوط بشكل مركزي لدى صناع القرار في سلطة الطرفين”.
وأضافت أيضاً إنه من أحد الأسباب، أن أنصار الله يخشون من التقدمات العسكرية في حالة فتح طريق حيث لا توجد لهم أي ضمانات، و في حالة وجود اتفاق شامل لوقف إطلاق النار لا يضمنون الالتزام من قبل الشرعية.
أما عن “مبادرة نساء تعز من أجل الحياة” فأكدت الدبعي أنها تعمل على متابعة القضية على الصعيد السياسي سواءً في الضغط الدولي والضغط الإقليمي، وتسعى لطرحها باستمرار، معتبرةً أن مفتاح السلام في تعز هو حل قضية فتح الطرق وتؤكد إن قضية فتح الطرق في تعز قضيتهم الرئيسية.
كلفة الحصار باهضة
تعز تدفع كلف كبيرة جداً بسبب استمرار غلق الطرق الرئيسة ولها أثر على المواطنين على مستوى الأسرة، حيث زادت نسبة الطلاق بشكل كبير، وبحسب محكمة الأحوال الشخصية فقد وصلت نسبة الطلاق إلى 70% بسبب إغلاق الطرق وقلة فرص العمل و غياب الأب عن الأسرة لفترات طويلة، بالتالي تحدث صراعات داخل الأسرة وتؤدي للطلاق.
يقول الدكتور تامر الأشعري أحد دكاترة جامعة تعز “إن إغلاق الطرقات أثر أيضاً على المستوى التعليمي، لأن أغلب طلاب الجامعات يتغيبون بنسبة 50% عن المحاضرات التطبيقية ويضطر الطالب للغياب ومتابعة المحاضرات أونلاين”.
هناك الكثير والكثير من القصص المؤلمة التي يعيشها أبناء تعز في ظل استمرار الحصار المطبق عليها، فمتى سينتهي؟!
جميل جداً كان التقرير