(الكرة والمباريات تقلل من الأنوثة وتخلي البنت جلف وما عندها رقة، اهتمي بالطبخ والماكياج، الكرة ما بتنفعك)، هذه بعض التعليقات المتنمرة التي تتلقاها مسك العريقي (24) عاماً، خريجة إعلام، من قبل المجتمع، بسبب اهتمامها وشغفها برياضة كرة القدم. تقول مسك في حديثها لمنصتي30 ، “أن نسبة التنمر والردود السلبية على منشوراتها الرياضية في حسابتها (فيس بوك و انستغرام) تصل إلى 40%.
ليست مسك المرأة الوحيدة التي تتعرض لهذا النوع من العنف والتنمر المتمثل بالإساءة النفسية والعاطفية، فهناك الكثير من النساء اللواتي يشاركن مسك شغف متابعة كرة القدم ويتعرضن لما تتعرض له، تؤكد مسك أن 30٪ من النساء اللواتي تتابعهن على مواقع التواصل الاجتماعي ويشاركنها ذات الشغف، جميعهن يتعرضن للتنمر.
لماذا ؟
تُرجع مديرة إدارة المرأة في مكتب الشباب والرياضة بمحافظة تعز، حنان النقيب، سبب التنمر على النساء المهتمات بالرياضة إلى النظرة المجتمعية القاصرة، والعادات والتقاليد التي تفرض قيودًا على حرية النساء. وتضيف، “أن هذا التنمر يعزز الصورة النمطية السلبية والتمييز بين الجنسين، مما يؤثر على تقدم المجتمع نحو العدالة والمساوة”.
تتفق اختصاصية علم النفس الاكلينيكي، آلاء فيصل، مع حنان، على أن العادات والتقاليد سببًا رئيسيًّا في التنمر، موضحة أن المجتمع اليمني يتمسك بعادات وتقاليد قديمة تعتبر الرياضة بشكل عام وكرة القدم على وجه الخصوص نشاط خاص بالرجال، وغير مقبول اهتمام النساء به.
وتضيف آلاء، في حديثها لمنصتي30، بالقول: “كما أن من الأسباب نظرة بعض الرجال للمرأة المهتمة برياضة كرة القدم كامرأة متشبهة بالرجال وبعيدة عن الأنوثة، حيث أن اهتمامات الأنثى -من وجهة نظرهم- لابد أن تتمركز حول كل ما يخصها من طبخ وجمال وموضة فقط.
وإلى مجمل الأسباب السابقة، تقول الدكتورة في علم الاجتماع الثقافي، ألطاف الأهدل، أن العادات في المجتمع اليمني تربط الأنوثة بأدوار اجتماعية محددة، مستطردة حديثها بالقول، “على سبيل المثال تُربط أدوار المرأة في مجتمعنا بأنماط ووظائف معينة، مثل وظائف الطبيبة أو الممرضة أو المعلمة، ومخالفتها لهذا النمط يجعلها عرضة للتنمر”.
انعكاسات
إن التنمر على النساء اللواتي لهنَّ شغف واهتمام بالرياضة، مثل متابعة كرة القدم، لا يمر مرور الكرام، إذ ينتج عنه آثار نفسية واجتماعية عديدة تؤثر عليهن
تذكر اختصاصية علم النفس الإكلينيكي، آلاء فيصل، بعض هذه الآثار، “بداية أن التنمر يؤدي إلى شعور النساء بأنهن غير قادرات أو مؤهلات لإبداء رأيهن والمشاركة بالاهتمامات، بالتالي يشعرن بنقص في مستوى تقدير الذات مما يؤدي إلى عدم ثقتهن بأنفسهن وقدراتهن”.
وتضيف، “ان التعرض المستمر للتنمر يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بمشاعر القلق والاكتئاب، مما يؤثر على الصحة النفسية بشكل عام، وقد تستمر الآثار النفسية للتنمر لفترة طويلة، ما يؤثر على حياة النساء و قدرتهن على تحقيق أهدافهن مستقبلًا”.
وتختم آلاء حديثها عن الآثار النفسية بالقول أن النساء اللواتي يتعرضن للتنمر قد يشعرن بالعزلة ويتجنبن الاختلاط بالمجتمع والمشاركة في الاهتمامات أو التصريح عنها، مما يزيد من شعورهن بالوحدة”.
وهو ما أكدته الاختصاصية الاجتماعية، سوسن رشيد، بقولها ان التنمر على هؤلاء الفتيات يتسبب بحدوث مشاكل أسرية نتيجة اختلاف الآراء والقناعات بين الأهالي والفتيات.
وتوضح سوسن أن ردة فعل الأهالي المعارضة قد تصل إلى حد حرمان الفتيات من متابعة شغفهن بالرياضة أيًا كان نوعها، وسلبهن أي وسيلة يستخدمنها في المتابعة كالجوالات، ما يؤدي إلى إصابتهن بمشاكل نفسية كالعزلة.
للتغلب والتغيير
للتغلب على الضغوطات النفسية الناتجة عن التنمر، تسرد آلاء فيصل، بعض الحلول، ومنها التنفيس الانفعالي الذي يقوم على التعبير عن المشاعر سواء بالكلام أو الكتابة أو الرسم وغيرها من أشكال التعبير التي يمكن أن تكون وسيلة للتفريغ العاطفي، إضافة إلى ذلك، التحدث مع الأصدقاء والعائلة، أو الانضمام إلى مجموعات دعم، حيث يوفر ذلك شعورًا بالانتماء والتفهم، ومساحة لمشاركة الآراء والاهتمامات .
وتشير آلاء في ختام حديثها لمنصتي30، “أن في حال لم تستطع المرأة التغلب على آثار التنمر بشكل ذاتي، يمكن الاستعانة بمعالج نفسي أو أخصائي نفسي يساعدها في تقديم استراتيجيات فعالة للتعامل مع الضغوطات التي تمر بها”.
من جانب آخر، تقول حنان النقيب، أن تغيير النظرة السلبية تجاه النساء المهتمات بالرياضة، وخاصة كرة القدم، يتطلب التعاون والوعي المجتمعي من خلال توعية وتثقيف الجميع بأهمية تشجيع مشاركة النساء في مختلف أنواع الرياضة، وتوفير الفرص لهن لمتابعة اهتماماتهن الرياضية بحرية ودون قيود.
وتشير النقيب إلى أهمية وضع قوانين تحمي النساء من التنمر، وتضمن حقوقهن في ممارسة الرياضة، مستطردة بالقول:” فحتى الآن لا يوجد قانون يحمي النساء من التنمر”.