لفهم المعادلة السياسية في اليمن أكثر، لابد من التمعن بدقة في أبعادها، فلم تكن الأزمة اليمنية في منأى عن النزاعات القائمة على أساس الدين والمذهب، حيث احتل اليمن الترتيب الرابع في الشرق الأوسط بانضمامه إلى خارطة النزاعات ذات الأبعاد المذهبية بعد أن تعايش اليمنيون بمختلف طوائفهم وتقبل بعضهم الآخر قروناً من الزمن. فما هي الحقائق التي لعبت بها الطائفية دوراً أساسياً في تأزم النزاع اليمني؟
حروب صعدة الست
نزاعات صعدة كانت سياسية بالدرجة الأولى، إلا أن بعض الخبراء يرون أن مراكز النفوذ على السلطة والثروة هي التي أججت الاستقطابات المذهبية، ووظفتها للحشد والتعبئة لتحقيق مصالحها.
ففي تسعينات القرن الماضي كانت “الظاهرة الحوثية” قد انبثقت عن الزيدية التي أمسكت بزمام السلطة ممثلة بالرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي انتمى إلى المذهب الزيدي، ثم خاض حروب صعدة الست التي ابتدأت في يونيو عام 2004 وتوقفت في فبراير عام 2010، قبل أن يتحالف صالح مع أنصار الله (الحوثيون) في عام 2015 انقلاباً على سلطة الرئيس عبدربه هادي.
حروب صعدة هي سلسلة نزاعات اتسمت بالطائفية في أحد أوجهها بين الحكومة اليمنية وأنصار الله، ابتدأت بتوجه حملة عسكرية لاعتقال قائد الجماعة “حسين بدر الدين الحوثي” بتهمة التمرد وإنشاء تنظيم مُسلح يهدف إلى إعادة النظام الملكي الإمامي ويستعمل المساجد لبث خطابات معادية للولايات المتحدة والتحريض على الإرهاب، وهنا يتضح توظيف الدين لأجل السياسة.
تخللت الحروب عرضاً بالعفو الرئاسي عن “الحوثيين” إلا أن العرض قابله الرفض، إضافة إلى الاتفاق على هدنة من بين شروطها اللجوء السياسي لعبدالملك الحوثي إلى قطر مقابل الإفراج عن معتقلي الجماعة من السجون اليمنية، إلى جانب ذلك اتهام الحكومة لجماعة الحوثي بالوقوف وراء حادث انفجار قنبلة بعد صلاة الجمعة خارج مسجد بن سلمان في صعدة، وتتالت النزاعات إلى أن كان ختامها الحرب السادسة التي شن خلالها الحوثي هجوماً على نقاط حدودية وسيطرت الجماعة على جبل الدخان على خلفية اتهامات للسعودية بدعم الجيش اليمني ضدهم.
استيلاء القاعدة على مناطق جنوبية
بعد احتجاجات الشباب اليمني وإزاحة الرئيس السابق “صالح” عن الحكم تنفيذاً لبنود المبادرة الخليجية، بات الفرع اليمني لتنظيم القاعدة القائم على فكر جهادي إسلامي أقوى في بيئة تنامت بها الطائفية وتراجع دور الجيش وسادها فراغ أمني، بعد ما كان فرعاً صغيراً يركز بشكل أساسي على أهداف غربية.
وعلى سبيل المثال وخلال فترة قياسية أسس التنظيم ما أسماه بإمارتين إسلاميتين في جعار بأبين وعزان بشبوة لكنه سرعان ما تلقى ضربات من الدولة بين عامي 2011 و2014.
وبعد أن قام التنظيم بمحاولات أقل نجاحاً في اجتذاب المتطوعين إليه والاستيلاء على الأراضي، جاءت الحرب التي حولت أنظار التنظيم تجاه المناطق الجنوبية لاستهداف حكومة هادي وعناصر الأمن على وجه التحديد من خلال الاغتيالات والتفجيرات.
وبلغ التنظيم أوج قوته في وقت لاحق من عام 2015 إثر سيطرته على المكلا بحضرموت، محاولاً أن يكتسب شعبيته وأن يولد انطباعاً بأنه يقوم بتأمين دفاع مذهبي في مواجهة الحوثيين الشيعة حيث أنه أعلن في وقت سابق في عام 2013 بانضمامه للنزاع ضد الحوثيين. وبالتالي لم ينفصل عمل التنظيم عن الدعوات الطائفية لأجل بلوغ الهدف.
وعلى الصعيد المذهبي تعتبر جماعة “أنصار الله” بوصفهم شيعة زيديين أعداء رئيسيين للقاعدة، إلا أنهم عززوا من قوة التنظيم كأحد أطراف النزاع، بتركيز أهدافهم على المناطق السنية، الأمر الذي سمح لتنظيم القاعدة بأن يحارب ضد تحالف الحوثي وصالح على خلفية مذهبية وفي محاولة لفرض السيطرة بعد ذلك.
تهجير الحوثيين للسلفيين
تأسّست السلفية كمدرسة دينية سنيّة متشددة في أوائل الثمانينات في دمّاج بصعدة ذات الغالبية الزيدية. وحين نشأت النزاعات بين الحوثيين والحكومة اليمنية، وقف سلفيو دمّاج إلى جانب الحكومة ضد الحوثيين. وبعد انهيار الحكومة في عام 2011، تنامت سلطة الحوثيين وقاموا بتهجير سلفيّي دمّاج بالعودة إلى مسقط رأسهم في المناطق السنيّة نظراً للاختلاف الطائفي.
ولطالما صنف الحوثيون والسلفيون بعضهما البعض مستخدمين تعابير طائفية ضيّقة بصورة غير علنية، وتم اعتبار الخطاب الطائفي وسيلة فعّالة لجذب واستقطاب مزيدٍ من العناصر للانضمام إلى صفوف كلٍّ من الطرفين مما أدّى إلى تعاظم نفوذ مجموعات متشدّدة وازدياد حدة النزاع.
وبدأ المناهضون للحوثيين في عدن ولحج ومأرب وتعز يطلقون تعريفاً آخر للسلفيين الذين تم تهجيرهم فأصبحوا مجاهدين يحاربون الحوثيين أو ما يسمونهم بـ(الروافض).
تصاعدت حدّة الخطاب الطائفي مع كل منحنى جديد نحو النزاع، حتى بلغت ذروتها في سبتمبر عام 2015، حين دعا أنصار الله (الحوثيون) مناصريهم إلى الجهاد في تعز وعدن، ضد من اعتبروهم أعداء لهم في الدين من جهة، فيما سعى السلفيون ومناصروهم إلى تعبئة مناصريهم ضد الحوثيين من جهة أخرى.