في اليمن، كما في العديد من المجتمعات الأخرى في المنطقة بشكل خاص والعالم بشكل عام، تواجه النساء تحديات كبيرة للوصول إلى مراكز صنع القرار المحلي، حيث تتجذر القوالب النمطية التي تقيّد مشاركتهن في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ومقابل هذه التحديات، هناك القليل من العمل الذي يتم لمجابهة هذه القوالب النمطية، وبالأخص على المستوى الإعلامي المهم؛ حيث يمكن للإعلام مواجهة السرديات الخاطئة وتفكيك القوالب النمطية ودعم وصول النساء لمراكز القرار.
أحد الأسباب الرئيسية لغياب الدور الإعلامي المطلوب يتمثل في ضعف الوعي والاهتمام بقضايا التمكين والريادة النسائية لدى المؤسسات الإعلامية اليمنية، واحتلال أولويات تتعلق بالحرب والسياسة والسلطة -وهي مجالات يتحكم بها الرجال- للفضاء الإعلامي في البلاد. سبب إضافي يتمثل في محدودية وصول النساء إلى قيادة المؤسسات الإعلامية لبناء جبهة وعي ومناصرة لتمكين اليمنيات مراكز القرار المحلي واستعادة التوازن الذي لطالما كان سمة تاريخية للمجتمعات اليمنية؛ حيث مارست النساء أدوارهن إلى جانب الرجال بإنصاف ومساواة.
إذا ما تحقق الاستثمار الحقيقي، يوفر الإعلام نافذة لا نظير لها في مواجهة القوالب النمطية التي تعكس تصورات مسبقة ومبالغ فيها عن أدوار النساء والرجال في المجتمع، حيث يتم غالبًا تصوير النساء على أنهن أقل قدرة على اتخاذ القرارات أو أن أدوارهن تقتصر على المنزل والأسرة. ولا يتوقف الدور الإعلامي عند مستوى التوعية هذا فقط، بل يمكن أن يوفر مساحة كبيرة لتفنيد ونقاش العوامل التي تحدّ من وصول اليمنيات إلى مراكز صنع القرار المحلي، ومن بينها الأسباب الاقتصادية والسياسية والأمنية.
من الأهمية بمكان أن تبدأ وسائل الإعلام اليمنية، بوصفها عمود أساسي تستند عليه العملية التنويرية والتثقيفية في البلاد، مناقشة القضايا الملحة المتعلقة بتعزيز حضور النساء في السلطة والمراكز القيادية. من بين السبل الناجعة لتحقيق ذلك، التركيز على نجاح وريادة النساء اليمنيات في الداخل والخارج، وتشجيع الأمثلة والنماذج التي قهرت التحديات وكسرت التصورات النمطية وأثبتت أن المرأة، مثلها مثل الرجل قادرة على الإدارة والقيادة والتوجيه بكفاءة وإنتاج.
إيصال قصص النجاح النسائية هذه عبر الإعلام سيكون حاسمًا في كسر التصورات النمطية بشأن قيادة المرأة داخل المجتمع اليمني، وسيؤكد أن هذه التصورات والأحكام المسبقة ليس إلا حاجز آخر أمام التنمية والازدهار في هذه البلاد. ولكن، من الملاحظ أن كثير من وسائل الإعلام اليمنية، لا تضع هذه المواضيع في دائرة اهتمامها، وتعدها شيئًا من الترف الذي لا يعتبر تناوله أولوية اليوم. وهذه من القناعات الخاطئة التي لمستها خلال عملي الصحفي منذ سنوات والاحتكاك المباشر مع كثير من القادة الإعلاميين اليمنيين.
إحدى التجارب الشخصية، حدثت في يوليو 2024 عندما تم انتخاب أول يمنية كنائبة في البرلمان البريطاني، وهي “ابتسام محمد“. آنذاك، سعيت بمعية زملاء إلى نشر قصة نجاح صغيرة وتعميمها على وسائل الإعلام المحلية في اليمن، لكن الاستجابة لهذه القصة كانت ضعيفة. أظهرت ردود بعض رؤساء التحرير ورؤساء المؤسسات الإعلامية اليمنية قصورًا في استيعاب أهمية هذا الإنجاز، ليس بالنسبة للنائبة المنتخبة أو بلدها الجديد فحسب، بل للمجتمع اليمني في الداخل الذي يحتاج لأمثلة مستمرة تحفر في وعيه الجمعي وتغير من تصوراته بشأن قيادة المرأة.
إلى جانب معركة الوعي والقناعات، يوفر الإعلام مساحات متنوعة لمناقشة قضايا تتصل بشكل أو بآخر بقيادة المرأة، وتحفز النقاش المجتمعي. من بين الأدوات المهمة لذلك، جلسات النقاش الحضورية والافتراضية، والبرامج الإذاعية، والبودكاست، والمنصات الرقمية، وغيرها. يجب أن تُطرح القضايا المتعلقة بقيادة المرأة ووصولها لمراكز القرار بشكل ملح دائمًا، وهذا ما قد يفضي إلى وضع تصورات عن كيفية معالجة التحديات وتعزيز الفرص أمام النساء.
كما يمكن للإعلام أن يحلل ويدرس القطاعات الحيوية التي تؤثر في وصول النساء اليمنيات لمراكز القرار، وفي مقدمتها قطاع التعليم والتأهيل. يجب أن تكون هذه المواضيع في صلب وقلب العمل الإعلامي، لاستخلاص العبر والأرقام والحقائق المتعلقة بتعليم وتأهيل الفتيات، والحاجة للبرامج الوطنية التي تعالج الفجوات والمشكلات في هذا الاتجاه. وبدون تحقيق تقدم في هذا القطاع، لن يكون من المجدي الحديث عن تمكين النساء من القرار والقيادة المحلية في ظل غياب الكفاءات النسائية أو نقصانها.
يستطيع الإعلام أيضًا أن يمارس الضغط على الأطراف والأحزاب السياسية لدعم وتمكين النساء في المراكز القيادية للدولة أو لهذه الأطراف. إن غياب هذا النوع من العمل الإعلامي في بلد مثل اليمن مأساة حقيقية، حيث لا توجد امرأة واحدة كمحافظة لإحدى المحافظات أو وزيرة في الحكومة، فضًلا عن الهرم الأعلى للسلطات الذي يحتكره الرجال بشكل كامل. وبالرغم من اختلافها وعداواتها، يبدو أن ما يجمع الأطراف اليمنية اليوم هو استبعاد النساء من مراكز القرار، وهي مفارقة عجيبة تستدعي نقاشها بصوت حاد في الفضاء الإعلامي.
ومن المهم الإشارة إلى أن النضال في هذه الاتجاهات الملحة لا يتعلق بالصحفيات أو المؤسسات الإعلامية النسوية فحسب، بل إنها مسؤولية شاملة تضع نفسها في قلب الواجب المهني والصحفي. ويعد الإدراك والإيمان العميق بأهمية قيادة المرأة وتمكينها شرطًا أساسيًا في بناء مجتمعات متوازنة فاعلة مزدهرة، ومستقبل أفضل لطالما تطلع إليه اليمنيون كسراب في الأفق يتلاشى باستمرار.
- المقال الفائز في مسابقة المقال ضمن حملة زيادة مشاركة النساء في مراكز صنع القرار المحلي | 25 نوفمبر – 10 ديسمبر 2024.
حقيقه وكلام رائع خصوصا مع الوضع السلبي للمجتمع المتسلط ع القرارات للاسف المرأة بحاجه لاشراكها في صنع القرار مهمه جدا لتوازن وبناء مستقبل
الصراحة مقال ممتاز من زميل الاكثر داعم لنساء. شكرا لك يعقوب والف مبارك عليك الفوز تستاهل والله وانصفت المرأة في مقالك ياليت السلطات يعطوا مجال لقيادة المرأة
المراه هي المجتمع لأنها أنجبت الرجل فالرجل نصف المجتمع والمرأه كل المجتمع
فبدون مشاركتها لا يصلح المجتمع