في قلب الريف التعزي حيث تتشابك الأزمات الاقتصادية مع آثار الحرب، تقف المرأة الريفية كرمز للصمود والاستمرارية، وبمواجهتها للتحديات إلا إنها نجحت في الحفاظ على الأرض خضراء، وأبقت عجلة الاقتصاد المحلي تدور من خلال زراعة المحاصيل الأساسية كالسمسم والذرة والخضروات الموسمية.
تتحدث حورية غالب ذات الـ (53) عامًا من منطقة الغرس في عزلة برداد بمديرية صبر الموادم بمدينة تعز: “عندما بدأ الموسم، كانت هناك مشكلة الجفاف وانتشار للآفات الزراعية، وكانت هناك مخاوف منها المساحة المزروعة بالسمسم صغيرة بسبب التأخير في بدء المشروع، وتخوف النساء من المخاطر المحتملة، ولكن بعد التدريب من قبل المهندسين تم التعرف على كثير من الأشياء التي كنا نجهلها في السابق”.
يقول عبده البردادي عاقل منطقة الغرس والزاهد: “تواجه المرأة الريفية العديد من التحديات، أبرزها الأمية والجهل وخصوصاً في مواسم الزراعة والجني للحصاد، بالإضافة إلى صعوبة التضاريس الريفية وغياب وسائل النقل، إلا أنه رغم تلك الظروف الصعبة تتحمل المرأة الريفية الكثير من الأعباء الزراعية التي كانت سابقًا من مهام الرجل، لكنها أصبحت تتحملها نظرًا للظروف الاقتصادية التي أجبرت الرجال على التخلي عن بعض مهامهم للبحث عن العمل خارج المنزل”.
مبادرات
وفي ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية تبرز العديد من المبادرات الريادية التي تسعى إلى تحقيق تغيير إيجابي من خلال تبني مفاهيم التمكين والاستدامة، كمشروع “شركة الغد الأخضر للتطوير الزراعي و الإنتاجي“ والذي يسعى إلى زراعة السمسم الأسود المحلي في مدينة تعز وتحويله إلى طحينية صلبة وسائلة بجودة عالية، لتلبية احتياجات السوق المحلي والمنافسة على المنتجات المستوردة.
وبحسب رغد وليد القائد لتطوير إستراتيجية العمل والتوسع، يهدف المشروع إلى زيادة نسبة الإنتاج المحلي للطحينية المصنوعة من السمسم الأسود ودعم تمكين النساء الريفيات اقتصادياً واجتماعياً وكذا تقديم منتج صحي وطبيعي بجودة عالية يسهم في تحسين نمط التغذية والتقليل من الاعتماد على المنتجات المستوردة ودعم الاستقلال الاقتصادي.
وعن آلية العمل على المشروع تفيد بإنه “بعد زراعة السمسم الأسود المحلي، تتم معالجته باستخدام تقنيات تصنيع متطورة لضمان جودة المنتج، وبعدها تم تدريب 10 نساء ريفيات على عمليات الإنتاج والتعبئة، وإدخال عمليات تغليف مميزة تساهم في تعزيز المنتج في السوق، واستخدام التسويق المكثف على وسائل التواصل الاجتماعي والتعاون مع المتاجر المحلية”.
وعن أهمية المبادرة يضيف البردادي أن: “المبادرة هي خطوة أولى لدعم المرأة الريفية ولها أثرها الإيجابي باستهدافها للمناطق الريفية المحرومة من الدعم رغم أنها تعتبر مناطق زراعية بامتياز وتمثل السلة الغذائية للمدن والأسواق القريبة منها، وعلى الرغم أن الاستهداف كان محدودًا إلا أنه جاء في منتصف الموسم الزراعي مما أثر على النتائج، و تم تشجيع النساء على زراعة السمسم، وتم التغلب على التحديات البيئية والاقتصادية”.
تأثير الحرب
لم تقتصر تداعيات النزاع في اليمن على الجوانب السياسية والإنسانية فحسب، بل امتدت لتضرب أحد أهم ركائز الاقتصاد المحلي وهي الزراعة التي تشكّل شريان حياة للملايين من اليمنيين خاصة في المناطق الريفية والذين يعتمدون عليها لتأمين قوتهم اليومي وتوفير مصادر دخلهم.
يؤكد المهندس محمد المقطري لمنصتي 30 أن “القطاع الزراعي بتعز واليمن عموماً تأثر بشكل كبير وخصوصاً زراعة السمسم بسبب الحرب والنزاعات القائمة والتي تسببت بنزوح السكان، والهجرة من المناطق والأراضي الزراعية، وانقطاع الطرق والمواصلات ووسائل النقل مما أدى إلى صعوبة نقل وتسويق المحاصيل الزراعية، وارتفاع سعر المشتقات النفطية والأسمدة والبذور والمبيدات و الأجور، و تكاليف التشغيل وانعدامها وضعف الحالة المادية والشرائية للمزارعين كل ذلك أدى إلى عدم استثمارها، وتوقف التصدير والاستيراد، و تعطيل مكاتب الزراعة ومحطات البحوث والإرشاد وإتلاف الكثير من الدراسات والتجارب والنتائج”.
ويشير المقطري إلى أن “محافظة تعز تعتبر زراعة محصول السمسم ليس كبقية المحاصيل الزراعية الأخرى وكان يُزرع بمساحات ضيقة وكانت إنتاجيته قليلة لا تكاد تذكر إحصائيات أو نسب تقديرية وبعدها انعدمت تماماً، ومن ثم ظهرت تجارب أولى لزراعته بعامي 2022 وثم 2024م بمنطقة الضباب و عزلة برداد بالموادم ولكن بمساحة محدودة، بينما يحظى باهتمام كبير في محافظة الحديدة ويزرع بمساحات كبيرة وبإنتاج كبير، لكن لم تتوفر إحصائيات عن مقدار الرقعة الزراعية لمحصول السمسم في المحافظة وكمية الإنتاج السنوي للمحصول”.
وعن قيمة السمسم يشير عبده بأنه “يتمتع بقيمة اقتصادية كبيرة فهو يدخل في العديد من الصناعات الغذائية والعلاجية، وإذا تم توسيع زراعته واستغلاله بطرق متعددة يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحسين الدخل الاقتصادي للأسرة والمجتمع”.
لذا تلعب المرأة الريفية دورًا حاسمًا في تحقيق الاستدامة الاقتصادية خاصة في المجتمعات الزراعية، وأصبحت تمثل ركيزة أساسية للحفاظ على الإنتاج الزراعي وتوفير الأمن الغذائي و تشكل قوة دافعة وراء الحفاظ على استدامة المجتمع.