الذكورية الإيجابية التنشئة الأسرية الأبوة
article comment count is: 0

الأبوة الإيجابية.. مستقبل السلام للأبناء!

لعل التجارب الماضية كفيلة بما يكفي للإثبات أن الآباء الذين خضعوا لمعايير المجتمع الجندرية المحصورة في ذلك الإطار الذكوري الواسع للمجتمع التقليدي البحت، وتأثروا بتلك الصورة النمطية -الأب سيد الأسرة فقط- التي عادة ما صورت الأبوة بتوفير المال والاحتياجات، بعيداً عن أي عاطفة، وهي الصورة القاتلة للإنسان أحادية البعد؛ لكونه كائن بشري يحتاج إلى المساعدة والمشاركة، العاطفة والحب.

ساعة إدراك، فات أوانها كثيرًا وهي بأن كل الآباء النمطيين اليوم والذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت، هم أطفال الأمس والذين نمت سلوكياتهم وعاطفتهم ونفسيتهم متأثرة بالصورة النمطية للأب الذكوري التقليدي، الذي لا يحتاج إلى مساعدة ومشاركة المرأة، وبنفس الوقت هو السيد الذي لا يشارك ولا يساعد ولا يتقرب بعاطفته لأسرته وأبنائه.

إن دور الأب الاختزالي في التأديب واتخاذ القرارات دون تواصل عاطفي وحميم يتكرس دون شك كنموذج للتنشئة الأسرية الخالدة في ذاكرة الأجيال، بحسب كثير من الدراسات.

وماتزال المجتمعات الأبيسية تعتبر الأب الذي يشارك أفراد أسرته قراراته، يهتم برعاية أطفاله أثناء انشغال زوجته، يسمح للزوجة بإدارة موارد الأسرة على أنه رجل خنوع فقد شرعيته، و عنصر من عناصر رجولته المقدسة، فالأب الحقيقي هو المسيطر والقوي المدير والشاقي والموجه، وكثيراً ما نسمع عبارة “اشتحط وخلك رجال لا تسمع كلام المرة”.

رعاية الأبناء وظيفة الأمهات

من هنا تبدأ تطور الأفكار الذهنية للهيمنة الذكورية لدى الأطفال في سياق التنشئة الأسرية، وهو انعكاس تصرفات الآباء تجاه أبنائهم، ومن أهم تلك التصرفات عدم مشاركته لزوجته في رعاية الأطفال..

تحدث أبو بكر سالم السيد (28) عامًا، لمنصتي 30 بأنه يتمنى أن يهتم بطفله الصغير، لكنه دائما يتذكر موقفاً عالقًا في ذهنه عندما كان عمره 12 عاماً، كانت أخته الصغيرة بحاجة إلى أخذها إلى دورة المياه وتبديل ملابسها، في وقت كانت أمه غائبة عن المنزل، “فجأة شعرت بصفعة قوية على ظهري من أبي، ويصرخ اتركها إنه عمل النسوان” يضيف أبو بكر: “كلما حاولت أن أساعد زوجتي في رعاية الأطفال أتذكر هذا الموقف وسرعان ما أتراجع”.

يتساءل رئيس المنظمة الإلكترونية للإعلام الإنساني عبد الرزاق العزعزي: “لا أفهم لماذا يتم تنميط دور الزوجة وحصرها بالأعمال المنزلية، فيما يبقى الزوج خارج هذه الأدوار ويوصم بالعيب من يقوم بها، البيت للجميع، والعناية به، والإنفاق عليه مسؤولية مشتركة بين الزوج والزوجة”.

يشعر أبوبكر بالقلق والضغط لعدم استطاعته مساعدة زوجته، “زوجتي تتحمل فوق طاقتها من أعمال المنزل، أريد مساعدتها، ولا أستطيع”، ذلك الموقف ورغم مرور 17 عاماً؛ جعله يفقد عاطفته كأب له حق في رعاية طفله، وقضاء وقت ممتع معه، ويدفعه لإعادة إنتاج نفس السلوك (سلوك والده) ولاشك بأنه سيتوارثه أولاده مستقبلاً.

دراسات وبحوث

يوضح خبراء انه لكي يتم تحقيق الاستقرار النفسي للأبناء وبناء جيل متوازن، لابد أن تنبع من الثقافة الأسرية الوالدين معًا، اهتمام الأب بالجانب الوجداني، والسماح لزوجته بمساعدته بالجانب المادي، وأن حضور الأب في السنوات الأولى من عمر الطفل يحدد سلوك الطفل مستقبلاً كالصداقة، الزواج، زمالة التعليم والعمل.

كما يؤكد باحثون في التنمية الأسرية أن الآباء الذين يشاركون بشكل إيجابي في حياة أبنائهم هم أقل عرضة للقلق والاكتئاب، والانتحار وممارسة العنف ضد زوجاتهم، كما أنهم أكثر ممارسة للأنشطة الاجتماعية والمدرسية مع أبنائهم، كما اكتشف باحثون في علم النفس أن الأبوة تجربة مركزية في حياة مجموعة من الرجال ويمكن أن تعود بفوائد كثيرة على حياة الأطفال والنساء والرجال أنفسهم إذا تم إعادة النظر في المعايير التقليدية للذكورية المهيمنة

يتفاخر “العزعزي” لكونه يتحمل الكثير من مهام الأسرة الداخلية ويشارك زوجته رعاية أطفاله، “لديّ مهام منزلية محدّدة، لم تُفرض عليّ، لكني من منطلق العناية ببيتي أقوم بهذه الأدوار، أرعى أطفالي رعاية كاملة منذ أصبح لدينا توأم، تقاسمتُ المهام حينها مع زوجتي، طفل بطفل، ورعايتهما في النهار تقع على زوجتي، فيما أتولى المهمة ليلاً لتحصل على راحتها وتتمكن من رعايتهما في النهار، لا عيب في ذلك ولا حرج، بالعكس، أصبحت علاقتي بأطفالي وزوجتي متينة”.

تدرس “روث فيلدمان”، أستاذة علم النفس بجامعة “بار إيلان”، العلاقة بين الوالدين والطفل، والدور الذي يلعبه هرمون الأوكسيتوسين، وكيفية تطور هذه العلاقة. أبحاث “فيلدمان” السابقة أظهرت أن مستويات هرمون الأوكسيتوسين في اللعاب ترتفع لدى الأمهات والآباء عند حمل أطفالهم واللعب معهم.

إحدى الدراسات، التي تناولتها  “فيلدمان” وفريقها لـ 35 أبًا أعطت جرعة واحدة من هرمون الأوكسيتوسين عن طريق استنشاقه في الأنف قبل اللعب مع أطفالهم. (الدراسة التي لم تشمل  الأمهات؛ لعدم  منحهم الموافقة بعد على إعطاء الهرمون للنساء المرضعات).

أظهر هؤلاء الآباء زيادة كبيرة في مستويات الأوكسيتوسين بعد اللعب مع أطفالهم، من تركيز متوسط يبلغ 1000 بيكومول في البداية إلى 6000 بعد اللعب. ويقول فيلدمان إن الآباء كانوا أقل استعدادًا للتوقف عن النظر إلى الأطفال، وظل الأطفال يحدقون فيهم لفترة أطول.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً